بقلم د. العربي عطاءالله
يخلد العالم في مطلع شهر أكتوبر يوما عالميا للمسنين، فهل يكفي يوما واحدا في السنة لتكريم ﻫذه الفئة التي كرست حياتها كلها لخدمة أهلها ومجتمعاتها ؟ وكيف كرمها الدين الإسلامي واهتم بها ؟
تعتبر الشيخوخة مرحلة أخيرة يختم بها الإنسان رحلة حياته قبل التحاقه ببارئه، وهي أصعب مرحلة يجتازها الفرد لما يتخللها من الضعف والهوان، فهي مقترنة بالاستهلاك التدريجي للأعضاء وبالتغيرات الحيوية التي تطرأ على الجسم، فالمسن يعاني من ضعف جسمي عام في الإحساس، والعضلات والعظام، وينعكس ذلك أيضا على الجنب النفسي والاجتماعي .
كما أن حالته النفسية تكون جد متوترة، حيث يؤثرذلك على علاقاته الاجتماعية إذ يصعب عليه التكيف والتوافق مع مستجدات الحياة، ومع عدة أجيال قال تعالى« ومن نعمره ننكسه في الخلق أفلا يعقلون» سورة يس، الآية: 68.
ومع كل ﻫذه المعاناة فان المسن يتميز بنضوج علمي، وثراء فكري، وخبرة ذاتية جد واسعة، حيث أنه يفهم الحياة فهما واقعيا، وينظر إليها نظرة علمية، ﻟذا نجد خير إنتاج أكابر العلماء في مرحلة الشيخوخة ، فيا حبذا لو استثمرت مهاراتهم فيما يعود على المجتمعات بالخير، لكن التهميش الذي تتعرض له هذه الفئة تحرم الأمم من خير كثير هي في أمس الحاجة إليه.
ﻫذه العوامل كلها جعلت الأمم المتحدة تعقد عدة مؤتمرات وندوات، ابتداء من سنة 1982 لمعالجة قضايا المسنين، ولتحسين مستواهم الصحي والنفسي والاجتماعي، ولإدماجهم في مسيرة التنمية ، لكن النتائج التي أسفرت عن تلك المعاهدات تبقى هزيلة لا تؤدي الغرض أمام متطلبات المسن المستمرة، خاصة ما يتعلق بالجانب النفسي والعاطفي.
فالعالم المادي اليوم ينظر إلى المسن على أنه مستهلك لا ينتج، ومن ثم فهو عالة وعبء ثقيل على المجتمع يود التخلص منه ، ﻫذه النظرة لم تستطع لا معاهدات الأمم المتحدة، ولا باقي القوانين الوضعية التخلص منها ، وهي السر في معاناة المسن وتهميشه ، فقد توفي مسن تجاوز التسعين عاما في دار خاصة بالمسنين في مدينة سابور بجزيرة هوكايدو ولم يشعر أحد من العاملين بوفاته إلا بعد خمسة أيام ، ومات رجل مسن في لندن في شقته وله خمسة أولاد ولم يعلم أحد بموته إلا بعد ستة أشهر ، ﻔﻫذا إن دل على شيء فإنما يدل على عجز القانون الوضعي على احتواء ﻫذه الشريحة، وتحقيق متطلباتها.
التكريم الإلهي وسام شرف، نفخر به أمام من جحد وأنكر هذا الدين الكريم اﻟذي لم يستثن من تكريمه لا شيخ ولا عجوز، بل أعطى هؤلاء من الحقوق ما لم يعط لغيرهم، وشدد على تطبيقها حتى لا تضيع ﻫذه الفئة المغلوبة على أمرها، فالمسنون هم إما آباؤنا أو أمهاتنا أو أجدادنا، وقد عظم الله سبحانه وتعالى حق الوالدين في القرآن الكريم، وقرنه بأعظم الحقوق ألا وهو حق رب العالمين قال عز من قائل «وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا ﺇما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما» سورة الإسراء الآية:23 .
اقتضت العناية اﻹلاهية أن لا ترضى للمسن دون مقام الإحسان، والإحسان يتطلب مراعاة الرقابة اﻹلاهية، والإتقان في كل صغيرة وكبيرة، ومن الإتقان في المعاملة ما يحيلنا عليه رب العالمين من النهي عن التأفف، والتأفف هو أول مراحل الضجر والقلق، وبالتالي يكون هذا النهي حصن حصين يقي المسن من أي سوء ، وذلك مصداقا لقوله تعالى :«واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا» الإسراء الآية 24 .
التواضع المفضي إلى الذل لم يذكره المولى إلا في مقامين، في التعامل مع المسن وفي تعامل المؤمنين فيما بينهم ، وفي ذلك تشريف للمسن كما وردت آيات عدة في القرآن تحث على الإحسان للوالدين ومعاملتهم معاملة حسنة.
ورسخت السنة العطرة ﻫذا المعنى في قلوب الصحابة رضوان الله عليهم، بأقوال الرسول الحبيب ، وبأفعاله فقد قال صلى الله عليه وسلم «إن من إجلال الله إكرام ذي الشيبة المسلم» رواه أبو داوود.
بل الأكثر من ذلك أن قرن الرسول صلى الله عليه وسلم الإحسان إلى المسن بمصير كل واحد منا ، فمن منا لا يخشى تلك المرحلة، بل أن هناك من يحسب لها ألف حساب، ﻔلهذا وذاك يقول الحبيب صلى الله عليه وسلم«ما أكرم شاب شيخا لسنه أي في شيخوخته إلا قيض الله له من يكرمه عند سنه» رواه الترمذي .