الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه . أمابعد:
إن الله سبحانه اختص هذه الأمة بليلة مباركة لم تنلها الأمم السابقة هي أفضل من ألف شهر فالعبادة في هذه الليلة يضاعفها الله سبحانه وتعالى والأحاديث في ليلة القدر كثيرة وعديدة
أما الزكاة فهي منة ثانية على هذه الأمة فهي مطهرة للنفس والمال ونماء له وطهرة للصائم من اللغو والرفث وتكافل إجتماعي ومواساة للفقير المحتاج والمسلم الحق المزكي كما بعض السلف يشعر في قرارة نفسه أنه أحوج إلى أجر الصدقة من الفقير إلى صدقته لذلك هو سخي في العطاء غير مان ولامتفضل على الفقير المسكين ونحن بين أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي تبين لنا ذلك:
ليلة القدر في القرآن والسنة:
قال تعالى : إنا أنزلناه في ليلة القدر * وماأدراك مالية القدر * ليلة القدر خير من ألف شهر* تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر * سلام هي حتى مطلع الفجر ( القدر 1-5)
وقال تعالى: إنا أنزلناه في ليلة مباركة إنا كنا منذرين * فيها يفرق كل أمر حكيم * أمراً من عندنا إنا كنا مرسلين * رحمة من ربك إنه هو السميع العليم ( الدخان 3- 6)
وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ماتقدم من ذنبه ) رواه البخاري ومسلم
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : دخل رمضان فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن هذا الشهر قد حضركم وفيه ليلة خير من ألف شهر من حرمها فقد حرم الخير كله ولايحرم خيرها إلا محروم ( حسن رواه ابن ماجه)
وعن مالك أنه سمع من يثق به من أهل العلم يقول : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أري أعمار الناس قبله أو ماشاء الله من ذلك فكأنه تقاصر أعمار أمته ألا يبلغوا من العمل مثل الذي بلغ غيرهم في طول العمر فأعطاه الله ليلة القدر خير من ألف شهر . رواه مالك في الموطأ، وقال ابن عبد البر: هذا أحد الأحاديث الأربعة التي لاتوجد في غير الموطأ لامسنداً ولامرسلاً .. وليس منها حديث منكر ولامايدفعه أصل .
وعن مالك أنه بلغه أن سعيد بن المسيب كان يقول : من شهد العشاء من ليلة القدر فقد أخذ بحظه منها . رواه مالك في الموطأ ، وقال ابن عبد البر : قول ابن المسيب لايكون رأياً ، ولايؤخذ إلا توقيفاً ، ومراسيله أصح المراسيل
تحري ليلة القدر والإجتهاد فيها:
عن عائشة رضي الله عنها قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجاور في العشر الأواخر من رمضان ويقول: تحروا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان ( متفق عليه)
وعنها رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : تحروا ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر من رمضان ( متفق عليه)
وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن رجالاً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أُرُوا ليلة القدر في المنام في السبع الأواخر ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (( أرى رؤياكم قد توطأت في السبع الأواخر ، فمن كان متحريها فليتحرها في السبع الأواخر )) متفق عليه
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشر شد مئزره ، وأحيا ليله ، وأيقظ أهله . متفق عليه
وعنها رضي الله قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجتهد في رمضان مالا يجتهد في غيره ، وفي العشر الأواخر منه مالا يجتهد في غيره . رواه مسلم
وعنها رضي الله عنها قالت : قلت يارسول الله : أرأيت إن علمت أي ليلة ليلة القدر ما أقول فيها ؟ قال : قولي : اللهم إنك عفو كريم تحب العفو فاعف عني )) رواه الترمذي وقال : حديث حسن صحيح
علامات ليلة القدر :
عن زِرٍّ قال سمعت أبي بن كعب يقول : وقيل له إن عبد الله بن مسعود يقول : من قام السنة أصاب ليلة القدر _ فقال أبي : والله الذي لاإله إلا هو إنها لفي رمضان _ يحلف مايستثنى _ ووالله إني لأعلم أي ليلة هي ، هي الليلة التي أمرنا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم بقيامها هي لية صبيحة سبع وعشرين ، وأمارتها أن تطلع الشمس في صبيحة يومها بيضاء لاشعاع لها . رواه مسلم
وعن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم في ليلة القدر: ليلةٌ طلقةٌ ، لاحارة ولاباردة ، تصبح الشمس يومها حمراء ضعيفة . رواه ابن خزيمة
وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :إني كنت أريت ليلة القدر ، ثن نُسِّيتُها ، وهي في العشر الأواخر من ليلتها ، وهي ليلة طلقة بلجةٌ ، لاحارة ولاباردة . وزاد الزيادي ( كأن فيها قمراً يفضح كواكبها ) وقالا : لايخرج شيطانها حتى يضيء فجرُها . رواه ابن خزيمة
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ليلة القدر ليلة السابعة أو السابعة وعشرين ، وإن الملائكة تلك الليلة أكثر في الأرض من عدد الحصى )) رواه ابن خزيمة
فهنيئاً لمن قضى تلك الليلة بالقيام والقرآن والذكر والإستغفار والدعاء من غروب الشمس إلى طلوع الفجر ، وصلاة التراويح إحياء لها
زكاة الفطر حكمها وحكمتها :
زكاة الفطر انعقد الإجماع على أنها فرض
فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال : فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر صاعاً من تمر ، أو صاعاً من شعير على العبد والحر ، والذكر والأنثى ، والصغير والكبير من المسلمين ، وأمر بها أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة . رواه البخاري
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث وطعمة للمساكين من أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات . حسن ، رواه أبوداود وابن ماجه والحاكم
وعن وكيع بن الجراح رحمه الله قال : زكاة الفطر لشهر رمضان كسجدتي السهو للصلاة ، تجبر نقصان الصوم كما يجبر السجود نقصان الصلاة .
على من تجب زكاة الفطر :
تجب زكاة الفطر على كل مسلم مستطيع أدرك جزءاً من رمضان وجزءاً من شوال وعنده قوته وقوت من تلزمه نفقته ،
فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال : فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطرصاعاً من تمر ، أوصاعاً من شعير على العبد والحر ، والذكر والأنثى ، والصغير والكبير من المسلمين ، وأمر بها أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة . رواه البخاري
والمعسر لافطرة عليه بلاخلاف ، فمن فضل عن قوته وقوت من تلزمه نفقته لليلة العيد ويومه صاع فهو موسر ، وغن لم يفضل شيء فهو معسر ، ولايلزمه شيء في الحال إذلا يشترط للوجوب أن يملك نصاب الزكاة ، وهذا عند الجمهور خلافاً للسادة الحنفية فلاتجب زكاة الفطر عندهم على من لم يملك النصاب ، ولاتجب عن الحمل الذي في بطن أمه لكن يندب لفعل سيدنا عثمان بن عفان رضي الله عنه وهو ماذهب إليه السادة الحنفية
والخادم أو الخادمة إن كان لهما أجرة مقدرة كل يوم أو كل شهر لايجب على صاحب العمل أن يخرج عنهم الزكاة لإنهما أجيران والأجير لاينفق عليه ، فإن أراد صاحب العمل أن يخرج عنهما زكاة الفطر فلابد من إعلامهما وإخبارهما لإن الزكاة عبادة ، وهذا من باب الإحسان للأجير وهو عمل حسن ويثاب عليه فاعله
مقدار زكاة الفطر :
مقدارها صاع من غالب قوت البلد بصاع النبي صلى الله عليه وسلم ، والصاع أربعة أمداد ، والمد ملء كف الآدمي المعتدل الخلقة ، فمنهم من قدرها 2.5 ك . غ ومنهم من قدرها 3 ك.غ
فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال : فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر صاعاً من تمر أو صاعاً من شعير على العبد والحر والذكر والأنثى والصغير والكبير من المسلمين وأمر بها أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة . رواه البخاري
هل يجوز دفع النقد بدلاً عن الطعام؟
الشافعية: لايجيزون إلا الطعام وهو غالب قوت البلد
المالكية : كالشافعية لايجيزون إلا الطعام
الحنابلة : قال ابن قدامة في المغني : ومن قدر على التمر أو الزبيب أو البر أو الشعير أو الأقط فأخرج غيره لم يجزه قال : ولنا أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم فرض صدقة الفطر أجناساً معدودة فلم يجز العدول عنها كما لوأخرج القيمة وذلك لإن ذكر الأجناس بعد ذكر الفرض تفسير للمفروض . ا. هـــ
غير أن ابن تيمية رحمه الله تعالى أجاز دفع قيمة الطعام نقداً بشرط أن يكون ذلك لمصلحة الفقراء وهذا في فتاويه الكبرى.
الحنفية : أجازوا دفع النقد مطلقاً .
وقت ومكان إخراج زكاة الفطر
تؤدى قبل صلاة العيد وأجاز السادة المالكية والسادة الحنابلة أن تقدم على العيد بيومين أو ثلاثة أيام
وأجاز السادة الشافعية أن تؤدى من أول رمضان والأولى قبل العيد
كما أجاز السادة الحنفية أن تقدم حتى على رمضان ، فمن لم يدفعها إلى أن انتهى يوم العيد بقيت في ذمته وأثم ووجب عليه أن يخرجها وتقع قضاء مع الإثم.
وأما مكان إخراج زكاة الفطر فقد جاء في المدونة: ماقولك فيمن هو من أهل افريقية وهو بمصر يوم الفطر أين يؤدي زكاة الفطر ؟ قال مالك: حيث هو ، وإن أدى عنه أهله بإفريقية أجزأه.
وقال ابن قدامة رحمه الله : فأما زكاة الفطر فإنه يفرقها في البلد الذي وجبت عليه فيه ، سواء كان ماله فيه أولم يكن .
والأظهر عند الشافعية منع نقل الزكاة ، والثاني الجواز لإطلاق الآية ، ونقل عن أكثر العلماء ، قال الروياني في البحر : يجوز النقل قطعاً ، والذي ينبغي أنه يجوز النقل إلى القرابة إن كان في تلك الناحية جزماً ، بشرط ألايكون بلد الحال ممن اشتدت حاجته ، فإن تساوى القريب وفقير البلد شرك بينهم والله أعلم .
وقال السادة الحنفية: يجوز إذا كان البلد المرسل إليه أشد حاجة وخاصة إذا كان هناك قرابة قريبة محتاجة .
ويشترط أن تصل إلى الفقير قبل صلاة العيد
مصارف زكاة الفطر:
تصرف زكاة الفطرعلى الأصناف الثمانية التي تصرف إليها زكاة المال وهذا هو قول الجمهور ، وذهب المالكية وهي رواية عن أحمد إلى تخصيص صرفها للفقراء والمساكين ، وقال الشافعي : وتقسم زكاة الفطر على من تقسم عليه زكاة المال لايجزئ فيها غير ذلك.
وقال الإمام مالك : لابأس أن يعطى الرجل صدقة الفطر عنه وعن عياله مسكيناً واحداً. ونص الإمام أحمد رحمه الله على أنه يجوز صرف صاع إلى جماعة وآصع إلى واحد
وخمسة لايجوز دفعها إليهم وهم:
أخيراً:
نسأل الله تعالى أن يتقبل منا الصلاة والصيام والقيام وصالح الأعمال وأن يصلح فاسدها إنه نعم المولى ونعم النصير
______________________
بقلم الشيخ الدكتور عثمان العمر