من سيكونُ عونُكَ وذِراعُكَ في أَحلكِ الظُّروفِ وأصعبِ المُهماتِ، إن لم يكنْ أخوكَ؟.
عظُمتِ المُهمةُ على موسى عليه الصلاة والسلام وعلمَ أنَّه ليسَ لها بعدَ اللهِ إلا أخاهُ، فسألَ اللهَ تعالى أن يكون أخاه وزيراً وشريكاً، فأجابَ اللهُ دُعاهُ: (وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي * هَارُونَ أَخِي * اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي * وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي * كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا * وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا * إِنَّكَ كُنْتَ بِنَا بَصِيرًا * قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَى). أخوكَ هو الذي يفرحُ لفرحِكَ, ويحزنُ لُحزنِكَ, يَزينُهُ ما يزينُكَ، ويعيبُه ما يعيبُكَ, ينشرُ حسناتِكَ ويَطوي سيئاتِكَ, وهو الذي يتحمَّلُ أخطاءَك وهفواتِكَ.
أَخُوكَ الَّذِي يَحْمِيكَ فِي الغَيْبِ جَاهِدًا وَيَسْتُرُ مَاتَأْتِي مِنَ السُّوءِ وَالقُبْحِ
وَيَنْشُرُ مَا يُرْضِيكَ فِي النَّاسِ مُعْلِنًا وَيُغْضِي وَلا يَأْلُو مِنَ البِرِّ وَالنُّصْحِ
لا يضيقُ ولا يغتمُّ من عندَه أخٌ كريمٌ, ولا يحزنُ ولا يبتئسُ من عندَه أخٌ رحيمٌ, (وَلَمَّا دَخَلُوا عَلَىٰ يُوسُفَ آوَىٰ إِلَيْهِ أَخَاهُ قَالَ إِنِّي أَنَا أَخُوكَ فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ), فانتهى البؤسُ بمجردِ لقائه بأخيهِ .
الأخُ الذي إذا مدَدتَ يدكَ بخيرٍ مدَّها , وإن رأى منك حَسنةً عدَّها , وإن رأى منكَ سيئةً سدَّها .
إنَّ أخاكَ الحقَّ مَن كَانَ مَعَكَ *** وَمَنْ يَضُرُّ نفسَهُ لِيَنفعَكْ
وَمَنْ إذا رَيْبُ الزَّمانِ صَدَعَكَ *** شَتَّتَ فيكَ شَملَهُ لِيَجمعَكْ
ما أجملَ الأخوَّةَ في أسمى معانيها, وما أروع تلاحمها في أيامها ولياليها, يحدث الخلاف لكن تبقى المودة والتسامح والعفو وترك الإجحاف .
سامِحْ أخاكَ إذا خَلَطْ *** مِنْهُ الإصابةَ والغَلَطْ
وتَجَافَ عن تعنيفهِ *** إن زاغَ يوماً أو قَسَطْ
واعلمْ بأنَّك إِنْ طَلَبْتَ *** مُهَذَّبَاً رُمْتَ الشَّطَطْ
مَنْ ذا الذي ما سَاء قَطْ *** ومَنْ لَه الحُسنى فَقَطْ
ومن الملاحظ في زماننا هذا, أن العلاقة بين الأشقاء صارت فاترة خاملة، تنتظر في بعض البيوت إعلان القطيعة، وحلول الجفوة، وانقطاع التواصل. وصار الأخ يجد راحته مع صديق له بعيداً عن نطاق أسرته، مع أنه في بيته ومع إخوته قليل الكلام، بطيء التواصل, والأغرب من ذلك هو الفرار من الأشقاء, والاحتماء بالأصدقاء.. والسؤال: لماذا لا يكون الأشقاء أصدقاء؟ الأصل في هذا: أن يحتوي الآباء مشكلات أبنائهم، ويعمِّقوا آصرة الأخوة بينهم، ويوجهونهم إلى التحابِّ والتعاون، ويغرسوا في نفوسهم أهمية إيثار الأخ والفرح له والسرور بنجاحه، والصبر على عِوَج أخلاقه، وأن الشقيق لشقيقه صنوان لا يفترقان.
إن تنمية الجانب الإيماني وغرس القيم الإيمانية التي تمس شغاف القلوب, له المفعول الكبير على قوة العلاقة بين الإخوان في الأسرة؛ فإذا أحسن الآباء والأمهات توجيه الأشقاء, لأحاديث الحب والإخاء, جنوا من ذلك ثماراً طيبة، تؤدي إلى قوة العلاقة، وشدة الترابط، وحرص الشقيق على شقيقه، فلا تزيد الأيام العلاقة بينهما إلا قوة، ولا يمكن أن تنفصم الرابطة الأسرية بينهما لأسباب تافهة؛ كأن تفرِّق بينهما دنيا زائلة، أو وشاية مغرضة، أو خبر كاذب أو إنسان دخيل…
وأخيراً: فليستمع الأخوان المتخاصمان هذا الوعيد قبل أن ينزل بهما ملك الموت , علهما أن ينزجرا عن طاعة الشيطان, وأن ينيبا إلى عبادة الرحمن, ففي الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “إن الله خلق الخلق حتى إذا فرغ من خلقه, قالت الرحم هذا مقام العائذ بك من القطيعة، قال: نعم، أما ترضين أن أصل من وصلك وأقطع من قطعك؟ قالت: بلى يا رب. قال: فهو لك”. فكيف تقر لإنسان عين قد قطعه الله؟ وهو لا يزال مصرا على قطيعة إخوانه, فأنى له السعادة أو التوفيق, وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تباغضوا ولا تحاسدوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخوانا ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث)). رواه مسلم.
وكلما طال الهجر فالإثم أشد ، فعن أبي خراش السلمي رضي الله عنه، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من هجر أخاه سنة، فهو كسفك دمه. رواه البخاري في الأدب المفرد وصححه الألباني.
وإذا كان التدابر والهجران بين الإخوة من النسب, كان ذلك أشد إثماً وجرماً، فإن بينهم رحماً قد أمر الله بصلتها ونهى عن قطعها ، فعن جبير بن مطعم أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ : لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ قَاطِعٌ. متفق عليه. وقد جاء التصريح بعدم قبول العمل في حديث أخرجه الإمام أحمد في المسند، بسند حسن, ولفظه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “إن أعمال بني آدم تعرض كل خميس ليلة جمعة, فلا يقبل عمل قاطع رحم”.
فيجب على المسلمين كافة أن يحذروا من القطيعة والتدابر، وأن يتواصلوا فيما بينهم ابتغاء مرضاة الله، وليعلموا أنّ هذه القطيعة تفوّت عليهم خيراً كثيراً.: “تُعْرَضُ الأَعْمَالُ فِى كُلِّ يَوْمِ خَمِيسٍ وَاثْنَيْنِ فَيَغْفِرُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِى ذَلِكَ الْيَوْمِ لِكُلِّ امْرِئٍ لاَ يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا إِلاَّ امْرَأً كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ شَحْنَاءُ فَيُقَالُ اتركُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا اتركُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا. رواه مسلم.
وليعلموا أن في العفو والتسامح خيراً لهم لو كانوا يعلمون”وما زاد الله عبداً بعفو إلا عزا. والعفو سبيل لنيل عفو الله ومغفرته ،(وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ).
وليت الأقارب والأصدقاء الصادقين يسعون في الخير والإصلاح بين الأخوين المتقاطعين, بدلاً من هذا التفرج السلبي المقيت, فهو من باب تغيير المنكر وإصلاح ذات البين، فذاك من أفضل الأعمال عند الله، فعَنْ أَبِى الدَّرْدَاءِ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِأَفْضَلَ مِنْ دَرَجَةِ الصِّيَامِ وَالصَّلاَةِ وَالصَّدَقَةِ؟ قَالُوا: بَلَى. قَالَ: إِصْلاَحُ ذَاتِ الْبَيْنِ وَفَسَادُ ذَاتِ الْبَيْنِ الْحَالِقَةُ. رواه أبو داود.
اللهم اغفرْ لنا ولإخوانِنا, وأصلح ذات بيننا, واهدنا سبل السلام, وأخرجنا من الظلمات إلى النور يا رب العالمين.