تحدثت في حلقتين مضتا عن مسوغات التأهيل، والسؤال المطروح في هذه الحلقة:
من المسؤول عن التأهيل؟
إذ دائما يقع النزاع في تحديد المسؤولية، وتحميل الأعباء، ولكن الشباب ينتظرون،
ومن حقهم علينا أن نبادر قبل أن يصبح أحدهم رقما جديدا في قوائم الأمراض والطلاق والعنوسة.
أما الجواب الحالي والواقعي عن السؤال:
فالشائع هو ثقافة القبيلة؛ حيث تتحكم العادات المتوارثة بكل ما فيها من حسن وسئ في حاضر الأسرة ومستقبلها، وكثيرا ما تكون سلبية؛ كعدم الخروج عن القبيلة، وحق المرأة في الموافقة على الزوج، ومبدأ تضاؤل المرأة في ظل الرجل.
وثقافة الأسرة، فإذا كانت الأسرة ناشئة، فمن المتوقع أن تكون جاهلة في ميدان الزواج، وما تملكه من معرفة يسيرة لا يؤهلها للنجاح غالبا، وقد تقدم الأسرة الأصل أنموذجا مسيئا للحياة الزوجية منفرا منها. وثقافة الإعلام المعلن؛
وهي ثقافة مسيئة غالبا، تأتي عبر أفلام ومسلسلات وفيديو كليب، ودعيات تجارية تتخذ فيها المرأة سلعة.
وغالب ما يعرض من عروض درامية تقدم الحياة قبيل الزواج في أثواب الخيانة والغرام المرذول، وليس الحب الإنساني المقبول، حتى أصبحت تلك الفضائيات سببا إضافيا، في رفع أعداد حالات الطلاق إلى 70 ألف في مصر و13 ألفا في السعودية و10 آلاف في الأردن، وذلك خلال العام الماضي فقط. وقد خلصت إلى هذه النتيجة دراسة أجراها المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية في مصر، وأظهرت أن القنوات الفضائية وما تقدِّمه من صور غير واقعية أصبحت سببا رئيسا في خراب البيوت.
وقالت الدراسة إن الدراما الفضائية تغرس الصراع السلطوي بين الزوجين وتنمي الشعور بالفردية داخل الأسرة ويؤدى زيادة حدة الصراع بين الزوجين إلى زيادة نسب الطلاق.
وأكدت د. عزة أن الفضائيات سرقت كثيرًا من الأزواج من زوجاتهم وغيرت أمزجتهم وتطلعاتهم، فبعد أن كان الزوج مقتنعًا بزوجته أصبح الآن يرى نساء جميلات يمارسن حركات مثيرة لا تعرف زوجته كيفية ممارستها؛ وهو ما يدفع الزوج إلى إجراء مقارنة تكون فيها الزوجة بالطبع خاسرة.
وأوضحت الدراسة أن ما بين 61–80% من الإعلانات يركز على القيم الاجتماعية السلبية، و89% تركز على القيم الاقتصادية السلبية، وهو ما جعل الدكتورة عزة تخلص إلى أن الإعلانات تسهم في بث قيم وسلوكيات سلبية لها إيحاءات ومعان جنسية وسيئة. وأن90% من الإعلانات تستخدم فيها المرأة كسلعة من أجل الترويج لسلع استهلاكية.
ومن الثقافات المؤثرة في تأهيل شبابنا عكسيا:
ثقافة الإعلام الممنوع؛ وهو ما يمتد من الفضائيات الجنسية البحتة، إلى مواقع الرذيلة على الشبكة العنكبوتية، إلى آفات الجوال المختلفة ولاسيما البلوتوثات والرسائل الغرامية التي أودت بمستقبل فتيات وعكرت زواج آلاف من الشباب.
وأما ثقافة المدرسة والجامعة؛ فهي ـ حاليا ـ لا تعطي هذا الأمر حقه من الاهتمام الذي يستحقه، بل هي معلومات مشتتة في مواد مختلفة، يتيه بها الطالب ولا يجتمع.
بل نشأت ثقافة رديئة مسمومة تقوم بها جهات غير مأمونة؛ وقد تكاثرت عبر الجوال وفضائيات الشعوذة والسحر والكهانة، أو الشات في الشبكة العنكبوتية، أو المختصين النفسيين الذين يتاجرون بتخصصهم ولا يوظفونه بأمانة ومسؤولية، أو حتى الأصدقاء غير الأسوياء، وأكثر هذه الجهات بعيدة عن التصور الإسلامي.
إن هذه الثقافة يجب أن تقدم عن طريق مختصين أمناء، ومهتمين اهتماما خاصا بها، ولعلي أشير هنا إلى عدد من ولعلي أشير إلى تجارب عالمية في التأهيل للزواج منها:
في العاصمة المكسيكية افتتحت مدرسة لتعليم الفتيات كيف يصبحن زوجات ممتازات، لمدة عام كامل، وفي اليابان تنتشر مدارس تأهيل الأزواج أو ما يطلق عليها مدارس العرسان، وفي ماليزيا تجربة رائدة استطاعت أن تصل بنسبة الطلاق إلى 7%، تقوم على الإعداد للحياة الزوجية ببرنامج تأهيلي يصل إلى شهر كامل.
نعم إذا لم يقدم هذه الثقافة أهل العلم والأمانة فإن الآخرين جاهزون!!
لفتة:
تكاد تجمع الدراسات على أن السبب الأول والأبرز لأكثر من ثلاثة أرباع المشكلات الزوجية هو عدم فهم الزوجين أحدهما للآخر، لا سيما في السنوات الأولى من الزواج، الأمر الذي يترتب عليه ازدياد نسبة الطلاق، وهو ما يحتم ضرورة حماية الأسرة من التفكك عن طريق التأهيل.