د. خالد بن سعود الحليبي
الزواج سكينة ومودة ورحمة ، مصداقا لقول الله (عز وجل) : { ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون } [الروم : 21] ..
وإذا لم تتحقق هذه الأهداف الثلاثة ، فإن الزواج لم يؤت ثمراته الأولى ، ليكون المحضن الأرحب للهدف الرابع ، وهو نشأة الذرية نشأة استقامة وسلامة ..
ولذلك يعد وجود حالات مرض ناتجة عن زواج لم يسبقه فحص ، دليل ضعف في الوعي الشخصي ، إذ كيف يستطيع الإنسان درء أمراض خطيرة ، أو حتى ليست ذات بُعد خطير قبل الزواج بإذن الله ، ويتركها حتى تنغص عليه الحياة بعد الزواج ؟!
كما يعد الطلاق سوسة البناء الاجتماعي ، بل إنه يحدث « ثغرة سلبية في الأمن النفسي والاجتماعي ، والأمن الوطني بشكل عام ، باعتبار أن نظام الحكم في المملكة العربية السعودية اعتبر الأسرة ـ وليس الفرد ـ المقوم الرئيس للمجتمع السعودي ، وهو ما نصّت عليه المادة التاسعة من النظام ؛ حيث ذكرت : (أن الأسرة هي نواة المجتمع السعودي) [ العشرة الزوجية والطلاق في الأسرة السعودية ؛ ص:9].
وحتى يكون الإنسان مؤهلا لزواج ناجح ، بإذن الله ، لا بد أن يسلك إلى النجاح مسالكه ، فهو الوظيفة الأهم في الحياة الاجتماعية ، وهي الوحيدة التي بقيت حتى الآن ، لا تتطلب شهادة معتمدة ؛ على الرغم من ملايين المشكلات اليومية ، وآلاف حالات الطلاق سنويا !!!..
ومن خلال الاستشارات الكثيرة جدا ، أكد شباب وشابات جهلهم بأمور كثيرة في الحياة الزوجية ؛ بدءا بالاختيار، ومرورا بالقضايا المتعلقة بالمعاشرة الجنسية ، والتكيف الزواجي ، وتربية الأولاد ، ونهاية بتحمل المسؤولية الجديدة ..
وقد فاضت الإحصاءات في عدد من الدراسات ، ومراكز ، ومواقع ، ومشروعات الأسرة في المملكة بأرقام ونسب مرتفعة ، في حدوث المشكلات الزوجية في الأسرة السعودية على غيرها من المشكلات ..
وتشير إلى أهمية الالتفات إلى التثقيف الزواجي / هذا الواجب الغائب ، وإن حضر فهو ليس بالقدر الكافي ؛ لحماية المجتمع من آفة الطلاق ..
ولعلي أتناول مثالين قريبين مني ؛ بوصفهما مؤشرين واضحين في هذه القضية على
مستوى المملكة عموما ، والمنطقة الشرقية خصوصا :
الأول : الهاتف الاستشاري في مركز التنمية الأسرية في الأحساء ، الذي استقبل أكثر من ثلاثة آلاف ، ومئتي استشارة من أربع وخمسين منطقة ومحافظة سعودية ،
والآخر: موقع المستشار التابع لمركز التنمية الأسرية في الدمام ، الذي استقبل أكثر من 2850 استشارة من جميع أنحاء العالم ، ومن السعودية والشرقية خصوصا ؛ لكونه يسوق فيها أكثر من غيرها..
وكانت 40 بالمائة من الاستشارات في الهاتف الاستشاري زوجية ، ويمكنك أن تضيف إليها 21 بالمائة أسرية ، ويمكنك أن تضيف إليها 13بالمائة تربوية ،
فكل من الأخيرتين تبع للاستقرار الزواجي .. بل حتى النفسية ، التي بلغت 12 بالمائة ، غالبا ما تكون ناتجة عن مشكلات زوجية ، ويبقى 14 بالمائة لمشكلات أخرى ..
وجاءت نسبة المتزوجين 68 بالمائة من المتصلات والمتصلين ، وأقدم هنا المتصلات ، لأنهن يمثلن 83 بالمائة ، بينما لا يمثل الرجال المتصلون سوى 17 بالمائة ..
وقد تفاوتت المشكلات بين خلافات مزمنة ، بلغت 58 بالمائة ، وتوزع أقل من النصف الباقي من طلاق ، وفراق ، وقطيعة رحم ، وهجر، وعنف أسري ، ورهاب اجتماعي ، وبرود عاطفي ، وهروب من المسؤولية ، وخيانة زوجية ، وصمت زوجي ..
وتكررت نسبة الاستشارات الزوجية كذلك على الشبكة ، فكانت 40 بالمائة من مجموع الاستشارات .. جملة منها في الاختيار والخطوبة ، وما قبل الزواج ، وبُعيد الزواج ، مشكلات منذ البداية !!
فمن يدل الشباب على ما يجهلون الطريق إليه ؟ أليست نفوسا تخترم بالحزن والاكتئاب ، وأموالا تهدر، وأولادا يتيهون بين بيتين !
أفلا يجعلنا ذلك نقدم على الخطوة الثانية ، بعد الخطوة الأولى ، التي ألزمت الشباب بالفحص الطبي قبل الزواج ، بأن يلزموا بالتدرب على الحياة الزوجية ، وتربية الأولاد قبل الزواج أيضا ؟ لنسهم في سلامة الأجيال القادمة إن شاء الله ..
وقد تعددت أسباب عزوف الشباب عن الزواج ، ومن أبرزها : غلاء المهور والبطالة ، والدراسة ، والأنموذج السيئ ، الذي يجدونه في المنزل ، أو من خلال صديق فشل في حياته الزوجية ..
وكلها تحتاج إلى برامج تدريبية ، تعالج هذه الأمور الناشئة عن أفكار معينة ، تسببت في وجود أكثر من مليون عانس في المملكة العربية السعودية ، ويمكننا عن طريق التأهيل إيجاد حلول لكثير من هذه التساؤلات في أذهان الشباب بإذن الله ..
ولا يزال للحديث بقية مهمة .. أرجو أن يوفق الله لنشرها.