الخميس 19 سبتمبر 2024 / 16-ربيع الأول-1446

مزعجٌ .. هذا التفوق



أصبحتُ أخاف من قدوم الإجازات، هذا النفير العام الذي يصحبها إلى الدول المجاورة برًا، أو فيما بين المدن، لا يعود إلا بمواكب جنائزية، زرافات ووحدانا، لم يعد (ساهر) قادرًا على إلجام بيت الحديد والنار المنطلق دون التفاتة إلى عقيدة تجرم قتل النفس وقتل الآخرين، ولا إلى شريعة تحرم عصيان ولي أمر المسلمين بتجاوز السرعة المحددة، ولا إلى قلوب تحترق وتظل مكوية ما تبقى من حياتها بفقدان الأحبة، ولا إلى مستقبل وضيء يُطفأ في مجمرة الأحزان، ولا إلى نظام وضع من أجل حراسة أعظم مورد على الإطلاق، (الإنسان).

ماذا يعني أن يضع الشباب لواصق تخفي بعض أرقام لوحة السيارة؟ ليطيروا أمام أعين (ساهر) فيعجز عن اصطيادهم، حتى إذا اقتربت نقطة التفتيش نزعوها، تلتفت يمنة ويسرة لترى ألوف الأشرطة اللاصقة المرمية شاهدة على عمق الجهل الشبابي بالخطر المحدق بقوام الوطن، وعماده.
كيف نفسر ما يقوم به الشباب من سرعة تصل  إلى مئة وستين كيلًا في الساعة، وهم في وسط حي سكني؟ نعم .. هذا ما حدث بالفعل، فأحدهم انقلب وأنا أسمع، فانطلقت وشاهدت، والثاني قتل شيخًا عجوزًا كان يصلي في مسجد حيِّنا، والثالث لم يجد له إلا أن يصعد رصيف شارعنا؛ ليوقفه عمود الإنارة عند حده، قاصمًا ظهر سيارته.
سلمت بلادنا من الحروب، ولله الفضل والمنة، ولكننا أقمنا حربنا فيما بيننا، فصرنا نقتل أنفسنا، ويقتل بعضنا بعضًا حتى حققنا الأولية على مستوى العالم في هذا التخلف، وعلينا أن نستشعر خسائرنا كل عام: أكثر من سبعة آلاف قتيل، وأكثر من ثمانين ألفًا من الجرحى والمعاقين، وأكثر من ثلاثة عشر مليارا من الريالات التي تفنى بلا مسوغ في قيمة السيارات التالفة والعلاج، حيث يمثل ضحايا الحوادث الرقم الأعلى في احتلال أسرة المستشفيات.
مزعج هذا التفوق في أرقام قتلى الحوادث، وهذا التفوق في استهلاك التدخين، وهذا التفوق في استهلاك الطاقة وخاصة الكهربائية، حتى تفوقنا على الولايات المتحدة الأمريكية بأكملها، وهذا التفوق الرهيب في نفايات الأغذية، وأخشى أن نكتب في المسرفين، والمبذرين، وحتى التفوق في حجم دخول المخدرات، وازدياد الإصابات بالسرطان حتى تجاوزت اثني عشر ألف مصاب سنويا، بل تتوقع الجهات المختصة تضاعفه خلال السنوات العشر المقبلة؛ ليصل إلى ثلاثين ألف مصاب -لا قدر الله- في حين تؤكد وزارة الصحة أن الأرقام العالية والإصابات بالسرطان المستمرة تعود لتزايد أعداد المدخنين للسجائر والشيشة، وتزايد معدلات التلوث البيئي، وكثرة استهلاك الوجبات السريعة، وانتشار الأغذية المصنعة، والخمول البدني.
ومع هذا الوضوح في الطرح، فإن ازدياد هذه الظواهر الفاتكة بالجنس البشري مستمر، مما يؤكد وجود نقص شديد في الوعي، وضعف شديد في إدارة الذات بالإرادة الحازمة، فهل هناك نقص في التوعية؟ أم أن هناك أزمة في التربية الأسرية؟ أم أن هناك قصورا في الشراكات بين مؤسسات المجتمع المختلفة؟
من المؤسف -حقا- ألا ينصبَّ الاهتمام على أي جانب من الجوانب ذات الديمومة إلا إذا وقعت كارثة، وكأننا نحتاج ـ دائما- إلى أن نسمع جرس الحريق، دون أن نكون قد وضعنا وسائل السلامة أصلا.
هناك إدارات في الوزارات للوقاية، ولكن المجتمع لا يرى لها أثرا يذكر، إلا في الأيام العالمية فقط، فهل أصبحت القضية مسألة إعلام فقط؟
الدماء تسيل، وظواهر الهدر البشري والمالي تستمر، ولا يزال هناك من يتفرج.

Dr_holybi@ تويتر


 

تصميم وتطوير شركة  فن المسلم