الجمعة 20 سبتمبر 2024 / 17-ربيع الأول-1446

واحتفلوا بجرحي



“من حقنا أن نفرح بنجاحنا” هكذا ستقول كل فتاة ستقرأ هذه المقالة، وستجد كل صخور العالم تردد أصداء كلمتها المزركشة، لكن قد تمتنع القلوب النابضة بالحنان عن ترديدها بصوت يتساوى مع صوتها العالي الجهير.

أهمس وأقول: نعم من حق بناتنا أن يفرحن بما حققنه من نجاح في دراستهن، ومن شكر المنعم إظهار النعمة، بل إن من علامات الجودة في إدارة الأسرة، والتألق في التحفيز الإبداعي المستمر كثرة الاحتفالات بالمنجزات داخل الأسرة، بل هي من أبرز وسائط استمرار تنشيط القدرات الذهنية والابتكارية لديهم «كبارا وصغارا» من الوالدين إلى أصغر طفل، من منجز بحجم الحصول على جائزة فخرية، أو درجة علمية، إلى حصول الطفل على شهادة تقدير من مدرسة ابتدائية، أو مركز مهاري.

بل أُوسَّع دوائر المنجزات؛ حتى تشمل: إنهاء برنامج تدريبي بإتقان مهارة السباحة، أو الخطابة، أو الحوار، أو الحصول على رخصة القيادة، أو تمكن الطفل من قراءة أول كتاب بنفسه، كيف لو حفظ القرآن أو شيئا منه، أو انتهى من دورة علمية .. أو مثل ذلك.
هذا هو الذي يستحق الاحتفاء، وليس الاحتفال بمرور سنوات على عمر الإنسان، حتى ولو لم تكن سنوات ذات قيمة إنجازية بارزة، بما يسمى (عيد الميلاد).
كل ذلك يكون في جو عائلي محدود، بتكاليف تطيقها الأسرة، وقد يمتد في الأسرة الممتدة؛ بالاحتفال بحفظة كتاب الله، أو بالمبرزين في التفوق العلمي، أو الذين حققوا منجزات كبرى، ويكون ذلك في إطار مقبول من التكاليف، وربما قام به رجل أعمال من الأسرة، كما نجد ذلك في بعض الأسر الكبيرة، في جو وقور.
وقد ورد أن ابنا لأيوب السختياني حذق في الكتاب، فصنع له حفلا في منزله، ووُضِع للصبي منبرا فخطب عليه، ونهبوا الجوز على الحاضرين، قال الحسن رضي الله عنه: “كان الغلام إذا حذق قبل اليوم، نحروا جزورا وصنعوا طعاما للناس”.
لكن المرفوض تماما هذه الاحتفالات التي بدأت تدبُّ في المجتمع بطريقة لا يطيقها كثير من الأسر، بل أصبح بعضها مشبوها؛ حيث يتجمع بعض الفتيات تحت مسمى (حفل النجاح) ولهن أغراض أخرى، وهذا نادر، وإنما أحببت التنبيه إليه فقط.
لكن الشائع هو: الاحتفال بالتخرج، باختيار الموقع الباهظ الثمن، وتفصيل الملابس الفاخرة الغالية، ثم تأتي الطامة، حين تتباهى الأمهات بالهدايا التي يقدمنها لبناتهن أمام الجميع.
وقد يكون العكس، وتقليدهن الأطواق الوردية، ونحو ذلك؛ ما يمكن عمله داخل جدران المنزل، دون مشاركة الأخريات.
أما وقد أصبح يتحول تدريجيا إلى عادة اجتماعية، فقد أصبح – كما ذكر لي بعض الرجال – إضافة عبء على كاهل ربِّ الأسرة، حتى أصبح ينافس تكاليف الأعراس، فيكون مثار خلاف ونزاع، وربما امتد أثره على العلاقة الزوجية بالنسبة للمتزوجات، وعلى العلاقة الأبوية بالنسبة للبنات.
وفوق كل ذلك .. هناك بنات فقدن أمهاتهن، فكل هدية ستظهر على المسرح طعنة في خواصرهن، سواء من البنت للأم أو العكس. 
وهناك فتيات من بيوت فقيرة، غير قادرة على ما تشاهد من هذه الهدايا الباذخة، وسيخجلن من قيمة هداياهن المتواضعة، وهنا ستُنكأ الجراحات المندملة على علل، وتنهل الدموع بدلا من اندياح ابتسامات الفرح، ويتحول الحفل إلى عزاء، والإجازة إلى فترة حداد.
للتعبير عن الفرح ألف أسلوب وأسلوب، فلا يصح أن يحال إلى مأتم.

Dr_holybi@ تويتر



تصميم وتطوير شركة  فن المسلم