( الجزء الأول )
بقلم د.أمير بن محمد المدري
النجاح ومسيرة النجاح بنكهة إسلامية قليلٌ من كتب عنه -حسب علم الكاتب-، ومعظم من درّب أو كتب عن النجاح كان ناقلاً عن علماء وكُتاب غير مسلمين، والحكمة ضالّة المسلم أنى وجدها فهو أحق بها، لكن الاستدلال بشكل كبير بأقوالهم وأفعالهم وقصصهم أعتقد أنه منقصة وفي تاريخنا الإسلامي ما يشفي ويكفي .
كان الحديث عن النجاح كثيراً ما يكون عن النجاح في حدود الدنيا، وقليلاً ما يتطرق إلى النجاح الأُخروي، والنجاح في علاقة المرء بخالقه .
قد ينجح الإنسان في علاقته مع الآخرين، ويكون محبوباً منهم، لكنه قد يكون ضعيفاً تماماً في علاقته مع ربه وخالقه، فالجماهير الواسعة، والمديح العظيم من الناس لا يساوي حبة قمح إذا كانت علاقة العبد مع ربه واهية .
قد ينجح نجاحاً رائعاً في العبادة المسجدية، ولكنه ليس زوجاً ناجحاً، وقد ينجح في العمل، وليس زوجاً ناجحاً، وقد يكون زوجاً ناجحاً إلى أعلى درجة، وفي عمله ليس ناجحا، وقد ينجح في بيته وفي عمله، لكن مع ربه ليس بناجح، وقد ينجح في بيته وعمله ومع ربه، ومع صحته ليس بناجح.
وقد ينجح الإنسان في علاقته مع ربه، ويكون كثير العبادة والاتصال بالله، لكنه ضعيفاً في علاقته مع الآخرين؛ بل أحيانا يشكون من سوء أخلاقه، وهذا هو التدين المغشوش.
وقد ينجح الإنسان في كِلا الأمرين مع ربه، ومع الناس، لكنه مع نفسه في صراع، لا يكاد يرتقي بنفسه، ويُصلح من شأنها، ويرتقي بها علمياً وتربوياً .
الإنسان يحيا في تقاطعات عديدة بين المادة والروح والنفس .فإذا انحرف نحو إحداها اضطر إلى إهمال الأُخريات. فلا بد أن يحافظ على قدر من التوازن بين هذه الثلاث، فاختلال التوازن يجعل الإنسان يشعر بالخواء، ولا يعرف أبداً معنى الارتواء.
منظومة النجاح في الإسلام هي النجاح الشامل، فلا يُعد النجاح نجاحاً إلا إذا شمل علاقتك بربك، وعلاقتك بزوجتك وأولادك، وأهلك، وعلاقتك بعملك، وعلاقتك بصحتك، وأي خلل في واحدة يُعتبر شرخ في النجاح .
منظومة النجاح في السلام هي الجمع بين هذه المحاور الثلاثة :النجاح مع الله ، والنجاح مع الناس ، والنجاح مع النفس .
المحور الأول النجاح مع الله : استطيع أن اصف أنسان بأنه قوي العلاقة مع الله إذا حقق أموراً ثمانية ونجح فيها .
1. الصلاة: وهي الصلة بين العبد وربه، ومتى ضعف الاهتمام بها ، ضعفت العلاقة مع الله وفيها مطلوب :
– المحافظة على الصلوات في أوقاتها وخاصة الفجر والعصر.
– الحرص على تكبيرة الإحرام، والمجاهدة لنيل البراءتان من النار ومن النفاق لمن حافظ عليها أربعين يوما مع الإمام كما صح في الحديث، ولو في السنة مرة .
– الخشوع واستحضار عظمة الخالق جل وعلا، وأي صلاة تصليها كأنها آخر ركعات في حياتك ،وصلّ صلاة مودع.
– المحافظة على الرواتب (12) ركعة ، وبها يُبنى لك كل يوم بيت في الجنة كما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم.
– المحافظة على الجلوس في المسجد بعد الفجر إلى شروق الشمس ولو مرة في الأسبوع فهي الزاد، والطاقة، والشحنة الإيمانية لليوم بكامله.
2. الدعاء : أكثر العباد علاقة مع الله أكثرهم سؤالاً ودعاءً له، فالدعاء خط ساخن مع الله في أي وقت، وفيه مطلوب :
– اطب طعامك واحرص على الحلال تُستجاب دعواتك .
– أقرب الأدعية استجابةً ما كان في القرآن والسنة، فاحفظها وأدع الله بها .
– بين الآذان والإقامة ودبر الصلوات وفي السجود وعند الآذان وفي الثلث الأخير من الليل كلها أوقات إجابة فاحرص أن يكون لك عندها دعوات .
– لتكن لك دعوات تُلح عليها، وما من دعوة تدعو بها إلا لك بها إحدى ثلاث، “إما أن يعجلها الله لك في الدنيا، وإما أن يدخرها لك إلى يوم القيامة، وإما أن يصرف الله عنك من السوء مثلها”.
3. الذكر : قُل لي كم تذكر الله أقول لك كم نسبة علاقتك مع الله. ومن أحب شيء أكثر من ذكره، وفي هذا الباب :
– لا تُقصّر في الذكر المقيّد، بالصلوات والأماكن والأحوال.
– اجعل لك ورد تسبيح، وتحميد، وتكبير، واستغفار، وحوقلة، وحسبلة، وصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في الصباح والمساء.
– حاول ربط كل أعمالك وحركاتك بذكر ليتبرمج الدماغ معها وتصبح لك عادة.
– أذكار الصباح والمساء حصن حصين من كل شر فلا تقصر فيها.
– حمّل تطبيق “ذكرني” على جوالك ليكون لك مذكراً في كل وقت، فما وجدت تطبيقاً يعين الإنسان على الذكر مثله.
4. القرآن: روح الحياة وحياة الروح، وتقرّب إلى الله بما استطعت، واعلم بأنك لن تتقرب إلى الله بمثل كتابه، وأهل القرآن هم أهل الله وخاصته، وفي هذا الباب:
– ليكن لك ورد تلاوة يومياً، ترفع به رصيدك من الحسنات، وتنهل به من النور المبين والذكر الحكيم.
– ليكن لك خطة لحفظ القرآن ولو لعشر سنوات، فحافظ القرآن حسبه أنه قد استدرج النبوة بين جنبيه إلا أنه لا يوحى له كما جاء في الصحيح.
– ليكن لك مصحف تدبر ولو لسنة أو أكثر، تعيش فيه مع القرآن، تستخرج كنوزه وتتأمل معانيه، وتتدبر آياته.
– ليكن لك خطة ونية أن يكون أحد أولادك يحفظ القرآن.
5. دوام الاستعانة بالله، والتوكل عليه :شعارك فيه :”يارب إن أعطيتني قبلتُ، و إن منعتني رضيتُ، و إن تركتني عبدتُ، و إن دعوتني أجبتُ” .فبغير الرضا عن الله وبالله والقناعة لو ملكت الدنيا كلها فأنت تعيش في جحيم.
6. حُب الخلوة بالله، والتلذذ بمناجاته، ودوام الإنابة إليه.. عن عطاء بن يسار قال: قال موسى عليه السلام : «يا رب من أهلُك الذين هم أهلُك، الذين تظلهم في ظل عرشك»؟ قال: «هم البريئة أيديهم، الطاهرة قلوبهم، الذين يتحابون بجلالي، الذين إذا ذُكرت ذُكروا بي، وإذا ذُكروا ذكُرت بذكرهم، الذين يسبغون الوضوء عند المكاره، والذين ينيبون إلى ذكري كما تُنيب النسور إلى وكورها، ويَكْلَفون بحبي كما يَكْلَف الصبي بحب الناس، ويغضبون لمحارمي إذا استُحلت كما يغضب النمر إذا حَرِب» [ عبد الرزاق في مصنفه ج 7/ ص 71 حديث رقم: 34275].
7. الإخلاص التام لله؛ فهو يعمل العمل ابتغاء وجهه ونيل رضاه فلا يهمه رضا الناس عنه أو سخطهم عليه.
8. اتخاذ الله أنيسًا؛ فيأنس دوما بقربه منه، بل إنه ينتظر اللحظة التي يخلو فيها بربه ليناجيه ويبث إليه أشواقه، ويشكو إليه ما وجده من صعوبات وإعراض، ويسأله حاجاته، ويشعر بالاطمئنان في جواره.
أخي الحبيب : مناجاة الله ولو لثوانٍ تمنحك طاقةً هائلة لا تُقدّر بثمن، تجدها حين تحتاجها في المصائب والملمات.
اذا أردت أن تقيس نسبة علاقتك مع الله فضع لكل عنصر من العناصر الثمانية درجة عُليا ولتكن “100”، كم تُعطي نفسك درجة في كل عنصر، ولتكن الإجابة بصدق واخلاص وشفافية، ثم انظر إلى مواطن الضعف عندك، وحاول ترميم النقص، واعمل هذا التمرين بين كل فترة وأُخرى.
إلى اللقاء في الجزء الثاني من منظومة النجاح في الإسلام .