لا يميل الكثير للاعتقاد بأن السعادة اختيار؛ لأن هذا يجعل الشخص مسؤولًا عن تحقيقها، ولذلك يفضل أغلبهم أن يستمتعوا بدور الضحية، ويشعروا بالأسف على أنفسهم حتى يؤخّروا الفعل، ثم يشكوا حالهم للكون، وكأنهم كلما زادت شكاواهم زاد احتمال تدخل أحدهم لتغيير الوضع، ولهذا فكثيرًا ما نقوم بتدمير سعادتنا لأسباب وتصورات واهمة عن السعادة، فلا توجد سعادة مستدامة على أية حال، فهي ليست فورة من المشاعر الإيجابية الناتجة عن أحداث عشوائية، بل هي نتاج ممارسة يومية مقصودة عن إدراك ووعي، وقرار بالالتزام، ولكل منا قدرة احتمال للسعادة أو سقف لها، وهو الحد الأقصى من المشاعر الجيدة الذي نسمح لأنفسنا به، ويسميه علماء نفس آخرون خط الأساس المرجعي، وهو مقدار السعادة التي نشعر بها بصورة طبيعية، ونعود إليها بعد وقوع أحداث أو ظروف تتسبب في حزننا بصورة مؤقتة، فعندما تتخطى الظروف المحيطة حد السعادة الذي اعتدنا عليه نبدأ بطريقة لا شعورية في عملية تدمير ذاتي لسعادتنا. فلقد صممت عقولنا على أن تسعى نحو المألوف، وبالرغم من اعتقادنا أننا نسعى نحو السعادة، فنحن في الواقع نحاول أن نجد ما تعوَّدنا عليه، فنبدأ بتحجيم مشاعر السعادة حتى نعود إلى منطقة الراحة (comfort zone) التي تعوَّدنا عليها، فالجملة التي نسمعها مرارًا وتكرارًا حول التحرر من حدود منطقة الراحة، هدفها ترويض النفس على الشعور بالارتياح في حالة عدم الراحة، وهذه الخطوة هي البوابة التي يتاح من خلالها لسقف السعادة الداخلي أن يرتفع، لكن أغلبيتنا تميل لتفضيل الراحة التي تجدها في المألوف على ما يشعرون به تجاه المجهول حتى وإن كان أفضل، فإذا استطعنا إعادة تعريف السعادة بما يريده البشر بصورة فطرية كالاندماج والشعور بالهدف، فسيمكننا أن نجد الراحة في الأشياء المتوافقة مع ما نريد تحقيقه، ويصاب الكثيرون بوهم اعتقاد السعادة كرد فعل عاطفي لظروف معينة، وليست خيارا أو تغييرا في الإدراك، ويصعب تفكيك هذا الوهم عند المؤمنين به، لكنه فكرة خاطئة تقتضي منك انتظار الظروف حتى تشعر بالسعادة، لكنك إن لم تعمل على رفع سقف سعادتك في جميع النواحي فستقضي ما تبقى من عمرك متأرجحا بين حالة وأخرى، ولهذا نجد إحصائيا أن دخل سكان بعض أسعد الدول ليس مرتفعا، وأن أغلب النماذج الملهمة إنسانيا ماتوا ولم يكن بحوزتهم إلا القليل من المال، فالشيء المشترك بينهم هو الإحساس بالهدف والانتماء والحب؛ وهي أشياء تختار أن تشعر بها، وأن تنميها بصرف النظر عن الظروف المادية أو الواقعية، فلا يُدرك أغلب الناس أن تغيير خط الأساس المرجعي للسعادة ممكن؛ وأن أصعب لحظاتك ستكون العوامل المشجعة على تحولك، وستكون شاكرًا لكل الصراعات التي عانيتها أثناء رحلتك بمجرد وصولك إلى بر الأمان.