لماذا يشعر بعض الأزواج والزوجات بالسعادة الزوجية ويكتب لعلاقاتهم الدوام والإستمرار، فيما يتجرع البعض الآخر طعم التعاسة، وتزول علاقاتهم وتذبل مثل أوراق الشجر المتساقط في موسم الخريف؟ وهل الحب والجنس مرادفان للسعادة الزوجية؟ وهل يغني الإشباع العاطفي عن العلاقة الحميمة والعكس؟ وهل هناك فارق بين الرجل والمرأة فيما يتعلق بالشعور بالسعادة الزوجية وأهمية الحب والعلاقة الحميمة في حياة كل منهما؟ وهل هذه الأهمية تتبدل وتتغير مع إختلاف مراحل العمل؟
هذه الأسئلة كانت موضوع دراسة علمية دولية هي الأولى من نوعها لقياس السعادة الزوجية وتحديد العوامل المؤثرة فيها ومدى تأثيرها في كل من الزوج والزوجة.
ومن أجل التوصل إلى إجابات شافية عن هذه الأسئلة قام الباحثون في معهد “ماكينزي” بجامعة “إنديانا” باستطلاع عينة آراء للأزواج والزوجات تضم 1000 زوج وزوجة من 5 دول عبر العالم هي الولايات المتحدة الأمريكية وألمانيا وإسبانيا واليابان والبرازيل، وتراوحت أعمار المشاركين من الأزواج بين 39 و70 عاماً بمتوسط 55 عاماً، فيما تراوحت أعمار المشاركات من الزوجات بين 25 و76 وعاماً بمتوسط 52 عاماً.
وبحسب الدراسة التي نشرت في دورية “أرشيفز أوف سكشوال بيهيفيور” (Archives of Sexual behavior)، طلب الباحثون من المشاركين في الإستطلاع الإجابة عن 50 سؤالاً حول السعادة الزوجية ودور الحب والجنس في الوصول إليها، مع إعطائهم تأكيدات بأن إجاباتهم لن يتم الكشف عنها لشركائهم.
– قلب المفاهيم:
الإعتقاد الشائع والراسخ لدى أغلب الناس هو أنّ الأزواج بصفة عامة يسعون وراء الجنس، فيما يحتل الحب مكانة أسمى في حياة الزوجة، وهذه هي أولى المفارقات التي كشفت عنها الدراسة، التي أكدت أنّ الأزواج يكونون خلال سنوات الزواج الأولى أكثر شعوراً بالسعادة الزوجية، وأقل إحساساً بالإشباع الجنسي، فيما تكون الزوجات أقل إحساساً بالسعادة وأكثر إحساساً بالعلاقة الحميمة، ولكن بعد مرور 15 عاماً على الزواج تبدأ المعادلة تتغير، ويرتفع مستوى شعور الزوجة بالسعادة الزوجية، فيما يتراجع إحساسها بالإشباع، على عكس الزوج الذي يتراجع إحساسه بالسعادة الزوجية ويزيد شعوره بالإشباع الحميم.
وتقول البروفيسورة جوليا هايمان مديرة مركز “ماكينزي” والمشرفة على الدراسة إنّ العناق والتقبيل والملاطفة تمثل المكونات الرئيسية للسعادة الزوجية، ولكن دور العناق والتقبيل والملاطفة في الشعور بالسعادة الزوجية أكبر في حالة الأزواج بالمقارنة مع الزوجات.
وبحسب الدراسة فإنّ الأزواج الذين يعانقون ويقبلون ويلاطفون زوجاتهم بانتظام كانوا أكثر شعوراً بالسعادة الزوجية بنسبة 12% في المتوسط من الأزواج الذين لا يفعلون ذلك بانتظام.
أمّا بالنسبة إلى الزوجات فإن شعورهنّ بالسعادة الزوجية كان أزيد بنسبة 9% فقط من الزوجات اللاتي لا يحظين بالعناق والتقبيل والملاطفة من جانب أزواجهنّ.
– السعادة الزوجية:
المفارقة الثانية التي كشفت عنها الدراسة، هي بطلان الإعتقاد السائد بأنّ السعادة الزوجية تزيد بصورة طردية كلما زاد متوسط عمر الحياة الزوجية التي يقضيها الزوجان معاً، حيث أشارت الدراسة إلى أن شعور الزوجات بالسعادة الزوجية يتراجع بعد مرور 15 عاماً على الزواج، ولا يعود إلى مستواه الطبيعي إلا بعد مرور ما يتراوح بين 20 و25 عاماً على الزواج.
وتقول البروفيسورة جوليا إنّ التفسير المنطقي لهذا اللغز يمكن في وجود الأولاد، حيث إنّ نسبة 90% من الأزواج والزوجات المشاركين في الدراسة لديهم أولاد.
وتشير جوليا إلى أنّ الإحصاءات الدولية للطلاق تؤكد أنّ 40% من إجمالي الزيجات تنفض قبل وصول الزوجين إلى سن الأربعين، وفي نصف هذه الحالات ينفض الزواج قبل مرور 15 عاماً، فيما ينفض في النصف الباقي من الحالات بعد مرور أكثر من 15 عاماً.
وبعبارة أدق فإنّ أغلب حالات الطلاق تتم عند حاجز الـ15 عاماً، وهي النقطة نفسها التي يبدأ بعدها مباشرة شعور الزوجة بالسعادة الزوجية في التعافي مرّة أخرى. وتؤكد جوليا أنّ الإحصاءات الدولية للطلاق تثبت صمود مؤسسة الزواج أمام عواصف التغييرات الإجتماعية والتحولات السياسية والإقتصادية والتقنية والثقافية التي يشهدها العالم، حيث تزيد نسبة الزيجات التي تستمر لأكثر من 25 عاماً على 90% في إسبانيا، فيما تصل هذه النسبة إلى 70% في كل من ألمانيا واليابان، وتنخفض إلى 50% في الولايات المتحدة.
– دور العلاقة الحميمة:
وفقاً للدراسة فإنّ العلاقة الحميمة الخاصة بين الزوجين تلعب دوراً حاسماً في إستمرار أو إنتهاء العلاقات الزوجية، وتحديد مستوى الشعور بالسعادة والرضا في العلاقات الزوجية، وعلى رغم وجود مئات الدراسات العلمية التي تناولت في الماضي دور الجنس في حياة الأشخاص، فإن دراسة مركز “ماكينزي” هي الأولى من نوعها التي ركزت على دور العلاقة الحميمة في تحقيق السعادة الزوجية.
وبحسب الدراسة فإنّ الإشباع لدى الزوجة يرتفع من 40% خلال العام الأول من الزواج إلى 86% بعد مرور 20 عاماً على الزواج، وهذه النتيجة تشكل صدمة للكثيرين، لأنّ الزوجة من ناحية تكون قد دخلت سن اليأس بعد مرور 20 عاماً على الزواج، أو على الأقل شارفت عليها، ومن ثم تكون جذوة الشعور بالعلاقة الحميمة لديها قد انطفأت، فيما يكون الزوج من ناحية أخرى قد تقدم في العمر وتراجع أداؤه.
وتبرر البروفيسورة جوليا هذا التناقض بقولها إنّ شعور الزوجة في تلك المرحلة يرجع إلى أن سقف توقعاتها ينخفض كثيراً، ومن ثم فإن ما هو متاح لها يفوق بكثير ما تحتاج إليه، وهذا يترجم نفسه في صورة مزيد من الإحساس بالإشباع.
وبحسب الدراسة فإن نسبة 41% من الزوجات أكدت وجود علاقة بين الإحساس بالإشباع وبين السعادة الزوجية، فيما انخفضت نسبة الأزواج الذين أكدوا وجود علاقة بين الإحساس بالإشباع والسعادة الزوجية إلى 40% فقط.
وترى البروفيسورة جوليا أنّ الفارق بين مستوى شعور الزوجات والأزواج بالإشباع يرجع إلى أنّ الزوجات وبصفة خاصة خلال السنوات الأولى من عمر الزواج يواجهن متاعب الحمل والولادة ومعاناة إستخدام وسائل منع الحمل، وهو ما يؤثر بشدة في أحاسيسهنّ.
وتؤكد البروفيسورة جوليا أنّه يجب عدم النظر إلى نتائج الدراسة على أساس أن الإشباع لا يمثل أهمية في حياة الأزواج، وإنّما تختلف أهميته النسبية مقارنة مع الزوجات حسب مراحل العمر المختلفة.
– معادلة صعبة:
من المؤكد أن موقع الحب والجنس على خريطة السعادة الزوجية يتأثر بمجموعة كبيرة من العوامل والمتغيرات في مقدمتها العمر الذي يتحكم في نضج وبلورة مفاهيم كل من الزوجين بشان العلاقة الزوجية، وعلى سبيل المثال يزيد شعور الرجال بالإشباع مع مرور الوقت، فيما يزيد إحساس النساء بالسعادة الزوجية مع مرور الوقت.
ووفقاً للدراسة فإنّ نسبة الزوجات اللاتي أكدن أنهنّ يشعرن بالإشباع بصورة تامة في المراحل العمرية بين 55 عاماً و59 عاماً بلغت 26.3% و28.8% على التوالي مقارنة، وعلى العكس من ذلك فإن نسبة الرجال بلغت 54.9% و57.5% على التوالي.
وتشير البروفيسورة جوليا إلى أن نتائج الدراسة تؤكد أنّ التناسب في العمر بين الزوج والزوجة يلعب دوراً حاسماً في تعظيم الشعور بالسعادة الزوجية والإشباع، خاصة عندما يكون الفارق في العمر في حدود 10 سنوات لمصلحة الزوج.
وتفسر جوليا هذا اللغز بقولها إنّ الحالة الصحية للمرأة تبدأ في التدهور بصورة سريعة مع مطلع العقد الرابع من عمرها، وهذه التغييرات الصحية يكون لها تأثير واضح في شعورها بالسعادة الزوجية والإشباع العاطفي، وعلى العكس من ذلك فإنّ المشكلات الصحية لدى الرجال لا تبدأ في الظهور عادة إلا مع مطلع العقد الخامس من العمر، ومن ثمّ تكون هناك فجوة صحية في حدود عشر سنوات بين بداية المشكلات الصحية لكل من الزوج والزوجة.
وتوضح البروفيسورة جوليا أنّه عندما تكون الزوجة أصغر سناً من الزوج فإنّ المشكلات الصحية لديها لا تبدأ في الظهور، إلا عندما يكون زوجها الأكبر سناً قد بدأ في الدخول إلى هذه المرحلة أيضاً، لذا يحدث نوع من التقارب في الظروف الصحية وسقف الإحتياجات الجسدية والعاطفية، وهذا التقارب يحقق الإنسجام والسعادة الزوجية، ويحول دون أن تطل الخلافات برأسها على الحياة الزوجية.
وعلى العكس من ذلك فيما لو كان الفارق في العمر ضئيلاً أو في صالح الزوجة، حيث تكون الفجوة الصحية بين الزوج والزوجة في هذه الحالة أكبر، نتيجة إختلاف الإحتياجات الجسدية والعاطفية وسقف توقعات الأداء الجنسي، وهو ما يمكن أن يشكل ثغرة تنفذ منها الخيانات الزوجية.
* التقبيل والعناق نتيجة أم سبب؟
يرى كثير من النقاد أن نتائج الدراسة يجب النظر إليها بحذر شديد لعدة أسباب في مقدمتها أنها اعتمدت على عينة صغيرة من المشاركين لم تتجاوز 1000 زوج وزوجة، ومن ثمّ فإن صغر العينة يمكن أن يطمس الفروق الفردية، خاصة أنّ الدراسة لم تطبق إجراءات إحترازية لعزل تأثير تحيز وعشوائية الإجابات، كما لم تأخذ في حسبانها الإختلافات الثقافية والحضارية بين المجتمعات المختلفة ومدى تأثيرها في تحديد مفاهيم الحب والجنس والسعادة والزواج.
ويشير المنتقدون إلى أن ما يحبه الناس أو ما يحتاجون إليه مثل التقبيل والعناق والملاطفة أمر بطبيعته غير قابل للقياس المادي لأنّها مفاهيم نسبية يشترط لحدوثها تشارك شخصين فيها بصورة تبادلية، ومن ثمّ فإن التقبيل والعناق ربّما يكونان
نتيجة للسعادة الزوجية لا سبباً فيها كما تشير الدراسة.
ويضيف المنتقدون أنّ الإشباع لكل من الزوج والزوجة يرتبط بتأثير العديد من العوامل في مقدمتها السن والحالة الصحية ومستوى التعليم والحالة الإقتصادية والإجتماعية، لذا فإن ممارسة هذه الأشياء لا يعكس بالضرورة حجم أهميتها لدى الفرد بقدر ما يعكس الظروف المحيطة به.