الأثنين 25 نوفمبر 2024 / 23-جمادى الأولى-1446

نعم.. تستطيع التغلُّب على القلق



في كثير من الأحيان نكون نحن السبب الأوّل في هزيمة أنفسنا حين نسمح للقلق بأن يتملكنا ويسيطر علينا، ستقول لي – عزيزي القارئ – بأنّنا في بعض الأحيان تكون لدينا مشكلات ومواقف حقيقية تبرر ما يساورنا من القلق، وأنا متفق معك في ذلك فكلّ مرضى القلق لديهم من الأسباب ما يعتقدون أنّه يكفي لتبرير ما بهم من قلق، لكن يبقى عليهم مسؤولية تضخيم هذه الأشياء السلبية والاستسلام لما تثيره في أنفسهم من اضطراب، وفي نفس الوقت يهملون تماماً التفكير في كثير من النواحي الإيجابية في حياتهم وهي أضعاف السلبيات التي تسبب قلقهم.

ودعنا الآن نتحدث عن ذلك بشيء من التفصيل، فأنت تعرف أنّ أسباب قلق النّاس تنحصر عادة في المال والأبناء والصحة، وما يتعلق بهذه الأشياء من مشكلات وأمور يرى فيها الشخص نوعاً من التهديد لأمنه وسلامته فيساوره بخصوص ذلك القلق، والتغلب على القلق في هذه المواقف يكون بالتركيز على الإيجابيات مع الثقة بالنفس، والإيمان بالله سبحانه وتعالى والصبر الجميل الإيجابي في مواجهة أمور الحياة، ومع محاولة تعديل المواقف لصالحنا بدلاً من شعور القلق المدمر، وفيما يلي توضيح لبعض مما ذكرت.

التركيز على الإيجابيات:

إنّ الأمور الجيِّدة والإيجابية كثيرة في داخلنا ومن حولنا لكن المشكلة أننا نتجاهلها، ونتمسك بالتركيز على أشياء سلبية قليلة تصادفنا فيساورنا بشأنها القلق، ودعني أسألك – عزيزي القارئ – هل فكرت مرّة في أن تحصي ما لديك من أشياء وتحاول تحديد قيمتها، بالتأكيد لم تفعل ذلك، إذا نظرت إلى نفسك فقط دون ما لديك من ثروة أو ممتلكات، فهل تستطيع أن تحدد الثمن الذي تساويه أعضاء جسمك؟ إنّ لديك عينين تبصر بهما، كم تساوي الواحدة؟ ولديك قلب، وكليتان، وكبد، والجلد، والدم… وغير ذلك مما لا يعرف قيمته الحقيقية إلا من فقد شيئاً منه!

وبعد كلّ ذلك نجد من يشكو من القلق ومن يتهم الآخرين والحياة من حوله ولا يرضى بحظه في الدنيا، صحيح أنّ الحياة تأتي أحياناً ببعض مواقف الصدمة والألم، لكن لابدّ أن تكون لدينا القدرة دائماً على تلمس مواطن للسعادة وسط تلك المواقف حين نستخلص منها بعض الإيجابيات، وقد يكون أحد المواقف الذي يمثل خبرة مريرة تعرض لها الواحد منا فيه الكثير من الفائدة التي ندركها فيما بعد.

يقول عالم النفس “أدار”: “إنّ بوسع الإنسان أن يحوّل بقدراته السالب إلى موجب”، وهذا ممكن بالرغم من الشك الذي يبديه كثير من النّاس في إمكانية تحويل المواقف الأليمة إلى شيء إيجابي أو “أن نصنع من الفسيخ شربات “كما يقول المثل الشعبي حيث الفسيخ هو السمك المملح المعروف، ومن تجربتي الخاصة إبان أداء الخدمة العسكرية في الجيش أنني قد انتقلت إلى أحد المعسكرات في منطقة نائية، وحين ذهبت إلى هذا المكان للمرة الأولى انتابتني كلّ مشاعر الأسى والقلق، فالمكان يخلو من أي وسيلة للحياة، لا ماء ولا كهرباء، وإذا نظرت حولك في كلّ اتجاه لا تجد سوى صحراء ممتدة، وأماكن الإعاشة ضيقة تسبب الاختناق، وانطباعي الأوّل عن كلّ من قابلت هناك يؤكد أنني سأجد الكثير من الصعوبات معهم، فلا هم يفهموني ولا أفهمهم.

وأذكر أنّني في هذه الأيّام قد شعرت في البداية من المرارة لكن ذلك لم يدم طويلاً، فقد بدأت في التجول في المكان والتعرف على الأفراد هناك والاقتراب منهم، وتبين لي بعد ذلك أنّ هناك كثير من الأشياء يمكن عملها وأنّ الأمر لا يخلو من المتعة في التواجد في هذا المكان البعيد، وبالإمكان خلق تفاهم وصداقة مع هؤلاء النّاس وتقديم بعض الخدمات لهم، وقد وجدت فيما بعد أنّ شعوري نحو هذا المكان قد تغير رغم أنّ شيئاً هناك لم يتغير حاله، واستطيع القول بأنها كانت فترة طيبة تلك التي أمضيتها هناك مازلت أذكرها بكلّ خير.►

 

المصدر: كتاب عصر القلق، الأسباب والعلاج

تصميم وتطوير شركة  فن المسلم