السبت 21 سبتمبر 2024 / 18-ربيع الأول-1446

ما سرّ مزاجنا .. ؟



   ما سرّ مزاجنا ؟  

أ.د.قاسم حسين صالح .


لفت انتباهي سلوك الشخصية الأوربية حين تكون موضوعا” للنكتة في البرامج التلفزيونية الفكاهية مثل : ( Just Kidding ) و ( GAGS ) ، ومقارنتها بسلوك الشخصية العربية في البرامج المشابهة مثل : ( الكاميرا الخفية ) و ( صادوه ، في قناة الرأي الكويتية ) . فقد وجدت أن الأوربي يتصرف بمزاج لطيف ودم بارد فيما العربي ( وبخاصة العراقي ) يتصرف بمزاج حاد ودم حار . وكثيرا” ما يحصل ضرب بالأيدي وركل بالأرجل و ( ملاطش بالعكل ــ جمع عقال ) و ( فشاير غط وجهك عنها ) يضطر المخرج إلى ( لطشها ) بموسيقى .

فلماذا هذا الاختلاف في المزاجين ؟ ولماذا دمهم بارد ودمنا حار ؟. هل الأمر يتعلق بـ ( الجينات ) ، بمعنى أننا ورثنا ( العصبية ) من عنتر بن شداد أو أبو زيد الهلالي مثلا” ؟! . أم هل لأن المناخ عندهم بارد ( والواحد منهم ثلج ) والمناخ عندنا جهنم ( والواحد منّا بارود ) ؟!
قد يقول بعضكم : احتمال، ليش لا . لكنني أرى أننا نحن العرب ، من يوم نكون في ( اللفّه ) إلى يوم نكون في ( الكفن ) مشبعون بالإحباط ومثقلون بالهموم … وأرى أن هنالك ثلاثة متهمين في صياغة مزاجنا ( العكر ) هذا : الأسرة ، والمدرسة ، والسلطة . تأمل حين ينفعل ( الزوج أو الزوجة ) فأن المشهد يكون أن أحدهما يرمي بالحطب والأخر يصب النفط عليه . ويتصاعد “الحريق” ليتحول ما بينهما من حّب وودّ إلى رماد . لم نتعلم أن الغضب عاصفة ، وان الأسلوب الصحيح في التعامل مع ( الغاضب ) هو أن ( نصمت ) إلى أن تمر العاصفة ، وعندها سيدرك ( الغضبان ) أنه كان على خطأ . ويطلب الاعتذار ، إن كان الطرف الآخر يجيد فن الحوار .

و( الأمرّ) من ذلك ، أن عراك الأزواج يكون أمام أطفالهم فنبدأ من الطفولة ( بخبط ) مزاجهم الممزوج في تنشئتنا لهم بأساليب الخجل والتهكم و الازدراء وخلق الإحساس بالنقص . ومعروف عن الذي يشعر بالنقص أنه يتصرف بحماقة حين يكون موضوعا” للمزاح أو النكتة ، حتى لو كان الموضوع ظريفا” ، والتصرف فيه بأريحية تثير إعجاب الآخرين به .

أما المدرسة العربية ، فأنها ما تزال تلقّن الطالب المعلومة دون التعليق عليها . وتعلّمه الطاعة العمياء والمحافظة على تقاليد المجتمع ، وعدم السماح للمعلم أو الطالب في قول نكتة لطيفة أثناء الدرس ، وتضرب بالعصا من يستدعيه الموقف إلى التعليق عليه بنكتة لطيفة .
وفيما يخص السلطة فأنها كانت لألف وأربعمائة سنة ، تشيع سيكولوجية الخوف من الحاضر وتوقع الشّر من المستقبل ، والتعامل مع الخصوم بطريقة الحجاج الذي يرى في الناس ليس نفوسا بحاجة إلى الترويح والترفيه إنما رؤوسا” أينعت وحان قطفها” .

وهكذا أنتجنا أجيالا” مشبعة بالإحباط والهموم والخوف والتشاؤم …. فأي مزاج بهذا الحال المتعب نفسيا” ، له مزاج لأن يكون موضوعا” للنكتة أو المزاح ؟ . ألا ترون أننا نخاف حتى من الضحك وإن ضحكنا دعونا ربنا : ” اللهّم اجعله خيرا ” !.

تصميم وتطوير شركة  فن المسلم