العنوان ليس لي وإنما هو لكتاب جديد من تأليف محرر الشؤون الدينية في جريدة الأهرام الأستاذ محمد يونس، وفيه يدعو إلى خطاب إسلامي جديد يختلف تمامًا عن دعوات تجديد الخطاب الديني التي ظهرت عقب أحداث الحادي عشر من سبتمبر2001م.. خطاب يستلهم روح الظروف والمتغيرات التي أحدثها الربيع العربي في الشعوب الإسلامية، خطاب ينبع أولاً من طبيعة الإسلام الذي ينطوي على دعوة مستمرة إلى التجديد، وفي الوقت نفسه يستجيب للتطلعات المشروعة للشعوب العربية والإسلامية في الحرية والتقدم وتحقيق الشهود الحضاري. ويحتوي الكتاب على مقدمة وأربعة فصول .
في البداية يستهل المؤلف مقدمته بسؤال: خطاب إسلامي جديد..لماذا؟ يقول المؤلف: نحتاج إلى خطاب بنائي وليس إنشائيًّا يدفع حركة المجتمع عبر الفرز بين قيم التحلي وقيم التخلي، وإدراك سُنن التغيير الحضاري بحيث يعيد للإنسان دوره وفاعليته وحضوره آخذًا مشروعيته من الحديث النبوي الشهير الذي رواه أبو داود في سننه والحاكم عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ” إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها”.
فلم يكن الخطاب الديني – كما يستعرض المؤلف – بعيدًا عن تفاعلات الداخل والخارج وتحديات التحرر والتنمية على مدى أكثر من قرنين، بدءًا من الحملة الفرنسية أواخر القرن الثامن عشر وحتى الحملة الأميركية في مطلع هذا القرن الحادي والعشرين، ومرورًا بالحملة الإنجليزية وحملان الاحتلال الأخرى على عالمنا العربي والإسلامي، قم ثورات التحرر الوطني.
ويرى المؤلف أنه في كل مرحلة أو حملة كان يواكبها خطاب إسلامي من الداخل يتراوح بين استيعاب الصدمة ومحاولة التوفيق أو المقاومة والتصدي، وتواكبها مزاعم أخرى من الخارج تتهم هذا الخطاب بـ “التعصب الديني” خلال حقبة الاحتلال الإنجليزي والفرنسي، ثم بـ “الإرهاب” خلال الحملة الأميركية وهي مزاعم عادة – كما يرى المؤلف- تبحث عن حدث تضخمه وتبني عليه عريضة الاتهام؛ لتطالب بتطوير هذا الخطاب ليستجيب لأجندة الخارج الغازي وصاحب الاتهام والصوت المسموع.
إن ما ندعو إليه – والكلام للمؤلف- هو خطاب إسلامي جديد يختلف تمامًا عن دعوات تجديد وتطوير الخطاب الديني التي ظهرت عقب أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001م، لأنها دعاوى نشأت من أرض الواقع، من أفواه الجماهير المسلمة تزامنًا مع الربيع العربي وثورات 2011م، ففي الربيع العربي كانت الجماعات والتيارات والحركات الإسلامية في صدارة المشهد السياسي والمجتمعي والإعلامي فجاء خطابها من قلب الحدث، متخففا من الظروف السابقة التي فرضت عليها الحظر والتقييد والمطاردات الأمنية.
ويستطرد المؤلف: أما الدعوات السابقة التي تلت أحداث الحادي عشر من سبتمبر، فقد تزامنت مع دعوات جاءت من خارج حدود الأمة، فقد نشرت – آنذاك – العديد من الصحف والمواقع الإلكترونية تفاصيل خطة وضعتها لجنة تشكلت داخل وزارة الخارجية الأميركية باسم “لجنة تطوير الخطاب الديني في الدول العربية والإسلامية” انتهت إلى توصيات يتم تبليغ الدول بها، مع التأكيد على أن تنفيذ هذه الخطط مرهون باستمرار المعونات الأميركية، فضلاً عن دعوات أمريكية لإعادة صياغة المدارس الدينية.
ويتناول المؤلف في الفصل الأول: مفاهيم واتجاهات الخطاب الإسلامي في التراث، وفي العصر الحديث، حيث يرى أن مفهوم الخطاب الإسلامي هو “مجموعة المقولات والتصورات والرؤى التي يطرحها علماء الدين والدعاة والمفكرين إزاء قضايا المجتمع، استنادًا إلى الدين الإسلامي بشكل مباشر أو غير مباشر”.
والتجديد في رأي المؤلف لا يعني تغييرا في جوهر الدين أو أصوله، إنما يعني إعادته إلى النقاء الذي كان عليه يوم نشأته، حيث الأصالة الفكرية لأركانه وثوابته، أي تجديد الإيمان به والالتزام بتعاليمه الصحيحة، بعيدًا عما قد يعتريها من شوائب، ومن ناحية أخرى يعني تجديد الدين: القدرة على استيعاب مستجدات العصر، وما يحمله من قضايا لم تكن معروفة من قبل، وتحتاج إلى بيان موقف الشريعة منها، ويتم ذلك من خلال الاجتهاد، سواء كان فرديًّا أو جماعيًّا.
ويشير المؤلف إلى أن هناك العديد من القضايا والمشكلات المعاصرة التي تحتاج إلى إجابات فقهية وتقع في منزلة التجديد، ومنها المسائل المتعلقة بتحرر الأمة من السيطرة الأجنبية، واستعادة حريتها واستقلالها وعزتها، ومنها مشكلة عدم وحدة الأمة وتمزقها إلى دول بالعشرات، وما هي الإستراتيجيات المناسبة، التي توصلنا إلى هدف الوحدة.
وهناك أيضًا مشاكل الأمة التي تتعلق بالتنمية، وردم الهوة بينها وبين العالم المتقدم في مجال الصناعات والتقنيات وتطوير العلوم، إضافة إلى مشكلات حول العدالة الاجتماعية، وكرامة الإنسان، والشورى وعلاقة الحاكم بالشعب، .. إلخ هذه القضايا، التي تحتاج إلى إجابات تجديدية فقهية.
وتحت عنوان “معالم الخطاب الإسلامي الجديد” يناقش الفصل الثاني ملامح الخطاب الإسلامي المعاصر، ويرى أنه يتميز بسمات عامة هي: الضعف العام في المضمون والمحتوى، والإرتجال والعفوية الناتجة عن نقص التخطيط، وضيق الأفق والتركيز على القضايا الطارئة، وأخيرًا انعكاس الخلافات الفكرية والثقافية والمذهبية، فضلاً عن الصراعات المحلية والإقليمية والدولية، على مجمل الخطاب الإسلامي.
ويؤكد المؤلف أن الخطاب الديني المعاصر فشل في تحقيق عدة أهداف رئيسة من أبرزها:
– الهدف الدعوي وتقديم صورة حضارية عن الإسلام إلى العالم المعاصر.
– الهدف التنموي وشحن طاقات المسلم للبناء والإنتاج والتفاني في العمل والتزود بالعلم والمعرفة.
– الهدف التوحيدي وإصلاح ذات البين، بل زاد الخطاب من انقسام المسلمين إلى طوائف وفرق.
ومن المهم التركيز على عدة جوانب أساسية في تجديد الخطاب الإسلامي، منها:
1- تقديم اطروحات أساسية متفق عليها في الجانب السياسي، تعوض النقض والاختلال الذي شهده الفقه خلال عهود التراجع الحضاري، والذي أسفر عن تضخم في مجال العبادات، وفقر في المجال الدستوري والسياسي.
2- ترسيخ قيمة المواطنة والوحدة الوطنية، وحب الوطن والدفاع عنه، واحترام كرامة المواطنين والمساواة بينهم، بغض النظر عن الدين أو العرق.
3- إعادة بناء المسلم المعاصر ليكون إنسانًا حضاريًا فاعلاً في مجتمعه ومنتجًا، يفهم حقيقة الإسلام ومهمته، وهي عبادة الله وتعمير الأرض.
4- استعادة الاهتمام بالعلم والبحث العلمي في حياة المسلمين، بغرس الروح التواقة للعلم والتعليم، والانتقال من خطاب: “كان علماؤنا السابقون”، إلى خطاب: “كيف يكون علماء الحاضر والمستقبل؟”.
5- تعزيز الهوية، وتأكيد وتفعيل قيمة احترام الآخر المختلف دينيًّا وثقافيًّا، وتأكيد قيمة الحوار، وترسيخ أدب الخلاف في الرأي ونبذ العنف، وإعادة عرض حقيقة الإسلام على العالم، وغيرها من جوانب.
ويحدد المؤلف أربعة ركائز أساسية ينبغي أن يبنى عليها الخطاب الإسلامي، تستمد أصولها من سمات الدين ذاته، وبالتالي تنعكس على خطابه إلى الناس وهي: الربانية، سواء كانت ربانية الغاية (إرضاء الله سبحانه) أو ربانية المصدر (القرآن والسنة)، وكذلك الشمول، لأن رسالة الإسلام هي لكل الأزمنة والأمكنة، ثم الوسطية كركيزة ثالثة، والتي تعد من أخص القسمات التي تميز بها الإسلام، وأخيرًا عالمية الوجهة وإنسانية المنطلق.
ويناقش الفصل الثالث تطوير وسائل الخطاب الإسلامي، من الخطبة المنبرية إلى مواقع الإنترنت والتواصل الاجتماعي (فيسبوك وتويتر..إلخ)، ويشير إلى أن الوسائل المباشرة للخطاب الإسلامي كثيرة، ومنها: خطبة الجمعة، الموعظة، المحاضرة، الندوة، الحوار، والمناظرة.. إلخ، ومن أهم مرتكزات تجديد الخطاب الإسلامي المباشر:
– تربية الجماهير على الاهتمام بأمر المسلمين في العالم كله.
– التركيز على ما يجمع الشمل ويؤكد الوحدة بين أبناء الأمة.
– توظيف الأحداث الجارية لتوجيه الرأي العام لإصلاح الأمة.
– توحيد الخطاب في القضايا الكبرى منعًا للتشتت والتنازع.
– ترتيب الأولويات في الخطاب استفادة من فقه الأولويات.
ومن أهم السمات التجديدية للخطاب الإسلامي المباشر: التكامل، والتوازن، وترتيب الأفكار، والمشاركة، والرفق، والكياسة، والمناقشة، والجاذبية في العرض، وغيرها.
أما وسائل الخطاب الإسلامي غير المباشرة فأهمها: وسائل الإعلام الجماهيرية، ووسائل الاتصال الإلكترونية من خلال شبكة الإنترنت.
ويؤكد المؤلف صعوبة الدعوة إلى خطاب إسلامي موحد عبر الإنترنت، وربما استحالة ذلك من الناحية الواقعية، بل إن التنوع هو دائمًا مصدر ثراء في الحضارة الإسلامية، ولكن المطلوب هو التنسيق والتعاون والتكامل، في إطار التضامن الإسلامي.
وفي الفصل الرابع والأخير فيقدم لنا عددًا من النماذج المعاصرة للخطاب الإسلامي، التي ترتبط بقضايا الواقع، واختار منها أربعة: حقوق المرأة ـ القدس ـ العلاقة بالآخر ـ حماية البيئة، سواء تناولها الخطاب الإسلامي بطريقة مباشرة أو غير مباشرة.
وفي مجال المرأة يقول المؤلف إن الفكر الإسلامي شهد محاولات جادة لكشف حقيقة الموقف الإسلامي من قضاياها، لكن قضية “تحرير المرأة” في جوهرها لم تنبع من داخل الخطاب العربي والإسلامي، وإنما ألقيت عليه وتمت مناقشتها والاختلاف حولها، اعتمادًا على ظهورها في النسق الحضاري الغربي، ومن ثم فإن الخطاب الإسلامي مطالب بأن يعدل هذا الشعار ليصبح: “إنصاف المرأة” وليس تحريرها.
ويشير المؤلف إلى جهود الشيخ محمد الغزالي ومعاركه ضد محاولات عزل المرأة عن المجتمع باسم الدين، والجور على حقوقها، وانحراف المسلمين عن دينهم في معاملتهم للنساء، استنادًا إلى روايات ظالمة، وأحاديث موضوعة.
وفي موضوع القدس يقترح الكتاب استراتيجية إعلامية وثقافية تتمركز حول محورين: داخلي حيث يتوجه الخطاب الإعلامي إلى الشعوب العربية والمسلمة، ليس فقط من أجل إبقاء قضية القدس حية في نفوس أبنائها، ولكن أيضًا من أجل تشكيل قوة ضغط مستمرة على صناع القرار إزاء القضية، وذلك من خلال عدة مداخل: عقيدية وتوثيقية وقانونية وإخبارية وتحفيزية.
أما المحور الثاني الخارجي فيتوجه إلى الجمهور غير المسلم في العالم أجمع، من خلال مدخل معلوماتي، ومدخل آخر إقناعي، وثالث لتصحيح الصورة الذهنية والتاريخية.
وفي موضوع علاقة المسلمين بالآخر، ينبغي أن ينطلق خطاب التجديد الإسلامي من خلال قاعدتي: المساواة بين البشر، والعدل مع غير المسلمين، ويركز على التعايش السلمي مع الآخر، بديلاً عن فكرة الصراع، التي ظهرت في الغرب.
والقضية الأخيرة التي رصدها الكتاب من زاوية الخطاب الإسلامي هي حماية البيئة، حيث يقوم مفهوم البيئة من المنظور الإسلامي على أن علاقة الإنسان بها قائمة على أساسين: التسخير والوسطية، وتشكل البيئة في الرؤية الإسلامية كيانًا حيًا، يعكس نظرة عميقة لمفهوم البيئة، من منطلق أنها ملكية عامة، يجب المحافظة عليها حتى يستمر الوجود.