حوادث الغدر والظلم التي تعرض لها بعض مبتعثينا في عدة دول، وضعت ملفهم على المنصة الأهم في الصحافة والإعلام بكل وسائطه، وهو ما أتوقعه على مكاتب الوزراء ومدراء الجامعات، فقد انهمرت التساؤلات المريرة بقدر حبنا لأولادنا هناك؛ شبابا وفتيات، لماذا، وماذا بعد؟ في الوقت الذي ننتظرهم فيه بكل شوق؛ ليسهموا في بناء البلاد، وتنميتها ونهضتها، تنغص علينا هذه الطعنات المجرمة، وتجرف معها ألوانا من الرؤى المستقبلية.
نعم، هي حوادث عين، وقد أفاضت فيها الأقلام توجعا وحلولا في وقت واحد، فمقلٌّ ومستكثر، ولكن السؤال: هل الأمن على النفس من خارجها هو مطلبها الوحيد، أم أن هناك أمنا آخر يحتاج إليه (الإنسان) المبتعث؟
ما يُوفر للمبتعث من مال وتعليم ومتابعة دقيقة في تقدمه العلمي هو محل التقدير الكبير منه ومن أسرته ومن الوطن كله، ويبقى للإنسان احتياج آخر، هو أمنه النفسي الداخلي، واطمئنان روحه، وسلامته من الاضطرابات والمكدرات النفسية مهما كان حاله، إلى جانب استقراره الأسري مع زوجته وأولاده إذا كان متزوجا.
مبتعثونا في حاجة إلى دراسة شاملة جادة، تكشف احتياجاتهم كلها بلا استثناء، وتسعى لتلبية هذه الاحتياجات في شكل برامج تتسم بالمهنية العلمية، والشمولية، والتنفيذ الأمين.
ولعلي أقف هنا عند الاحتياج إلى مراكز الإرشاد الأسري؛ لاهتمامي بها مباشرة، تاركا كل الاحتياجات الأخرى للمختصين فيها.
من خلال الإرشاد الهاتفي، والإرشاد الإلكتروني في مراكز الأسرة المختلفة، ألاحظ تزايد عدد الاتصالات والاسترشادات في الفترة الأخيرة، من إخواننا وأبنائنا وبناتنا المغتربين والمغتربات، في المجال الأسري بالذات، وغالبا ما تكون هذه المشكلات لها علاقة مباشرة باستمرارهم في البقاء للدراسة، كما أن مشكلاتهم متماثلة إلى حد كبير، تتمثل في سطوة الغربة وأثرها الصاخب في نفوس الزوجات المصاحبات لأزواجهن، وما قد يحدث ذلك من فجوة قد تنتهي بالطلاق، أو ما يحدث من الصدمة الحضارية لبعضهم، مع عدم توافر الأجواء التي تحتويهم؛ لتحاول أن تصل بهم إلى التوافق مع ما جدَّ عليهم مما لم يألفوه، مع تقديري للأندية السعودية، التي زرت بعضها وأعجبني نشاطها، ولكنها ليست مختصة في المجال الذي أتحدث عنه هنا، ولكنها تصلح أن تكون حاضنة له.
وإذا كان الطالب (الشاب) يستطيع أن يتجاوز بعض العقبات والعوائق التي تعترضه ولو بعد مكابدات ومعالجات، فإن الطالبة (الفتاة) ستكون أحوج منه إلى من يساعدها ـ ولو باستشارة ـ لتجاوز ذلك.
وما يوجد من مؤسسات اجتماعية في البلاد الأمريكية والأوربية والآسيوية التي يفد إليها مبتعثونا محدودة التواصل معهم، بل إنهم في الغالب لا يعرفونها إلا حين تأتي هي إلى بيوتهم؛ لتقوم بعملها الميداني للتأكد من نيل الأطفال حقوقهم في المنزل، ونحو ذلك.
كما أن الحقوق والواجبات التي بين الزوجين في الإسلام، وفي عرفنا، مختلفة كثيرا عما هي عليه في تلك البلاد، فضلا عن الأحكام الشرعية المتعلقة بالزواج والطلاق، والنفقة والحضانة، والإرشاد الأسري يدور مع تلك الأحكام والتشريعات السماوية حيث دارت.
وفي الوقت نفسه فإن القلق والاضطرابات النفسية المتنوعة قد تداهم أي طالب أو طالبة وهو هناك بأسباب كثيرة، بسبب الانفتاح غير المنضبط في الإعلام والمجتمع الذي من حولهم، والانحرافات كما أنها تقع من بعض الشباب في بلادهم إذا رافقوا أصدقاء السوء، أو تعاطوا مع الإعلام الإباحي، فقد يحدث ذلك أكثر في بلاد مفتوحة الأجواء، بعيدا عن الرقابة الأسرية.
إن الوطن قد بذل من أجل هؤلاء المال والجهد والزمن؛ وهو ينتظر منهم أن يعودوا ناجحين، بل علماء في فنونهم، وللحفاظ على هذه المقدرات وعلى نتائج هذا المشروع الضخم، لابد من وجود مراكز إرشادية قريبة منهم، بل معهم، وتكون مكونة من مختصين مهنيين، يتعرفون على الواقع كما هو دون تمويه ولا مبالغة، ثم يضعون خططهم للحفاظ على ذخيرة الوطن، وصمام المستقبل.