يحتاج الإعتذار إلى مجاهدة نفسية كبيرة للتغلب على الأنا، وتخطي الحواجز النفسية والتحلي بشجاعة أدبية ونفسية لنقر بالخطأ ونعترف به.
ومع أنّ بعض الأزواج يرغب في إيصال إعتذاره للشريك الآخر، إلا أنّهم يخطؤون في إيصال رسالة الاعتذار المناسبة، ومن ثمّ لا يحصلون على رغبتهم، وقد تتعثر العلاقات الزوجية على أثر الفشل في إيصال هذه الرسالة.
إنّ الاعتذار بحاجة إلى مهارات خاصة ليقابل بإيجابية من الطرف الآخر لطي صفحة الاختلافات.. وفي هذا الصدد نذكر بعض المهارات التي تساعد على إيصال رسالة الاعتذار بشكل سليم ومناسب خصوصاً للشريك الآخر.. ومنها:
اقتنص الفرصة المناسبة:
لا تؤجل الاعتذار كثيراً، ولا تتردد بل بادر ذلك في اللحظات التي تجد فيها الطرف الآخر مستعداً لسماع الاعتذار، ولا تضيع الفرصة المناسبة، فخير البر عاجله، وسارع إلى الاعتذار قبل أن يستفحل الشر في النفوس، وتشتد الضغائن، ويصبح الاعتذار بعدها متأخراً جدّاً، وعديم الجدوى، ولا قيمة له.. لا يشفي العليل ولا يضمد الجراح..
وتذكَّر دائماً أنّ الاعتذار دين وواجب في عنق المخطئ، وعليه أن يؤديه في أسرع وقت ممكن ولا يتوانى في ذلك، فنحن لا نملك ضمانة للبقاء بعد كل لحظة تمر علينا.. إن علينا أن نخشى مفارقة الحياة؛ وللآخرين علينا حقوقاً وتبعات لم نؤدها إليهم فيحاسبنا الله عزّ وجلّ عليها!!
كن واضحاً في اعتذارك:
تحدث عن خطئك بشكل واضح وصريح وبدون إبهام، ولا إيهام وبدون غموض أولف ودوران كما يقال، حتى يكون في الاعتذار شفاء للقلوب والنفوس، ولا يبقى شيء عالق في نفس الشريك الآخر.
تحمَّل الخطأ بشجاعة وانسبه إلى نفسك، ولا تناور عند الاعتراف بالخطأ.. كقول البعض: إنك أثرتني بكلامك، واستفززتني بتصرفك.. أو إني كنت مضغوطاً.. إلخ.. فإن تلك التبريرات تجعل رسالتك لا تصل بشكل سليم للآخر ولن يتقبلها بهذه الطريقة التي يغلب عليها التبرير، بل عليك أن تكون شفافاً مع نفسك وصادقاً مع الآخرين في اعتذارك، قدِّمه بشكل مباشر وكلمات واضحة لا لبس فيها، ولا تأويل.. قُلها صراحة.. أنا آسف.. حقك عليّ.. أنا أخطأت في حقك.. وأنا أعتذر منك.. هذه هي الكلمات التي تبلسم الجراح، وتطفئ نار الغضب وليس شيئاً آخر!
عبِّر عن اعتذارك ولو بالأفعال:
قد يصعب على أحد طرفي العلاقة الزوجية لسبب أو لآخر أن يعتذر لشريكه الزوجي بشكل صريح وواضح، فيلجأ إلى بدائل أخرى تؤدي في النهاية إلى الاعتذار وإن كان ذلك بشكل آخر، ويتكرر عادة لجوء بعض الأزواج إلى بدائل أخرى للاعتذار الصريح، فقد يعمد الزوج مثلاً إلى ملاطفة الزوجة أو مشاورتها في أمر أسري قاطعاً الصمت الذي ساد عقب الخطأ الذي ارتكبه، وهو بهذا يقدم اعتذاراً عملياً رغبة منه في تجاوز الأزمة.
وقد يعود الزوج بعد خروجه من البيت وهو غاضب محمَّلاً بهدايا ثمينة لزوجته، وهذا شكل آخر من الاعتذار الصامت لكنه يحمل معه طلب التجاوز والمسامحة..
وكما يقدم الأزواج اعتذارهم بطريقتهم الخاصة، كذلك تقدم الزوجات اعتذارهنّ بطريقتهنّ، فقد تعمد بعضهنّ إلى استقبال الزوج بأبهى وأجمل (طلة) كما يقال وبطريقة مختلفة عن كل يوم مستخدمة في ذلك أمضى الأسلحة التي وهبها الخالق عزّ وجلّ لحواء الأنثى، وقد تعد له أفضل وأطيب طعام يفضله، وهي بهذا تقول له أنا آسفة ولكن على طريقتها هي!
والمهم في هذا كله أن يلتقط الزوجان هذه الإشارات الطيبة من بعضهما والرغبة في الاعتذار، والتعاطي الإيجابي معها، ومادامت الأفعال في بعض الأحيان أقوى من الأقوال فما المانع من التعاطي الإيجابي معها، والبناء على اعتبارها اعتذاراً وطلباً للمسامحة وإن كانت بلغة أخرى، خصوصاً وأنّ الحياة الزوجية بحاجة إلى البساطة والتسامح والبعد عن العقد والمحاسبات الغليظة والشديدة كي تدوم وتستمر، وبالتالي فلا حاجة إلى الطلب من الآخر بالاعتذار الصريح والواضح والفصيح مادام الأمر قد تمَّ بشكل آخر، وبما يحفظ كرامة وحق الشريك الآخر!
إياك وما يعتذر منه!:
لأنّ الاعتذار نتيجة لممارسة خاطئة وعمل غير لائق، ويشكِّل عبئاً كبيراً على النفس، ويكشف عن خلل ونقص في السلوك، فقد حذرت التعاليم الدينية من ارتكاب أخطاء وحماقات تستدعي الاعتذار، وفي هذا تبصير بضرورة توخِّي السيطرة على الذات، والتحكم فيها، والقدرة على إدارتها بشكل يصونها من الإساءة للآخرين.
وهناك إرشادات وتحذيرات وقائية من ارتكاب الأخطاء حتى لا تصل النوبة لمرحلة الاعتذار المثخنة بدلالات الذل.. كما في المروي عن الإمام الصادق (ع): “لا ينبغي للمؤمن أن يذل نفسه – قال الراوي – قلت: بما يذل نفسه! قال: لا يدخل فيما يعتذر منه”.
بل إنّ الروايات تسم كثير الاعتذار بالنفاق، وفي ذلك إشارة إلى اضطراب السلوك كما ورد عن الإمام السبط الحسين بن عليّ (ع) قوله: “إياك وما يعتذر منه، فإنّ المؤمن لا يسيئ ولا يعتذر، والمنافق كلّ يوم يسيئ ويعتذر”.
وربما تفسر التحذيرات الواردة في الروايات من الاعتذار.. بضرورة عدم الاستهانة بالاعتذار كمخرج من الإساءة بحق الآخرين، فإن حال لسان البعض عندئذٍ يقول مادام الأمر لا يكلف إلا الاعتذار فأنا على استعداد للاعتذار وتكراره وسأفعل ما يحلو لي، وسأرتكب الحماقات مادام الأمر لا يكلفني شيء إلا بضع كلمات اعتذار.. فالتحذيرات في الروايات ليس لأجل الاعتذار وإنما من ارتكاب الخطأ والإساءة إلى الغير، والتجاوز على الحقوق، فالتحذيرات من الأفعال المشينة والقبيحة وإن تبعها التوسل بالاعتذار دجلاً ونفاقاً.
إضاءة أخيرة:
مع أنّ الخطأ جزء من بشريتنا إلا أن علينا التعلم من أخطائنا، وتجنب الأخطاء بقدر الاستطاعة، وعدم تكرارها إن حدثت، وعلينا أن نتذكر أن في كلّ خطأ نرتكبه وإن كان غير مقصود نفقد جزءاً كبيراً من رصيدنا الأسري والاجتماعي والأخلاقي.. وإن كان الاعتذار يعيد لنا بعضاً مما نفقده! إلا أنّ الخسارة فادحة!!►
المصدر: كتاب آسف.. قلها وكفى