بقلم أ.مريم راجح
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وعلى آله وصحبه.
مجالس النساء:
المجالس والاجتماعات إن لم تُربط وتُهذَّب بالدِّين والأخلاق، أصبحَت مرتعًا للقيل والقال، وكسبًا للآثام؛ فما بين غيبة وكذب وافتراء، وكشفٍ للأسرار وهتكٍ للأعراض، وضياع للحياء؛ فتلك لم يَفتُر لسانها من الشَّكوى والتذمُّر من الزوج والأبناء، وتلك التي نصبَت نفسها مفتيةً ومُصلحة وهي مخربة، فهدمَت البيوت، وشتَّتَت الأحباب، وتلك التي جعلَت تستعرض حفلاتها الخاصة أمام الملأ بلا حياء، فما تركت ركنًا في البيت إلا صوَّرَته؛ غرفة نوم، وحمامًا، والأدهى حتى لباسها الخاص بينَهما… والله المستعان.
فلا بد من وقفة جادَّة، وتذكير، وقرع للقلوب؛ فهذه المجالس انتشرَت وانتقلت لشاشات الحاسوب، فلا مروءة ولا حياء، وبَعد أن كانت المجالس محبوسةً بين الجدُر أصبحَت تجمع بقاعًا شتَّى، وتحت مَرأى الجميع.
ومما يَحزن له القلب حين تغطَّى تلك المجالس بلباس الدِّين والتفقُّه، ويوضَع لها شعار: أنْ لا حياء في الدين!
فتُستباح الغِيبة، وإفشاء الأسرار الزوجيَّة، واللمز والهمز بطرق ملتوية، فتسمَّى بغير أسمائها، وتُرفع حواجز حَياء الكلمات والتوجيهات حتى أمام الشاشات.
سُئل الشيخ الألباني رحمه الله عن: ما مَدى صحة القول: (لا حياء في الدين)؟
فقال: نجد دليلَ مثل هذا القول – إن فُهم صوابًا – في كلمةٍ مأثورة في (صحيح مسلم)، وهو قول السيدة عائشة رضي الله عنها: “رَحم الله نساءَ الأنصار؛ لم يمنَعْهن حياؤُهن أن يتفقَّهن في الدين”، ولكن هذا القول يحتاج إلى التقييد؛ لأنَّ الأقوالَ المأثورة يفسِّر بعضها بعضًا، فنقول: إذا قيلَت هذه الكلمةُ بمناسبة بحثٍ علميٍّ؛ سؤال، أو في سياق التفقُّه في الدين، أو وُضعت في مكان مناسب، فهي صحيحة، أما أن يُقال: “لا حياء في الدين” من غير تقييدٍ، فلا؛ لأن ((الحياء من الإيمان))؛ كما يقولُ الرسول صلى الله عليه وسلم؛ (سلسلة الهدى والنور، رقم الشريط 534).
قال عمرُ رضي الله عنه: “مَن كَثُر كلامه كَثُر سقَطُه، ومن كثر سَقطه قلَّ حياؤه، ومن قلَّ حياؤه قلَّ ورعُه، ومن قلَّ ورعه مات قلبُه”.
أختاه، كم لحومٍ أُكِلت في تلك المجالس! وقد تكون لحوم أقرب الناس؛ الوالدين والأزواج، وحتى الأبناء.
قال الله تعالى: ﴿ وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ ﴾ [الحجرات: 12].
أما اللَّمز والهمز وكلُّ ما يدل على التنقيص من الغير والتقليل، ومحاولة رميهم بسهم العيب، فحدِّث ولا حرَج!
ولننظر لورَع وترفُّع أمنا زَينبَ بنت جحشٍ رضي الله عنها، وهي (الشَّريك في الزوج)، في حادثة الإفك؛ قالت عائشة: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم سأل زينبَ بنتَ جحشٍ زوج النبي صلى الله عليه وسلم عن أمري: ((ما علمتِ؟ أو: ما رأيتِ؟)) فقالت: يا رسول الله، أحمي سمعي وبصَري، والله ما علمتُ إلا خيرًا، قالت عائشة: “وهي التي كانت تُساميني من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، فعصَمها الله بالورَع”…
أقلِلْ كلامَك واستعِذْ من شرِّه
إن البلاء ببعضِه مَقرونُ
واحفَظ لسانَك، واحتفِظ من غَيِّه
حتى يكونَ كأنه مسجونُ
وَكِّلْ فؤادَك باللسان وقُل له
إن الكلام عليكما مَوزونُ
فزِناهُ ولْيَكُ مُحكَمًا ذا قِلَّةٍ
إن البلاغةَ في القليل تَكونُ
أختاه، لنَنْتَقِ مِن المجالس – كما نَنتقي من الحُلي واللباس – ما يَزيدنا رونقًا وجمالاً؛ فتلك المجالس إن لم تَزِد النفس قربًا لله وحبًّا للطاعة وبُعدًا عن المعاصي، فلا حاجة لنا فيها.
ولنتذكَّر قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا يستقيمُ إيمانُ عبدٍ حتى يستقيمَ قلبُه، ولا يستقيمُ قلبُه حتى يستقيمَ لسانُه، ولا يدخلُ رجلٌ الجنةَ لا يأمَنُ جارُه بوائقَه)).
تاجُ الوقارِ وحسنُ سَمتِ المسلمِ
صمتُ المَليء وحكمةُ المتكلِّمِ
أسأل الله العظيمَ أن يتقبَّل هذه الكلماتِ وينفع بها، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم