الثلاثاء 26 نوفمبر 2024 / 24-جمادى الأولى-1446

متلازمة استكهولم…والتماهي بالمعتدي



عندما قرأت الأخصائية الصغيرة عن متلازمة استكهولم شعرت بالصدمة والانذهال فسارعت إلی المستشار النفسي لتستفسر عن الموضوع … فما هي متلازمة استكهولم ولماذا انذهلت الفتاة؟

ذكر في الموسوعة العربية لعلوم الدماغ و الأعصاب أنه فى يوم 23 أغسطس عام 1973، هاجم بعض المسلحين أكبر بنك فى مدينة استوكهولم واحتجزوا بعض الموظفين كرهائن، وعلى مدى أيام حاولت الشرطة السويدية التفاوض مع الخاطفين لإطلاق سراح الرهائن. ولكن بلا فائدة فـ نفذت هجوما مفاجئا وحررت الرهائن.

وهنا حدثت المفاجأة: فبدلا من مساعدة الشرطة فى مهمتها، راح بعض المخطوفين يقاومون محاولة تحريرهم، بل إنهم أبدوا تعاطفهم مع الخاطفين وظلوا يدافعون عنهم وذهبوا ليشهدوا لصالحهم بعد ذلك أمام القضاء.

هذا التصرف الغريب من الرهائن تجاه خاطفيهم، استوقف عالم النفس السويدى “نيلز بيجيرو” فأجرى دراسة مطولة خرج منها بنظرية جديدة اشتهرت فى علم النفس باسم “Stockholm syndrome “.. أو “متلازمة مرض استوكهولم”.

وتؤكد هذه النظرية أن بعض الناس عندما يتعرضون إلى الخطف أو القمع والاعتداء بدلا من أن يدافعوا عن كرامتهم وحريتهم، فإنهم مع تكرار الاعتداء يتعاطفون مع المعتدي ويذعنون له تماما ويسعون إلى إرضائه.

وقد أثار مرض استوكهولم اهتمام علماء النفس فتوالت الدراسات حوله واكتشفوا أنه يصيب 23% من ضحايا الخطف والاعتداءات بأنواعها المختلفة، وقد توصل العلماء إلى تفسير مقنع لمرض استوكهولم.. هو أن الإنسان عندما يتعرض إلى القمع والإذلال، ويشعر بأنه فاقد الإرادة لا يملك من أمره شيئا وأن الجلاد الذى يقمعه أو يضربه أو يغتصبه ويستطيع أن يفعل به ما يشاء..يكون عندئذ أمام خيارين: إما أن يظل واعيا بعجزه ومهانته وينتظر الفرصة حتى يثور على الجلاد ويتحرر من القمع، وإما أن يهرب من إحساسه المؤلم بالعجز وذلك بأن يكبت مشاعره ويتوحد نفسيا مع الجلاد ويتعاطف معه.

والأغرب من هذا ان يتجاوز اﻻمر مجرد التعاطف إلی تبني دوره فيمارس العدوان علی نفسه وعلی غيره نيابة عن المعتدي وبشكل لاشعوري، ويتجلی ذلك في العديد من المواقف فمثلا نجد بعض اخواننا المهمشين يقول عن نفسه “ما انا إلا خادم” ومعناها أنا لا اصلح الا لدور الخادم ولا اتطاول علی أسيادي “وهو الدور الذي اسنده له المستبد” بل وقد يصل اﻷمر إلی معاقبته لزوجته أو أولاده إذا حاولوا تجاوز هذه العتبة، ولربما يمارس أحدنا بشكل لاشعوري هذا الدور فيتعين ذاتيا بالمعتدي ويستخدم العدوان علی نفسه وبما أنه لاشعوريا فقد يتساوی فيه الأمي وأستاذ الجامعة وهنا يتضح كيف أن بعض الذين كانوا يعارضون باﻷمس فكرة أصبحوا هم يتبنونها اليوم ولربما يوضح هذا الأمر لماذا يعزل العائدون من الأسر ويخضعون لبرامج إعادة تأهيل قبل إعادتهم لﻹندماح في المجتع كما حدث ﻷسری حروب الدول الإسلامية ليس مع اسرائيل بل بينهم البين، ولربما يفسر ايضا رغبة بعض الأزواج والفئات للعودة لبعضهم وتبني مواقف الاعتداء علی الذات بعد فترة من تعرضهم لضغوط من قبل المعتدي.

فلا يلامون من يتعينون ذاتيا بالمعتدي ولكن ينبغي تأهيلهم ومعالجتهم.وسر إنذهال الفتاة هو خوفها من ان يتماهی اليمنيون بالمعتدي في وطن يئن تحت وطأة حروب داخلية وخارجية.

تصميم وتطوير شركة  فن المسلم