عِظمُ المصاب لا يُذهل الحكماء عن التعامل مع اللحظة التي يقع فيها، وكما أن الخطب جلل، فإن (الآن) مهمة ـ أيضا ـ في موازين العقلاء، ولذلك تأبَّت دولتُنا على كثير من المحاولات المجرمة لزعزعة أمنها واستقرارها. الحاكم والشعب فيها صفٌّ واحد، وليس ثمة فرق بين الجندي الذي يرتدي البزَّة العسكرية، والمواطن الذي يرتدي ثوبه وغترته، كلاهما رجل أمن، يتسابقان إلى هدف واحد، هو وحدة الوطن، وتنمية الحياة فيه بكل ضروبها.
هي هكذا دائما بلادي.. يُوفقها المولى ـ عز وجل ـ لتجاوز المصائب الكبرى، التي من طبيعة الحياة أن تقع، فرحيل المليك ـ رحمه الله رحمة واسعة ـ حدث ضخم بحجم الوطن، يتذكر فيه كل مواطن قافلة إنجازاته العملاقة، التي شملت قفزات في التعليم الجامعي، والتطور الخدمي في كل الوزارات، وتوسعة الحرمين، وما لا تستطيع مقالة أن تحصر حتى مسمياته.
ورسم المرحلة التالية حدث ضخم ـ أيضا ـ بحجم الوطن، ولذلك امتزجت دموع الفقد، بتطلعات الوطن لآفاق جديدة، منطلقا من النهج القويم الذي بنيت عليه الدولة منذ قرون، فوجدت به العزة والتمكين والخيرات.. بركات تتدفق من السماء والأرض، ومكانة بين العالمين لا يعرفها وطن آخر أبدا، خير وافر، وأمن وارف، وبلدة طيبة، وربٌّ غفور، ودولة موطدة الأكناف، مستقرة الأمن، يتصاعد فيها كل عطاء، وتفسح المجال لكل ما يُكسب الإنسان قيمته، ويستثمر قدراته.
إذا سيد منا خلا، قام سيد
قؤولٌ لما قال الكرام فَعولُ
مضى الملك عبدالله مودعا بالدعاء الذي طالما أحبَّ أن يسمعه من محبيه، وجاء الملك سلمان محفوفا بالأمنيات الكبيرة التي امتلأت بها قلوب مواطنيه، وقد عَهِدَ الوطنُ سلمان بن عبدالعزيز، رمزا للأصالة، وحرصا على البصمة الخاصة لهذه البلاد، والخصوصية التي وهبها لها المولى -جل وعلا-، وأعلنها في أول كلمة له: “إنني، وقد شاء الله أن أحمل الأمانة العظمى، أتوجه إليه سبحانه مبتهلًا أن يمدني بعونه وتوفيقه، وأسأله أن يرينا الحق حقًا ويرزقنا اتباعه، وأن يرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه. وسنظل بحول الله وقوته متمسكين بالنهج القويم، الذي سارت عليه هذه الدولة منذ تأسيسها على يد الملك المؤسس عبدالعزيز – رحمه الله – وعلى أيدي أبنائه من بعده ـ رحمهم الله. ولن نحيد عنه أبدًا، فدستورنا هو كتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم”.
هذا الثبات على المبدأ، هو سرُّ ثبات هذه الدوحة المباركة، والحروب والقلاقل تعصف بالدول في شمالها وجنوبها، وتهزُّ أغصان الأمن في حدودها، فلا تجد إلا جَلَدًا وقوة وثباتا، ولله الفضل والمنة، وهو الحفيظ العليم.
يضيف الملك سلمان بن عبدالعزيز ـ حفظه الله ـ: “إن أمتنا العربية والإسلامية هي أحوج ما تكون اليوم إلى وحدتها وتضامنها، وسنواصل في هذه البلاد – التي شرفها الله بأن اختارها منطلقاً لرسالته وقبلة للمسلمين – مسيرتنا في الأخذ بكل ما من شأنه وحدة الصف وجمع الكلمة والدفاع عن قضايا أمتنا، مهتدين بتعاليم ديننا الإسلامي الحنيف، الذي ارتضاه المولى لنا، وهو دين السلام والرحمة والوسطية والاعتدال”.
وهي لمحات للسياسة التي اختارتها المملكة في تعاملها مع العالم الخارجي، فالسعودية ليست وطنا محدودا فقط، بل هي ـ أيضا ـ وطن (أمٌّ) تتطلع إلى مواقفها ووقفاتها أوطان، وهي أكبر من أن تُحجم في رقعتها الشاسعة، وقد أراد الله لها أن تكون قبلة بامتدادات الأرض كلها.
ويأتي الختام الذي يمتزج فيه الوطنان: “والله أسأل أن يوفقني لخدمة شعبنا العزيز وتحقيق آماله، وأن يحفظ لبلادنا وأمتنا الأمن والاستقرار، وأن يحميها من كل سوء ومكروه، إنه ولي ذلك والقادر عليه، ولا حول ولا قوة إلا بالله”.
هي كذلك بلادي، عين على الداخل، وعين على الخارج؛ حيث يعنيها شأن كل إنسان مسلم، وتعيش حقيقة سطرها الله -عز وجل- في كتابه؛ اتباع الهدى هو سبيل الأمن والرزق اللدنّي: «وَقَالُوا إِن نَّتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا أَوَلَمْ نُمَكِّن لَّهُمْ حَرَماً آمِناً يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقاً مِن لَّدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ» [سورة القصص 28/57]. «أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَماً آمِناً وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ» سورة العنكبوت 29/67.