يعتبر الغضب من أسوأ الأمراض النفسية التي تؤثر على سلوك الإنسان حيث يفقد الإنسان توازنه العقلي والنفسي.
وقد عرف علماء الأخلاق الغضب بأنّه: “حركة نفسية يهتاج لها الدم في القلب، فيثور وينتشر في العروق، ويرتفع إلى أعالي البدن، كما ترتفع النار إذا شبت، والماء في القدر إذا غلى، ويحكي الدماغ إذ ذاك كهفاً اضطرمت فيه النار، فأظلمت نواصيه، وتكاثف دخانه، وفيه مصباح ضئيل يضيئه فانطفأ فيحمر الوجه والعينان”.
وقالوا: “إنّه إذا اشتد يوجد حركة عنيفة، ويمتلئ الدماغ، وسائر الأعصاب بالدخان المظلم، فيستتر نور العقل، ويضعف فعله، ولا يؤثر في صاحبه الوعظ والنصيحة”.
وبعبارة أخرى الغضب هو تجرد من العقل، وانسياق مع الهوى.
وقد حذر الإسلام المسلم من الغضب، وحثّه على الحلم وكظم الغيظ وذلك لما للحلم من آثار حسنة على شخصية الإنسان، ولما للغضب من إفرازات ونتائج سيئة عليه، فقد جاء رجل إلى النبيّ (ص) وقال: علمني شيئاً ولا تكثر عليَّ لعلِّي أعيه، قال: “لا تغضب فردد ذلك مراراً كلّ ذلك يقول لا تغضب”.
وقال (ص): “ليس الشديد بالصرعة، إنّما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب” وقوله أيضاً: “الغضب يفسد الإيمان كما يفسد الصبر العسل”.
وقال ابن مسعود قال النبي (ص): “ما تعدون الصرعة فيكم؟” قلنا: الذي لا تصرعه الرجال، قال: “ليس ذلك ولكن الذي يملك نفسه عند الغضب” وقال رجل للنبيّ (ص): أي شيء أشد عليَّ قال: “غضب الله” قال: فما يبعدني عن غضب الله؟ قال: “لا تغضب”.
هذه الروايات وغيرها مما ورد في ذم الغضب لتدلّ بوضوح على ما للغضب من آثار وخيمة على الإنسان دينياً ودنيوياً، فلنتخلص من هذه الصفة الرذيلة لنحوز على رضا الله عزّ وجلّ، ومحبة الناس.
كن هادئاً:
الهدوء سمة من سمات النجاح، والهدوء تعبير عن شخصية قوية ومتماسكة، والهدوء عنوان لإنسان واعٍ ومتحضرٍ!
وبالعكس تماماً ذلك الإنسان الذي يثور لأتفه الأسباب، ويهيج لأسخف الأمور، إنّه يعبر عن إنسان ضعيف الشخصية، ضعيف العقل، ضعيف الإرادة.
يقول علماء النفس: “إنّ الإنسان الذي يغضب لأتفه الأسباب هو إنسان ركيك الشخصية” تماماً كالشجرة الضعيفة التي تؤثر عليها أبسط هبة من الريح، أما الإنسان القوي فكالشجرة القوية الممتدة الجذور في أعماق الأرض، حيث تزداد ثباتاً كلما عصفت الرياح بها!.
والإنسان الهادئ هو الذي يستطيع أن يفوز بقلوب الآخرين، وينال إعجابهم، يقول “لنكولن”: “ثمة مثل قديم يقول: إنّ نقطة من العسل تصيد من الذباب أكثر مما يصيد برميل من العلقم! وكذلك الحال مع البشر إذا أردت أن تكسب رجلاً إلى جانبك فأقنعه أوّلاً بأنك صديقه المخلص، فهذه نقطة من العسل تصيد قلبه، وتلك وحدها هي الطريق المؤدية إلى قلب الرجل”.
إنّ الهدوء بكلّ ما يعنيه من معنى لقادر على صنع العجائب، والتأثير حتى على النفوس الغليظة، يقول “دايل كارنيجي”: “إذا كنت مهتاج الخاطر، محنقاً مغيظاً، وصببت جام حنقك وغيظك على الشخص الآخر، فلا شك أنّك ستزيح عن كاهلك عبئاً كان يرهقك، ولكن ما بال الشخص الآخر؟! أيشاركك راحتك؟! أتجعله لهجتك الحادة، وموقفك العدائي منه أقرب إلى موافقتك، ومشاطرتك الرأي؟!”.
والحقيقة.. أنّ العنف يولّد العنف، وأنّ الغضب يولّد الغضب، أما الهدوء فإنّه يطفئ الغضب، كما يطفئ الماء النار!
كن هادئاً في تعاملك مع الآخرين، استخدم لباقتك مع المسيئين إليك، تكلم بعبارات رزينة وودية.. فهذا هو أقصر الطرق لكسب الآخرين، ونيل إعجابهم!
كن حليماً:
الحلم صفة حميدة، وفضيلة من فضائل الأخلاق، وقد ورد عن الرسول محمّد (ص) الكثير من الأحاديث الشريفة في فضل الحلم، منها قوله (ص): “إنّ الرجل المسلم ليدرك بالحلم درجة الصائم القائم” وقوله أيضاً: “خمس من سنن المرسلين: الحياء والحلم والحجامة والسواك والتعطّر” وقوله أيضاً: “ثلاث من لم تكن فيه واحدة منهنّ فلا تعتدوا بشيء من عمله: تقوى تحجزه عن معاصي الله عزّ وجلّ، وحلم يكف به السفيه، وخلق يعيش به في الناس” إلى غيرها من الأحاديث الدالة على فضيلة الحلم.
وفي تعاملك مع الناس، لابدّ وأن تتميز بالحلم، لأنّك ستتعامل مع بشر، يصيبون ويخطئون، ومن البديهي أنّك ستتعامل مع نفسيات مختلفة، وشخصيات متباينة، ومن المسلَّم به أنّك ستلتقي بأناس يخطئون معك، ويرتكبون بحقك حماقات، أو لنقل سيرتكبون تجاوزات تجاه شخصيتك!.
ولكن.. من المهم أن تواجه هؤلاء بابتسامة صادقة، وأعصاب هادئة، ونفسية قوية، وشخصية ثابتة.. وسترى كيف يتحول أعداؤك الألداء إلى أصدقاء حميمين!.
وهذا ما يأمرنا به الله عزّ وجلّ حيث يقول في كتابه المجيد: (وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ) (فصّلت/ 34)، والرسول الكريم في سيرته صور مشرقة تعبر عن حلمه الواسع والكبير تجاه من يخطئ معه، ومن هذه الصور.. “جاءه أعرابي يوماً يطلب منه شيئاً فأعطاه (ص) ثمّ قال له:
أحسنت إليك؟ قال الأعرابي: لا، ولا أجملت! قال: فغضب المسلمون وقاموا إليه فأشار إليهم أن كفوا ثمّ قام ودخل منزله وأرسل إلى الأعرابي وزاده شيئاً، ثمّ قال: أحسنت إليك؟ قال: نعم فجزاك الله من أهل وعشيرة خيراً، فقال النبيّ (ص): إنّك قلت ما قلت وفي نفس أصحابي شيء من ذلك، فإن أحببت فقل بين أيديهم ما قلت بين يدي حتى يذهب من صدورهم ما فيها عليك، قال: نعم، فلما كان الغد أو العشي جاء، فقال النبيّ (ص): إنّ هذا الأعرابي قال ما قال فزدناه فزعم أنّه رضي، أكذلك؟ فقال الأعرابي: نعم، فجزاك الله من أهل وعشيرة خيراً فقال (ص): إنّ مثلي ومثل هذا الأعرابي كمثل رجل كانت له ناقة شردت عليه فاتبعها الناس فلم يزيدوها إلّا نفوراً فناداهم صاحب الناقة خلوا بيني وبين ناقتي فإنّي أرفق بها وأعلم، فتوجه لها صاحب الناقة بين يديها فأخذ لها من قمام الأرض فردّها هوناً حتى جاءت واستناخت وشدّ عليها رحلها واستوى عليها وإنّي لو تركتكم حيث قال الرجل ما قال فقتلتموه دخل النار”.
هذه صورة واحدة من الصور المشرقة في سيرته الكريمة (ص) تكشف لنا عن مدى حلمه وسعة صدره، فلنتعلم من سيرته كيف نتعامل مع الآخرين، ولنتخذ منها منهجاً نسير عليه، فهو المثل الأعلى للأخلاق الفاضلة، والصفات النبيلة.
هل أدركت الآن، ما ينبغي أن تفعله تجاه أولئك الذين تودّ أن تتعامل معهم وأن تقيم معهم علاقات ناجحة؟!
كن هادئاً معهم.. حليماً.. ليناً.. رؤوفاً.. متسامحاً…!
وما أروع المقولة التي قالها أحد الحكماء الكبار: “لا تغضب… أربعين عاماً!!”. ►
المصدر: كتاب الشخصية الناجحة