علَّمونا منذ الصغر ألّا نكون أنانيين أو نرجسيين، وأن نحب لغيرنا ما نحب لأنفسنا، لكن هل علمونا كيف نحب أنفسنا؟ حُب الذات شيء مهم، لأن أخطاراً كثيرة تترتب على غيابه، فهل تعرفين لماذا ينبغي أن تحبّي ذاتك؟
أحبِّي نفسكِ:
أن تحبي ذاتك، هو أمر لا يأتي من فراغ، بل هو مرتبط ارتباطاً وثيقاً بالآخَر وصُورتنا في أعين الآخر، والتي على أساسها يتحدد سلوكنا. في البداية، تبدو فكرة أن يحب المرء نفسه فكرة سخيفة، وقد يقول متهكِّما: “أحب نفسي؟ ألا يوجد في الوجود شيء أهم منّ؟”. أو يقول: “ليس هناك أنانية أكبر من أن يحب الإنسان نفسه”. هذا الاستخفاف بالفكرة نابع من عوامل ثقافية وتقليدية، حيث يَنصَبّ اهتمام المجتمع والأسرة على تشجيع الفرد، على أن يحب الآخرين ويحب مَن حوله، وألّا يكون أنانياً ولا نرجسياً. لكن علم النفس الحديث جاء اليوم برأي مُخالف يقول: إنّ تَوافر قدر ولو قليل من حُب الذات، هو أمر لا غنى عنه من أجل الشعور بمتعة الحياة وبالسعادة.
ويكفي أن نتخيل كيف هي أيام شخص يستيقظ كلّ صباح، فينظر إلى نفسه على أنّه غبي وبشع المظهر، ويعتقد أنّه أقل شأناً من الناس. بالتالي، إنّه لا يستحق أن يُحبّه أحد، سنجد أنّه من البساطة بمكان، أن نستنتج كم هو تعيس وشقي في حياته العاطفية والمهنية.
ويؤكد عالمَا النفس الأميركيان روبرت أورنستن، ودافيد سوبيل، اللذان وضعَا عصارة أبحاثهما في مجال “صورة الذات” في كتاب اختارَا له عنوان “ثمار اللذة” (منشورات “لافونت”، عام 1992)، بأنّ “السعادة هي الامتياز الذي يتمتع به أولئك الذين يعرفون كيف يتمسكون بالأوهام الإيجابية، والقادرين على تقدير أنفسهم، واعتبار أنهم أذكى وأنجح من الآخرين”. مثلاً، تخيلي موظفاً ما يعتقد أن رئيسه في العمل يقدره ويحبه أكثر مما يقدر زملاءه، على الرغم من أنّ الحقيقة هي أن رئيسه لا يعتبره أكثر من مجرد موظف متوسط من الموظفين عنده. وتخيلي أن أحداً ما قال رأيه، فيك: “أنتِ بخيلة، لكنك جميلة، وأنتِ مسيطرة لكنكِ ناجحة، وأنتِ أيضاً عدوانية شيئاً ما”. إذا كنتِ إنسانة متوازنة فإنك ستنسين كل النّعوت التي قالها، وستتذكرين فقط “جميلة، ناجحة وعدوانية نوعاً ما”.
يقول العالمان الأميركيان في كتابهما: “إنّ المبالغة في تقدير الذات والنسيان الفوري لكل النعوت المزعجة هي عمل رحيم. نظرتنا إلى أنفسنا ليست سوى شيء يصنعه عقلنا. لهذا، من حقنا أن نجعل الأمر ممتعاً ومفرحاً كما يحلو لنا. طبعاً، مع تَفادي الفرَق في جنون العَظَمة، لأنّ الأشخاص الواقعيِّين لابدّ أن يشعروا في بعض الأحيان بالاكتئاب”.
عندما يغيب حب الذات:
يستحيل أن يكون الفرد منّا محايداً وغير متأثر إزاء ذاته. وافتقاد حُب الذات لا يمكن إلا أن يؤثر سلباً في حياة الفرد، ويؤدي إلى سلوكيات عنيفة تجاه الذات قد تكون ظاهرة وقد تكون مقنعة.
أوّلاً، نلحَظ لدى الشخص الذي لا يحب ذاته، عدم احترامه ذاته. فعلى المستوى البدني يبدأ في إهمال نفسه ولا يهتم بمظهره، وعلى المستوى العاطفي، عندما يقوم شريك الحياة بتوبيخه أو إهانته أو توجيه اللوم إليه، يسمع صوتاً من داخله يقول له: “أنا لا أستحق معاملة أفضل من هذه”. وإذا كان مريضاً فهو يقول لنفسه: “ليس لديَّ الحق في أن آخذ إجازة، ولا أن أذهب إلى البيت وأهتم بنفسي”، يتخيّل الشخص، الذي لا يحب نفسه، أنّه لا حق له في السعادة، ويُجهد نفسه في بناء حياته، لكن أن يهتم بأن يكون سعيداً فيها، إذن فهو يدخل في حالة دائمة من الكآبة.
ثانياً، في الحالات التي يُفترض أنها الأكثر إثارة للقلق، مثل، عند قيادة السيارة يدفع عدم حب الشخص ذاته إلى ارتكاب أفعال قد تضرّه أو تودي بحياته. ويصل الأمر في الحالات القصوى، إلى أن مجرد انفصال عن حبيب أو حبيبة، أو فشل في العمل، يمكن أن يدفع بهذا الشخص إلى محاولة الانتحار، فلأنّه لا يحب نفسه فهو يعتقد أنه لا يستحق أن يعيش الحياة.
الحب، الثقة، التقدير:
هذه الكلمات الثلاثة، من الصعب التمييز بينها، لأنّها تكاد تكون مترادفات لمعنى واحد. ومع ذلك فإنّ لها معاني مختلفة عن بعضها بعضاً، وحب النفس والثقة بالنفس هما عاملان رئيسيان لابدّ منهما حتى يوجد تقدير النفس.
يمكننا حب الذات من تَقبُّل أخطائنا وعيوبنا برحابَة صدر، وحتى لو لم نكن راضين عن أنفسنا، فإننا نسمح بأن نعطي أنفسنا بعضاً من الأهمية، وذلك على الرغم من معرفتنا بعيوبنا.
الثقة بالنفس تعطينا الوهم بأننا سوف نصل ونبلغ أهدافنا لا محالة. حينما تواجهنا عقبة غير عادية، وذلك على الرغم من كوننا قد نصل وقد لا نصل.
تقدير النفس هو جزء من مجال “الكينونة”، فعندما تكون نظرتنا إلى أنفسنا خالية من الحب، فإن عدم تقدير النفس يحتل المكان. بالتالي، يحدث تلقائياً أن نشك في أنفسنا وقدراتنا، وفي حقّنا في أن نكون سُعداء.