(خطبة سريعة، وزواج سريع، وتربية سريعة، وطلاق سريع ) كل شيء في هذا الزمن صار سريعا فالسفر سريع، والوجبات سريعة، والتعليم سريع، والاتصالات سريعة، والنت سريع، فصرنا نعيش من الصباح إلى المساء في سرعة وسرعة وسرعة، حتى صلاتنا وأذكارنا وعبادتنا صارت سريعة، وقد ذكر النبي عليه السلام من علامات آخر الدنيا (تقارب الزمان)، وكنت أفهم التقارب سابقا بسبب التطور التكنولوجي الذي ساهم بتقريب المسافات، ولكن هل يشمل هذا الحديث أيضا السرعة التي نعيشها في المجال الأسري والتربوي حتى صار الصابر والحليم اليوم عملة نادرة!!
هذه مسألة تحتاج إلى بحث، والذي دفعني للتفكير في هذا الموضوع كثرة المشاكل التي تعرض علي ويريد أصحابها حلا سريعا على غرار الوجبات السريعة، وأنا أحاول جاهدا أن أشرح لهم أن المشاكل التربوية والزوجية تحتاج لوقت حتى تتم معالجتها، وقد عرضت علي أم منذ يومين مشكلة ابنها المراهق فقلت لها: إن هذه المشكلة تحتاج لخطة علاجية مدتها من سنة على الأقل، فقالت لي: أليس لديك حل سريع نعالج المشكلة خلال ساعتين؟ فابتسمت وقلت لها: أنا لست ساحرا، ولا أملك معجزة! فالتعامل مع الأولاد وعلاج مشاكلهم يحتاج لثلاث قواعد ذهبية (صبر وتخطيط ودعاء).
وزوج كلمني يريد حلا سريعا لعلاج مشكلة زوجيه فابتسمت له وقلت: أنت لا تتعامل مع آلة بل مع انسان مخلوق من طين وليس من حديد، وحتى تعالج مشكلتك تحتاج لثلاث قواعد ذهبية (صبر وتخطيط ودعاء)، فكثير من المشاكل التربوية والزوجية تحتاج لوقت حتى تعالج، ومن قطف الثمرة قبل أوانها لم يستمتع بجمالها ولا بطعمها، فنحن نتعبد الله بالصبر على الابتلاء سواء كان هذا الابتلاء مرضا أم مشكلة زوجية أو تربوية.
فأي مشكلة تواجهنا ينبغي أن نراها بزاويتين: الأولى دنيوية والثانية اخروية، وهذا هو منهجنا الذي علمنا إياه نبينا الكريم، فقد جاءت للنبي الكريم جارية كانت تصرع (وسألته أن يدعو لها بالشفاء فقال: إن أحببت أن تصبري ولك الجنة وإن أحببت دعوت الله أن يشفيك فقالت: بل أصبر، ولكني أتكشف فادع الله لي ألا أتكشف فدعا لها ألا تتكشف)، ففي هذه الحادثة قدم لها النبي الكريم خيارين: الأول (الصبر ولها الجنة)، والثاني (العلاج السريع للمشكلة)، فاختارت الصبر مع اضافة شرط لحماية نفسها وستر جسدها.
إن هذا الحديث يعتبر منهجا لنا في كيفية التعامل مع مشاكلنا التي تواجهنا، وفيه فوائد عظيمة منها: أولا: أن ليس كل مشكلة يصلح معها الحل السريع. ثانيا: ان الصبر أساس لعلاج أي مشكلة تواجهنا. ثالثا: لا ينبغي أن نغفل الرصيد الأخروي عن كل مشكلة تواجهنا في الحياة فما عند الله خير وأبقى. رابعا: ان للمسلم أن يختار الصبر وتحمل المشاق والأذى طالما أن هذا الطريق يوصله للجنة والثواب العظيم، فالصبر يعتبر مفتاح الفرج، ومن الأمثلة الجميلة لتقريب ثواب الصبر (لو أن ملكاً قال لرجل فقير: كلما ضربتك بهذا العود اللطيف ضربة، أعطيتك ألف دينار، لأحب الفقير كثرة الضرب، لا لأنه لا يؤلم، ولكن لما يرجو من مكافأة بعد الضرب وإن آلمه الضرب، فكذلك الصابر على الابتلاء والمشاكل عندما يطلب الثواب يهون عليه البلاء).
ورسالة أقولها لكل مستعجل في علاج مشاكله الأسرية ألا تستعجل في العلاج، فكم من مشكلة أنا شخصيا دخلت في علاجها وكنت أرى اليأس في وجوه أصحابها ولكن الفرج جاءهم بعد طول انتظار، وإني أعرف زوجا مدمنا على المخدرات استمرت زوجته تعالجه لمدة 22 سنة ثم ذاقت حلاوة التعب والصبر، وزوج آخر صبر على عدم إنجاب زوجته لمدة 12 سنة ثم رزقهما الله الولد، وزوجة ثالثة صبرت على خيانة زوجها لمدة 8 سنوات ثم استقام زوجها، وزوج رابع صبر على زوجته المهملة لبيتها وأولادها لمدة 5 سنوات ثم بدأت تهتم ببيتها وأولادها، وختاما، فإني أعرف زوجة صبرت على زوجها الذي كان يشرب الخمر لمدة 35 سنة ثم ترك شرب الخمر… فلنتأمل.