الأحد 24 نوفمبر 2024 / 22-جمادى الأولى-1446

هل أنت مكتئب ؟



د.علاء فرغلى… إستشاري الطب النفسي

     ان الصحة نعمة من افضل النعم التي انعم الله بها على عباده وللصحة شقان هما الصحة الجسدية والصحة النفسية .. ومفهوم الصحة الجسدية هو خلو الجسم من الأمراض واداء كل عضو وظيفته بطريقة صحيحة .. والصحة النفسية هي مدى تكيف الفرد مع مجتمعه وكيفية مواجهته للمشاكل والأزمات وحلها بطريق مرضية له ولمن حوله من هنا كانت أهمية الصحة وجعلها الشاغل الأول للبشرية جمعاء منذ قديم الأزل .. ولو تأملنا قليلا لوجدنا أننا نعيش في عالم من المتغيرات الفعلية والعملية ولشعرنا بهذا الكم الهائل من الكلمات والتعبيرات التي تحمل بعضها شحنات عاطفية متباينة النوع والشدة ولراينا كيف ان النفس البشرية تتأثر بما حولها من التحوير وكيف تقع في أزمات ومشكلات وتصطدم أحيانا بواقع مرير وغير متوقع فتفيق الى رشدها ويحدث الشعور بالعجز عن تحقيق بعض المتطلبات والأهداف . وينشء المرض النفسي نتيجة لعدة عوامل أهمها العوامل الاجتماعية البيئية والشخصية والتكوينية وطرق التربية الخاطئة خاصة في السنوات الأولى من العمر ، ويمكننا القول بأن الاضطرابات النفسية زادت نسبتها في هذا العصر وذلك لما طرأ عليه من تقدم وتكنولوجيا أثرت بشكل مباشر وغير مباشر على المجتمع الإنساني في العالم كله بمختلف جنسياته وعقائده وطباعه البشرية وبالتالي أصبحت الحياة اكثر تعقيدا وقلت الروابط الاجتماعية والعائلية مما دفع بالانسان للبحث عن ذاته في هذه الحقبة الكونية والزمنية .
مدي انتشار الاكتئاب :
يختلف انتشار الاكتئاب باختلاف العوامل الحضارية والاجتماعية والاقتصادية من مجتمع لاخر ويعتقد ان هذه النسبة في تزايد للأسباب الآتية :
*تزايد متوسط عمر الفرد.
*تزايد الأمراض المزمنة التي تؤدي الى الاكتئاب الثانوي .
*تزايد استعمال الأدوية التي تؤدي آثارها الجانبية الى الاكتئاب مثل (الفينوثيازين ) وأدوية ضغوط الدم المرتفع.
*سرعة التغير الاجتماعي الذي عمل على زيادة الضغوط النفسية والمعروف بأنها تعجل بحدوث الاضطرابات الاكتئابية كما تساعد على استمرارها .
هذا بالاضافة الى التفاوت الطبقي في المستوى الاقتصادي حيث وجد علاقة بين المستوى الاقتصادي المنخفض وشيوع الأعراض الاكتئابية والاضطرابات الوجدانية . ولقد دلت إحصائيتا هيئة الصحة العالمية الحديثة ان نسبة الاكتئاب في العالم حوالي 5% وانه يوجد حوالي 400 مليون مكتئب في عالمنا الحاضر إذا كان تعداد العالم حوالي 8 مليار  نسمة ، كما تشكل الأمراض الوجدانية نسبة كبيرة من المترددين على عيادات الطب النفسي .
يقول أحد العلماء الطب النفسي ” ان المعاناة التي تسببت للإنسانية من آثار الاكتئاب النفسي تفوق تلك التي نتجت عن بقية الأمراض الأخرى مجتمعة ” . فالاكتئاب النفسي من أهم الأمراض التي عرفتها البشرية منذ القدم وأصبح يشكل أهم أمراض العصر الحديث وتشير الإحصائيات الى أن المرأة اكثر عرضة للإصابة بالاكتئاب من الرجل بنسبة 2:3.
وهناك أنواع حوالي  نوع45 من الاكتئاب ، أهمها هو الاكتئاب التفاعلي (العصابي) الاكتئاب الداخلي (الذهاني ، اكتئاب سن اليأس ، اكتئاب بعد الولادة والاكتئاب العضوي واكتئاب الشيخوخة والاكتئاب الموسمي
أعراض الاكتئاب :-
ويمكن حصر أهم أعراض الاكتئاب في الآتي: قد يشكو المريض صراحة بشاته مكتئب حزين يائس وقد يبحت عن علاج ، وفي أحوال أخرى يزحف المرض دون ان يشعر المريض ودون ان يدري من حوله .. يبدأ المرض بفقد الحماس .. فقدان الاهتمام الفتور واللامبالاة .. عدم القدرة على مسايرة المجتمع ومعايشة الحياة .. عدم الإحساس بالسعادة والطمأنينة وتطور الأعراض الى ان ينغمس المريض في التفكير والتهويل لدرجة أنه يلغي حياته ويشعر باليأس .. يحبس نفسه في دوامته التي لا تفتر حتى تغوص به الى العميقة التي لا قرار لها فيصبح بعيدا عن الواقع الاجتماعي يعيش في وهم خطير اسمه شبح الموت وتضيق الدنيا في نظره وتستحيل الحياة . ومن هنا كان سبب كثرة محاولات الانتحار خاصة عند مرضى الاكتئاب الذهاني .. كذلك قد ينتاب المكتئب إحساس بالتعاسة والأفكار غير السارة وتضعف طاقته ويصعب تركيزه ويصبح لا يستطيع القيام بالواجبات والأعمال المعتادة .. ومن السهل التعرف على الشخص المكتئب وذلك من التعبيرات وعلامات الحزن المرسومة على وجهة وقد يصاحب ذلك اضطرابات في معظم أجهزة الجسم خاصة الجهاز الهضمي والدوري والغدد والأعصاب .
وأيضا قد يضطرب النوم فيستيقظ المريض عند الفجر بعد نوم متقطع غير مريح أو قد يستغرق عدة ساعات قبل الدخول في النوم تداهمه في تلك اللحظات أسوء الأفكار وافظع الوساوس كما يفقد المكتئب شهية الطعم وبالتالي ينقص وزنه وكذلك يفقد شهيته للجنس مثلما يفقد أي رغبة في الحياة .
الاكتئاب من منظور بيو كيميائي :
من الضروري تناول جميع جنبات ظاهرة الاكتئاب بحسبها ظاهرة سيكولوجية ، بمعني ان مظاهرها تعبر عن حركة نشطة مستمرة بين طرفي نقيض متمثلة فيكل متغير ، طرف بيولوجي يعمل وفق أنظمة محددة تدخل في إطار الكمية وبين آثار بيئته تعمل وفق أنظمة متداخلة من الآثار الاجتماعية ، وما تحمله من طرائق متعددة في أساليب التغذية وامكانية الحياة بما فيها من تغيرات في ظروف المناخ البيئي المحيط والإطار الاجتماعي الذي ينظم وينتظم وفق عمل هذه الأنظمة أو تلك . وقد تعددت وجهات النظر في أسباب الاكتئاب النفسي فالمنظور الفسيولوجي يركز على العمليات الكيميائية والهرمونية داخل الجهاز العصبي وما يطرأ عليها من زيادة أو نقص خاصة التغيرات التي تحدث في مادة (السيروتونين) بالاضافة الى إسهام العوامل الوجدانية والبيئية والصدمات النفسية .. ويرجع البعض الاكتئاب النفسي الى الاستعداد الوراثي الذي يؤثر في تكوين الفرد من الناحية النفسية ويجعله أكثر عرضة للمرض.. وقد ينشأ الاكتئاب من بعض الأمراض العضوية مثل اضطرابات الغدد وارتفاع ضغط الدم – قرحة المعدة – الشلل الرعاش – وقد يحدث الاكتئاب عند بعض السيدات في فترات ما بعد الولادة . ان الاكتئاب النفسي لا يسبب فقط معاناة لصاحبه بل يمتد ويتعدى آثاره الى أسرته واقاربه بل الى المجتمع المحيط به فان عدم الفهم الصحيح وعدم تقدير معنى ان شخصا مصابا بالاكتئاب في الأسرة ربما يؤدي الى تفكك أسرى ومشاكل لا يحمد عقباها .
علاج الاكتئاب:
تتعدد طرق ووسائل علاج الاكتئاب بتعدد النظريات التي تتناوله ، فمنها العلاج العقاقيري بمضادات الإكتئاب الت بلغ عدده اكثر من 35 مجموعة .. والصدمات الكهربائية الى جانب الإشارة لبعض العلاجات النفسية والاجتماعية والتي يستلزمها مريض الاكتئاب بعد استخدام إحدى الوسائل سابقة الذكر ، ويضطلع الطب النفسي بمهمة إزالة الأعراض ، بينما تركز النظريات العلاجية الأخرى على البحث عن الأسباب ومحاولة تعديل السلوك فالتيار السلوكي يبحث في إمكانية تعديل السلوك عن طريق التدعيم الإيجابي وإزالة او تخفيض المثيرات المؤلمة والمسببة للاكتئاب والعجز ، بينما يركز المنظور المعرفي على محاولة تعديل خبرات المريض والوصول الى صيغة معرفية يستطيع المريض من خلالها الانطلاق الى عالم السوية كما تحاول النظريات الفينومنولوجية ونظرية العلاج بالمعني ، بمعني أن تبحث في عالم المريض عن بقايا المعني وتدعيم هذه البقايا والوصول بالذات الى الارتقاء والاندماج في العالم بحثا عن الوجود من خلال التواصل بين ألانا والآخر
.. ويضطلع التحليل النفسي بمحاولة البحث عن الأسباب المؤدية للإصابة بالاكتئاب وأزالتها فيسعى الى محاولة تخفيف حدة التثبيت الفمي ومحاولة حل الصراع الأوديبي وتقوية دفاعات الأنا وتخفيف فسوة الانا العليا الباعثة على الذنب مع إعادة التنظيم الانفعالي وتوظيف الطاقة النفسية سعيا لعمل علاقات خارج نطاق نرجسية الذات ، وتعديل مسار الطاقة العدوانية المواجهة الى الداخل كي تعبر عن نفسها بطريقة سلوكية الى الخارج .
ثانيا : العلاج بالصدمات الكهربائية :
الصدمات الكهربائية من أنجح العلاجات حتى الآن في حالات الاكتئاب خاصة كل حالات الاكتئاب الدوري تقريبا حتى البسيط منها إذا عجزت العقاقير ولكنها لا تصلح في حالات الاكتئاب العصابي والاكتئاب المزمن المتراكم للقلق .. وكما ان توقيتها مهم للغاية فهي تصلح في أول ظهور المرض وقرب نهايته بدرجة اكبر منها في قمة حدة المرض .

تصميم وتطوير شركة  فن المسلم