الأحد 22 ديسمبر 2024 / 21-جمادى الآخرة-1446

من يحمي أطفالنا؟



(البيت) هو (السكن) الذي يجب أن يكون (المأمن) التام للنفس الإنسانية الراكضة وراء رزقها، وطموحاتها، وأعمالها التي لا نهاية لها إلا الموت، فمهما كان المكان (الآخر) الذي تكون فيه، فإنها تشعر بأنها غريبة فيه، ضيفة تؤذن بالرحيل، ومسافرة تتطلع للعودة، أو أجيرة لا تملك المكان الذي تعمل فيه لساعات.. ولذلك فهي لا تترك فيه شيئا ذا بال، وتتفحصه جيدا حين تريد تركه، لتعود .. نعم تعود إلى عشها المطمئن المريح مهما كان أقل إمكانات من المكان الذي ضمها لفترة من الزمان طالت أم قصُرت.

وإذا كان هذا شعور الكبار، فكيف يكون شعور الأطفال؟

(الطفل) يجد الأمان لروحه ولقلبه ولجسده في هذا الكنف الذي يضمه بين أروقته، كما تضمه أضلاع أمه قبل ذراعيها، و(الأمان) حاجة من حاجات الإنسان التي لا يستطيع أن يعيش إلا بها، وجاءت كل الشرائع السماوية بحفظها، وعقوبة من يعتدي عليها عقوبة تصل إلى حرمان المعتدي من الحياة ذاتها.

(الطفل) حين يهرب من أي شيء يخافه، فإنه لا يبحث إلا عن صدر أمه، وأيدي والده. وحين يريد البكاء فإنه لا يطلق له العنان إلا إذا كان في أحضان بيته، وحين يعتدي عليه أحد أو حتى يريد الاعتداء فإنه يُهرع إلى أحنِّ قلبين وأرحمهما به؛ والديه، فكيف لو كانت الأم هي المعتدية على الطفل، وكيف لو كان الأب هو المُعَنِّفُ للطفل .. إلى أين يهرب الطفل إذا استحال المنزل إلى زنزانة، وأهله إلى جلادين؟.

 

(التربية الوالدية) في مجتمعنا، جزء منها كبير تتوارثه الأجيال، دون النظر في صوابه أو خطئه، ودون وضع أي اعتبار للعصر الذي كان فيه، والثقافة التي كانت تسود فيه، والفارق الهائل الذي استجد على عصره.

و(الضرب) أصبح يساوي عند كثير من الناس (التربية)، فمعنى: “دعيني أربيه!” التي يقولها الأب للأم أو العكس، تعني: دعيني: أضربه، كما أن “دعيني أضربه” تعني: دعيني أربيه!!

لا يستطيع أحد أن ينكر أن الضرب إحدى الوسائل التربوية، ولكن متى؟ وكيف؟ وهل من المهم أن يوجد أصلا؟ فضلا عن أن يكون دائما!!.

 

لقد علمتني التجارب والاستشارات الكثيفة والمشاهدات والملاحظات أننا يمكن أن نربي أولادنا دون أن نضربهم نهائيا، وأن الآثار السلبية هي الآثار الطاغية لاستخدام الضرب، وما نراه من أثر سريع محدود نصنفه إيجابيا، هو أثر باهت سرعان ما يتلاشى، ويبقى الأثر القبيح المستمر طوال الحياة.

ولكن الأمر تعدى الضرب إلى الحرق، والطرد، والإهمال، والتقييد بالسلاسل، والضغط النفسي إلى درجة أن يفكر (طفل) في الانتحار!!!.

إذا كان كل ذلك يقع من الأبوين، أو من يقوم مقامهما (غالبا) باسم التربية، فمن يحمي أطفالنا؟ ومتى يشعرون بالأمان؟

 

لقد جاء نظام (حماية الطفل) الذي صدر عن مجلس الوزراء ـ قبل أيام ـ معززا لقرارات مثيلة سبقت، تسعى لوضع حد للاعتداء على الطفولة الغضة من أقرب الناس إليها، ومن غيرهم كذلك.

ومن الرائع في هذا القرار أنه يشمل حمايته من الاعتداء على حياته وجسده وعرضه وتعليمه ومشاعره، حتى من السباب والإهمال، بل زاد أن حظر كل المواد التي تستثير غرائزه الجنسية، وتجرح براءة طفولته.

 

قرار حضاري كثيرا ما طالبت به مؤتمرات الأسرة وأبحاثها وبرامجها المختلفة، والمنتظر تفعيله بحكمة وكياسة وتدرج؛ حتى يتقبله مجتمع يرى بعض الآباء والأمهات فيه أنهم (يمتلكون) أولادهم.

 

وهنا لا بد أن يتضح الفرق بين (التأديب) و(التعنيف)، فمن حق الوالدين تأديب أولادهم بنظرة حازمة، وحرمان؛ يكون له ثمرة في تعديل السلوك، بل وحتى في ضرب الولد إذا بلغ العاشرة على مثل الصلاة، حتى يبلغ، ضرب تنبيه وليس ضرب إيذاء، على أنني أؤكد أنه يمكن أن نربي عظيما دون أن نؤذيه.

 

أدعو كل وسائل الإعلام أن تأخذ دورها في تحليل هذا النظام، وبخاصة المختصون في الشريعة والتربية والأسرة وعلم النفس والخدمة الاجتماعية، ووضعه ضمن برامجهم البنائية والوقائية المهمة، حتى لا يكون كل تعاملنا مع القضية تعامل علاج.

 

 

 

أفيضوا على بيوتكم (الحب) لتفيض عليكم بـ(الحب).

تصميم وتطوير شركة  فن المسلم