الأحد 24 نوفمبر 2024 / 22-جمادى الأولى-1446

هل تحتاج إلى التخلص من السموم الرقمية؟



 

 

زرت مرةً إحدى شركات التقنية في سان فرانسيسكو، وسرت نحو منطقة الغداء وشاهدت الجميع يجلسون على الأرائك أمام الطاولات مقابلين أجهزتهم الإلكترونية فسألت: «أهذه غرفة غداءٍ صامتةٍ؟» وفوجئت عندما قيل لي: لا!

وفي أغلب الأحيانِ أجد نفسي على هاتفي أو حاسوبي معظم اليوم وغالبًا ما أغفل عن الأشخاص والأحداث من حولي ولذلك من المهم أن تعمل على إزالة ذلك التأثير باستخدام «التخلص من السموم الرقمية (Digital Detox)» وهو شيء أقوم به على الأقل عدة مراتٍ في السنة حتى أستطيع العودة إلى الحياة.

نشرت العديد من الدراسات التي بينت العلاقة بين الاستخدام المفرط للإنترنت ومقدار وقت الشاشة وبين الاضطرابات العقلية والمزاجية (مثل الاكتئاب والقلق واضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه وغيرها). وفي دراسةٍ حديثةٍ الأشخاص الذين ذكروا استخدامهم المفرط للإنترنت عانوا كذلك من اضطرابات القلق الاجتماعي والوحدة والعزلة الاجتماعية وانخفاض جودة الحياة، وأشارت الدراسة أيضًا إلى إن إدمان الإنترنت كان مرتبطًا بانخفاض أداء المناعة.

هذا صحيح، قضاء الكثير من وقتك على الإنترنت وعلى الشاشة يمكن أن يُمرضك بالفعل!

متصل عبر الإنترنت = مفصول عن النفس

كيف يحدث ذلك؟ يمنعك إدمانك على الشاشة من العادات التي تجعلك شخصًا بصحة أفضل، يعيش الأشخاص المدمنون على شاشاتهم في معظم الأحيان أنماط حياة خاملة ولا يوفرون وقتًا كافيًا للتمرين والحركة والمجتمع واللعب وتعد تلك العوامل ذات أهمية لتحقيق الصحة المثلى، الأشخاص الذين يجلسون عادةً هم معرضون لخطر الموت بقدر الأشخاص الذين يتبعون نظام غذاء سيئ أو يدخنون، كذلك يزيد الخمول من خطر الإصابة بالسرطان وأمراض القلب والسكري لو فكرت بالأمر فالجلوس هو التدخين الجديد. قضاء المزيد من الوقت أمام شاشتك يعني ذلك وقتًا أقل للاتصال المباشر مع البشر وذلك لا يزيد فقط من الإجهاد بل يزيد أيضًا من الشعور بالوحدة والرهاب الاجتماعي، إجراء العديد من المحادثات عبر الفيس تايم (FaceTime) والفيسبوك (Facebook) لا يغني عن المباشرة وجهًا لوجه!

اضطرابات النوم بفعل الشاشة

وهنالك المزيد قضاء الكثير من الوقت أمام الشاشة خاصةً قبل النوم قد يعطل الساعة البيولوجية مما يؤثر على الهرمونات والنوم والطاقة. يؤخر الضوء الاصطناعي المنبعث من شاشاتنا إفراز الميلاتونين (الضروري لعملية النوم) والآن نحن نعلم أنه يمكن للنوم غير الكافي أن يُفسد وبسرعة محاولاتنا لفقدان الوزن والحصول على صحة جيدة، يعد النوم حجرًا أساسيًا لحياةٍ مفعمةٍ بالحيوية ومبهجة وصحية.

إحدى المسائل التي أُثبتت هي أن عدم الحصول على قسطٍ كافٍ من النوم أو الحصول على نوم رديء قد يؤثر سلبًا على الهرمونات المسؤولة عن الشعور بالجوع وتخزين الدهون، ووجدت دراسةٌ أخرى أن نوم نصف ليلةٍ يمكن أن ينتج مقاومة للأنسولين. هل تساءلت يومًا عن سبب رغبتك الشديدة لتناول النشويات الضارة والسكر بعد الحرمان من النوم؟ حسنًا! ذلك هو السبب.

وبينت دراساتٌ أخرى مساهمة النوم الرديء بأمراض القلب والأوعية الدموية واضطرابات المزاج وضعف وظائف المناعة وانخفاض متوسط العمر، لذا أبعد هاتفك عن غرفة النوم أو على الأقل حوله إلى نمط الطيران.

ربط وقت الفراغ بالعادات الصحية

اعتاد الكثير منا الكدح أمام الحواسيب ودفع أنفسنا لإنجاز المزيد من العمل وأن نكون أكثر كفاءةٍ، وعلى الرغم من ذلك توصلت دراسةٌ قدمتها جامعة ستانفورد (Stanford University) على أن النتاج الإبداعي يزيد بمعدل 60% عند الأشخاص الذين يمارسون المشي بانتظام وفي الواقع كلما حصلنا على المتعة والحركة ووقتًا أطول في الطبيعة وبعيدًا عن أجهزتنا أصبحنا أكثر إنتاجيةٍ وأكثر صحة.

من الصعب الانتباه والتركيز، فقد شخص الأطباء النفسيون «اضطراب قصور الانتباه لدى البالغين» على نحوٍ متزايدٍ ويصفون الريتالين للراشدين الذين لا يستطيعون التركيز أو الانتباه، نجم الكثير من ذلك بفعل التشتت بسبب البريد الإلكتروني وإشعار رسالةٍ جديدةٍ، تتدهور أجسادنا تحت هجوم الأرق والقلق والاكتئاب وتسوء جميع الأمراض المزمنة بفعل التوتر الذي لا ينتهي من كونك متصلًا باستمرار.

من أجل إدارة كل تلك الضغوط نحن بحاجة إلى الانفصال المؤقت والاستمتاع، أحب إدخال اللعب والمتعة في حياتي اليومية مثل ركوب الخيل ولعب كرة السلة وركوب الدراجة وممارسة اليوجا وتناول وجبة طيبة برفقة الأصدقاء. هذه هي كل الأشياء التي تسعدني وتعيد شحن طاقتي حتى أتم وظائفي على أكمل وجه.

اللعب ليس للأطفال فقط! إنه للكبار أيضًا، يمنحنا اللعب الفرصة للاسترخاء والتخلص من التوتر وإيجاد المتعة وتحفيز أدمغتنا بعدة طرق وأيضا الاتصال بالأصدقاء القدامى والتعرف إلى أصدقاءٍ جدد ويحافظ على بقاء جهازنا المناعي صحيًا ويزيد من مستوى طاقتنا.

أعلم أنه قد يبدو مستحيلًا ولكن أقترح عليك تجربة ذلك اليوم، وإليك نصائحي للانفصال عن الواقع الرقمي من أجل التخلص من السموم الرقمية بنجاح:

1- استخدم مُؤقِتًا، التزم بوقت محدد أمام الشاشة في اليوم وأفضل وضع منبه حتى أبقى مركزًا على المهمة التي بين يدي وحينما يتوقف المؤقِت أقف أو أتمشى أو أتمدد أو أخذ فاصل يوجا ويحميني ذلك من أن أكون خاملًا حتى في الأيام التي يتعين عليّ القيام بالكثير من الأعمال على الحاسب.

 2- أَصمِت هاتفك المحمول، البقاء بعيدًا عن العالم الافتراضي لا يعني الذهاب للمشي بينما تتصفًّح فيسبوك (Facebook) وانستغرام (Instagram)، ضع هاتفك وإشعاراتك على الوضع الصامت فبالتالي لا ينقطع وقت استرخائك بأي إزعاج. انتقِ أوقاتًا محددةً لكتابة البريد إلكتروني والرد على الرسائل النصية وتصفح مواقع التواصل الاجتماعي أو الإنترنت واترك قدرًا أكبر من الوقت حيث تتوقف فيه عن استخدام التكنولوجيا حتى يمكنك التركيز واللعب والقراءة أو أن تكون حاضرًا في اللحظة.

3- تخلَّ عن التلفاز، جرب أسبوعًا كاملًا بدون تلفاز، كل ما يعطينا التلفاز هو ضياع الوقت ويمنعنا من فعل الأشياء التي نحب فعلها وتحقيق الإنجازات التي نطمح لها، تخلَّ عن التلفاز وانظر إلى الوقت الإضافي الذي تستطيع الحصول عليه للبقاء نشيطًا.

4- وأخيرًا، عندما يتعلق الأمر بالتمارين الرياضية أعثر على شيئًا تحبه عندما لا تشعر بالحماس للذهاب للنادي، نتفليكس (Netflix) وتلك اللعبة على هاتفك الذكي يصبحان خيارين جذابين، خلال التمارين من المهم أن تجد نشاطًا تحبه، لن تراني في النادي فأنا أحب الأنشطة الرياضية والجريئة التي تتحدى جسدي وعقلي، اِعرف ما يناسبك، ستجد شيئًا تحبه وتفضِّل ممارسته بدلًا من الجلوس أمام الشاشة.

والآن أريد أن أعرف عنكم، ما هي طرقك المفضلة للإنفصال عن الواقع الإفتراضي؟ شاركوني أفكاركم وطرقكم على صفحتي في فيسبوك (Facebook) وإذا أعجبك المقطع في بداية المقالة أرجو مشاركته مع من تحب

تصميم وتطوير شركة  فن المسلم