الأربعاء 27 نوفمبر 2024 / 25-جمادى الأولى-1446

لا.. للتدخل بين زوجين !



لا.. للتدخل بين زوجين !
http://t0.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcQBmyXoUORnfslIOZQ6NYoqplMfoN4WONs3DGJmBOYxKAHt2ZbCsA أ. مها العبدالرحمن .

واقع الحال يختصر كثيراً من التفكير والتخمين، وهو الكلمة الفاصلة بين تعدد الآراء والاستنتاجات والتقييم.

و«بين زوجين» في الغالب المساعي ضائعة، والتدخل تطفل وجهل، وخير شاهد أن الشرع والدين جعلا الاستعانة (بحكم من أهله وحكم من أهلها) هو آخر المطاف، وإجراء في النهاية قبل الهاوية والسقوط.

تحدثني صديقة وهي فاغرة فاها عن أخت لها تأتيهم مهانة مذلولة، ويتحدث الحزن على وجهها ولسانها ألف لغة ولغة، وتسب الحظ وتتحسر على تهور بقبول ذاك الزوج، وتحذر من فكرة الزواج برمتها، وتقول صديقتي : وذاتها هذه الزوجة المكلومة هي التي بمجرد ما يأتي للتفاهم معها، وتخرج لتلقاه وتناقشه في مجلس الضيوف بوجه متجهم، تخرج بغير ما دخلت به قانعة مستسلمة، وحين تُسأل عما حدث، وماذا قررت؟ ترد وهي مشتغلة بتحضير نفسها: ألبس العباءة وأشرح لكم لأنه مستعجل وبالكاد يعيدني للبيت ليمضي لعمله!

تلك صورة من آلاف الأحوال المشابهة لذلك الثاني المرح في العامل مع معطيات المواقف، والموضوعات ذات الاهتمام المشترك التي نظن أنها بصعوبة «لعبة سياسية» تهدد أمن وسلام الكيان الأسري، وتؤثر على بنيته التحتية، وأنها هز لسيادة دولة عائلية، وإذ بها ليست إلا «لعبة حريم» تلك التي كنا نلعبها ونحن صغار، فنشيد بيوت، ونستخدم أدوات مطبخ وعرائس، ونمارس طقوس الأسرة، وكلما أنهيناها نعيد ترميمها بسهولة متى ما أردنا استئناف اللعبة!

هذا الأسلوب ليس للاحتقار أو الاستهزاء والسخرية – والعياذ بالله – في ركني أعظم مؤسسة اجتماعية تفرز أفراداً لباقي مؤسسات المجتمع، وإنما القصد هو تطمين لمن كان مثلي يحزن لسماع شكواهما، ويسهر ليفكر في طرق جمع أجزاء أقوالهما بهدف الاصلاح.

هذان الاثنان هما الأقدر على تفسير الأحداث، ومعالجة الموقف، وتعيين الخلل، وسبر أغواره، والاتفاق على الاتفاق!

اما لان السبب الحقيقي قد يكون عتبا شخصيا، أو ضيقا من أشياء خاصة صعب الإفصاح عنها، أو شكوك زوجة وتلاعب زوج وتأثره بتدخلات خارجية عززت حركات مد وجزر داخل نفسه بعد الركود والصفاء ولا غير الشريكة المحبة من يقدر نهيه عن غيه وأسلوبه ذاك، أو لأن المرأة بطبعها تنسى المشكل بسرعة ما دامت قد ناقشت، ووضعت نقاطه على حروفه، بينما الرجل يظل يتخلص مما أثر فيه على دفعات، ولا يصفو مباشرة وهذا مما لا تستوعبه، فتعاتبه لأنها ترى أن العاصفة قد انقضت، وهو في رأيه أنه من الطبيعي ألا يزول ضبابها وغبارها كلياً بل تخبو شيئاً فشيئاً!

أيها الطيبون مثلي لا يغرنكم بكاؤها ونحيبها، ولا توسلاتها وطلبها للحلول، أي كما قرأت عن الإمام الشافعي أنه كان جالساً عند شريح إذ دخلت عليه امرأة تشتكي زوجها، وتبكي بكاء شديداً، فقلت: أصلحك الله ما أراها إلا مظلومة، فقال له شريح: وما أدراك؟ قال: لبكائها، فقال: لا تفعل فإن أخوة يوسف جاؤوا أباهم عشاء يبكون وهم له ظالمون.
وأيضاً ليس دائماً شموخه وتماسكه وحدة ردود أفعاله حقيقية ومخيفة فبرقتها قد يلين، وكم نادم بعد طلاق متهور.

.. يا وسطاء هدئوا من روعكم وتأكدوا أنه يصدق فيهم المثل العامي القائل: (يا داخل بين الوردة وريحتها ما ينالك إلا شوكتها).

.. نتمنى السعادة والهناء والاستقرار والتفاهم لكل زوجين، وألا يعكر صفو حياتهما شيء، كما نرجو أن يظل هذا الخلاف الطبيعي والوارد نشوبه بحكم الحياة والعشرة وتقلبات أوضاعها داخل أسوار بيت الزوجية، وان احتاج الموضوع لاستشارة تؤخذ من ذي ثقة بسرية تامة، وتحل بينهما، وإن غدا الوضع أكبر مما يجب فالحسم فيه من أصحاب الشأن أفضل من العراقيل الزائفة، والفراق والاجتماع السريع الذي يسقط هيبة العشرة بمودة ورحمة وسكن.

المصدر: صحيفة الرياض ، العدد 14994 .

تصميم وتطوير شركة  فن المسلم