الأثنين 25 نوفمبر 2024 / 23-جمادى الأولى-1446

من الدراسات النادرة عربياً



يتطرق الباحث د. مبارك الذروة في بحثه لرسالة الدكتوراة إلى قضية تربوية تتعلق بمناهج التعليم وطرق التدريس في مدارس التربية الخاصة. وتنطلق الدراسة من تساؤل رئيس فحواه “ما مدى فاعلية برامج التدريب المقدمة لمعلمي الأطفال المعاقين”؟ مستقصياً الأثر الذي تحدثه هذه البرامج في تنمية المهارات الاجتماعية لدى الأطفال.

وأمّا الفئة التي وقع عليها الاختيار للدراسة فهي فئة “التوحد” وهي من الفئات التي تعاني قصوراً في التواصل الاجتماعي.

يعتمد البرنامج التعليمي للدراسة على نظرية الإرشاد المعرفي السلوكي التي تقوم على تزويد المعلمين بمعلومات وحقائق بشأن خصائص الأطفال التوحديين، وطرق التدريس اللازمة لتنمية مهاراتهم الاجتماعية.

ظلت فئة التوحد مهملة لفترة طويلة ولم يكن لدينا في الوطن العربي مؤسسات متخصصة تتناول هذه الفئة، وذلك لعدة أسباب أهمها عدم وجود مقاييس تتعلق بـ”التشخيص الفارقي”، ما جعل التعامل مع الطفل التوحدي وكأنه متخلف عقلياً، وذلك خطأ تربوي جسيم.

في الوقت الراهن أصبح العلم يهتم بهذه الفئة ولدينا في الكويت العديد من المراكز التي اهتمت بالتوحد مثل “مركز الكويت للتوحد”، و”مركز الخرافي” واستخدم في الكويت كذلك أسلوب الدمج، حيث تم دمج بعض المعاقين من فئة بطيء التعلم.

وفي المجمل التوحد لا يمكن دمجه، ولكن في مركز الكويت للتوحد يتم دمجهم مع “الداون” على اعتبار أن فئة الداون يتميزون بالتواصل لاجتماعي الجيِّد، وهو ما يفتقر إليه أطفال التوحد.

ومن أهم مواصفات أطفال التوحد أنهم يعانون اضطراباً في سرعة النمو، وفي الصياغات الحسية للمثيرات، واضطراباً في الكلام، وتأخراً في النطق.

قانون هيئة المعاقين:

يأتي قانون هيئة المعاقين الذي أجيز أخيراً في مجلس الأمة الكويتي متزامناً مع الجهود العلمية التي يبذلها عدد من الأكاديميين في جامعة الكويت، والهيئة العامة للتعليم التطبيقي، وفي هذا الصدد يؤكد د. مبارك الذروة أنّ القانون نقلة كبيرة للعناية بهذه الفئة، ويحوي بنوداً قيّمة من أبرزها: الاهتمام بالمنشآت والمؤسسات العلمية الخاصة بهم، وكذلك تدريب المعلمين، ودمج الطلاب المعاقين في فصول التعليم العام. عدا عن القضايا المالية للمعاقين كأن يكون لهم الحق في الحصول على سكن، والحصول على قروض بفوائد منخفضة، ومساعدتهم طبياً.

– فروض الدراسة:

تشترط الدراسة أن تكون هناك دلالات إحصائية لمستوى درجات المهارات الاجتماعية للأطفال. كما تفترض أنّ البرنامج المقدم سيرفع المستوى المهاري للطلاب من خلال المعلمين، على اعتبار أنّه لا يمكن التعامل مع التلاميذ مباشرة، فهم يعانون كونهم طلاباً توحديين، ولذلك فإن أقرب أشخاص إليهم، يمكنهم نقل المهارات هم المعلمون. ومعلوم أنّ الطفل أو التلميذ يحتاج فترة من التقبل، والانسجام مع الشخص الذي يتعامل معه، إضافة إلى العلاقة الإرشادية المهمة، فتطبيق المعلمين للبرنامج على هؤلاء التلاميذ يرفع من مهارتهم، في التواصل الاجتماعي.

فيما يتعلق بالخطوات العملية للدراسة يوضح د. مبارك أن عدد المعلمين الذين وقع الاختيار عليهم ثمانية معلمين، واستغرقت الدورة التدريبية ثلاثة اشهر، بمعدل ساعة ونصف لمدة يومين في الأسبوع. وتم تقسيم المعلمين إلى مجموعتين، “مجموعة تدريبية” و”مجموعة ضابطة”. المجموعة التدريبية تنتمي إلى مركز الكويت للتوحد، وكان البرنامج التدريبي لهؤلاء يتكون من ست وثلاثين جلسة تدريبية، ويرتكز على المعارف والحقائق والمعلومات. وتتضمن الجلسات التدريبية تعريفا للتوحد، وخصائصه، وكيفية التعامل معه. وتم إعداد برنامج لورش عملية عن كيفية تقرير سلوكيات الطفل التوحدي، وكيفية احتضانه، والتعامل معه، وكذلك استخدام الأنشطة المهارية مثل الرسم وورش العمل، والألعاب والبالونات، ومعرفة الحالة النفسية والسيكولوجية لطفل التوحد.

المجموعة الثانية هي المجموعة الضابطة والتي لم يطبق عليها أي من القواعد السابقة، وتنتمي إلى “مدرسة السلوك التوحدي” وهي إحدى المدارس التابعة لوزارة التربية. وفي هذا الصدد يقول د. الذروة: “وضعنا افتراضاً أنّه ستكون هناك فروق ذات دلالة إحصائية لصالح المجموعة التجريبية بعد البرنامج التدريبي لتنمية المهارات الاجتماعية للطلاب. وأجرينا كذلك اختباراً بعيداً، أي بعد البرنامج، لأخذ رأي المعلمين، وكذلك رأي أولياء الأمور، وأيضاً اختباراً تتبعياً بعد شهرين للنظر ما إذا كانت المهارات التي اكتسبها التلاميذ تلاشت، أم مازالت قائمة، ووجدنا نتائج إيجابية لا بأس بها بالنسبة إلى بعض البنود، كما أن هناك بنوداً لم تُظهر فارقاً كبيراً بين ما كان عليه الحال قبل التدريب وبعده”.

 

– الأدوات العلمية:

من أهم الأدوات التي استخدمها الباحث مقياس تقدير مستوى درجات المهارات الاجتماعية لدى الأطفال من خلال استجابة والديهم ومعلميهم، أيضاً مقياس الكفاءة المهنية لدى الأطفال التوحديين. وجرى في هذا الإطار تصميم استبيانين اثنين، أحدهما للمعلمين عن البرنامج، والآخر موجه لأولياء الأمور، لمعرفة رأيهم في التغيرات التي حصلت، وما إذا كان تغيراً فعلياً في سلوك الأطفال أم لا.

– الدراسات:

لجأ الباحث إلى العديد من الدراسات المرموقة في مجاله من بينها دراسة ماريكا 1990 ودراسة ستيفن، وأفاد كذلك من برنامج “تيش” الذي يستخدم البيئة والصور، أو الجداول المصورة، وهو برنامج عمل به أوّلاً في “نورث كارولينا” بالولايات المتحدة، واستخدم في العديد من دول العالم.

وفي الأساليب الإحصائية يستخدم الباحث الجداول التكرارية، لمعرفة بيان النسب المئوية للقيم أو الاستجابات والمتوسطات المرجحة لترجيح الإجابات، وكذلك اختبارات الفروض. كما استخدم تحليل الارتباط وهو الذي يقيس ويدرس العلاقة بين متغيرين أو أكثر، وتعيين اتجاه تلك العلاقة باستخدام ارتباط الرتب، واستخدم الباحث برنامج معالم لـ”كرومباخ”. لقياس الاتساق الداخلي وتقدير مستوى المهارات. هذا الأمر في مجمله متعلق بالاستبيانات الإحصائية.

– النتائج:

تتفق هذه الدراسة مع العديد من الدراسات الأخرى، ومن بينها دراسة “هاردي” وأمل حسون، وكلارك كيمان وسهى أحمد نصر. وتستنتج أن هناك فروقا ذات دلالة إحصائية بين “الاختبار التتبعي”، و”الاختبار البعدي”، وأرجعت هذه الفروق إلى تحسين مستوى أداء المهارات خلال مرور فترة زمنية من تلقي البرنامج نظراً إلى تكرار الممارسة من ناحية الطلاب، واستبعاد بعض الأجزاء للسلوك الخاطئ.

ينبغي الإشارة هنا إلى أنّ هذه الدراسة تختلف عن عدد من الدراسات في عدم وجود فروق متقاربة في الدرجات. لأنّ ثبات سلوك الأطفال في المجموعة التجريبية لمركز الكويت للتوحد وصلت إلى سلوك الإتقان الذي يترافق مع قدرات الطفل، وقد يكون في ذلك دور كبير لمركز الكويت للتوحد، وليس للدورة التدريبية من باب الإنصاف. فالمعلمون أصلاً كانوا مدربين داخل مركز الكويت للتوحد، وقيام المركز بهذه الدورات كان عاملاً مساعداً.

لاحظ الباحث كذلك وجود نوع من التقارب في المستوى الأدائي في بعض المهارات التي تم تدريب الأطفال عليها من خلال أنشطة البرنامج، وخاصة المهارات الميسرة، وأما المهارات التي تتسم بالتعقيد، فكانت أقل دقة من حيث الأداء، وبتكرار الممارسة طرأ عليها نوع من التحسن والإجابة. ولعل هذا يرجع إلى خصائص الطفل التوحدي الذي ينقصه التركيز ويعتريه التشتت، وهذا يستدعي إعادة تدريبه مرات ومرات حتى يتقن المهارة.

– التوصيات:

تنتهي الدراسة إلى العدد من التوصيات من أهمها الاهتمام بإعداد برامج معلمين بحيث تشمل الاكتشاف المبكر، والتدخل المبكر للحالات الخاصة حتى تتمكن من معرفة الصعوبات والمعوقات لدى هؤلاء الأطفال.

ينبغي الاهتمام بعمل دورات تدريبية مستمرة للمعلمين، ممن يقومون بتدريس التربية الخاصة.

تطوير المناهج والبرامج التدريبية القائمة على أسس علمية مع مناسبة وأهمية مراعاة تفاوت قدرات الأطفال المطبق عليهم.

إعطاء مزيد من الاهتمام ببرامج رعاية وتدريب الأطفال.

بالنسبة إلى المعلمين توصي الدراسة بأن يعتبر البرنامج المطبق أحد النماذج التطبيقية لتنمية المهارات التدريبية الاجتماعية لدى أطفال التوحد. ويمكن للمعلمين والمعلمات الإفادة من الأنشطة المطبقة في هذا البرنامج. خصوصاً وأنّه يقوم على إحدى نظريات الإرشاد النفسي، وهي النظرية المعرفية السلوكية.

يوصي الباحث جميع العاملين مع فئة التوحد، والبرامج المتبعة معهم بالجدية، فأي برنامج لا يمكن يؤتي ثماره ما لم يلق الجدية اللازمة.

يوصي الباحث الأسرة كذلك بأن تسارع إلى إلحاق ابنها بإحدى المدارس المتخصصة التي تهتم بالتوحد، وعدم إهماله، لأنّ التوحد يتضح ويظهر خلال فترة ثلاثين شهراً.

يجب أن تدرك أسرة الطفل التوحدي بأن معالجة اضطراب التوحد بحاجة إلى صبر، وتدريب مستمر، وتتصل بالمراكز من أجل الإرشادات والتوجيهات.

– علاج التوحد:

وحول سؤال ما إذا كان يمكن علاج التوحد، والتخلص من أعراضه بشكل كامل، يؤكد الباحث أنّ الأمر يتعلق باستخدام مقاييس عدة قبل التأكد من شفاء الحالة من بينها، مقياس كارز، وهو مقياس معرّب وفي متناول الباحثين. يحدد هذا المقياس جوانب الضعف والقوة، ويقع الطفل تحت الملاحظة لمدة أسبوعين أو شهر، ويقوم فريق يتكون من المعلم، وولي الأمر، وطبيب اختصاصي بتشخيص حالته، لمعرفة مناطق الضعف، وبالتالي يحددون بناء على ذلك البرنامج الذي يستخدمونه للعلاج. فالأمر بحاجة إلى صبر وروية. موضحاً أن هناك أطفال تعافوا وتلاشى منهم هذا الاضطراب. ويعتمد على ذلك على جدية الفريق الذي يدرب الطفل والفترة التي يتم فيها اكتشاف الحالة. وكل ما كانت مبكرة فهي أفضل، ويعتمد الأمر كذلك على نوع ودرجة الإعاقة. فلدينا مثلاً حالة يطلق عليها “سبرغر” وهي من التوحد، ولكنها لديها مهارات فائقة. وهناك “ريت”، وهي حالة تصيب الإناث. وأخيراً التوحد الطيفي ويعاني الطفل عنده من صعوبة شدية في التواصل، وصعوبة في التمييز.

– المنطقة العربية:

بالنظر إلى المنطقة العربية واهتمامها باضطراب التوحد يؤكد الباحث أنّ الأردن مثلاً تهتم إجمالاً بالتعليم والمخرجات التربوية. فيما تتميز السعودية من حيث المنشآت. وأما الكويت فتتميز بالتواصل مع العالم بالمؤتمرات العالمية، فلكل دولة جانب خاص تبرز فيه. إلا أنّ المشكلة الكبيرة في نظر الباحث انعدام كليات التربية الخاصة، هناك مدارس للتربية الخاصة، وأقسام علمية في جامعة الكويت، ضمن كلية التربية الأساسية. إلا أنها غير كافية..

د. مبارك عبد الله الذروة..

– الدكتوراة: جامعة القاهرة حول مناهج التعليم وطرق التدريس في مدارس التربية الخاصة.

– الماجستير: جامعة الأزهر حول تقويم برامج الرعاية الاجتماعية في الكويت.

– أستاذ مساعد في كلية التربية الأساسية قسم مناهج وطرق تدريس.

– كاتب في صحيفة الراي الكويتية.

– مدير عام جمعية المعلمين الكويتية.

عضو في العديد من الجمعيات والهيئات الدولية.

 

تصميم وتطوير شركة  فن المسلم