د. صلاح فؤاد مكاوي .
يوجد في الحياة الكثير من المخاطر التي تستحق الاهتمام والتفكير.. خاصة إذا كان الأمر يتعلق بأطفالنا ، ويزداد الأمر تعقيدا إذا كانت هذه المخاطر تحمل في طياتها قضايا يتحتم فيها عند كثير من الناس الكتمان والصمت والتجاهل ؛ وهو ما ينطبق على قضية التحرش الجنسي بالأطفال .
فهذه الظاهرة تعد إحدى المعضلات النفسية التي يعاني منها الطفل وأسرته ؛ فهي تمس بعمق صحتهم النفسية..
وحينما نتحدث عن التحرش الجنسي بالأطفال ، فإننا نتحدث عن أحزان وآلام ونتائج سيئة لبدايات وسلوكيات خاطئة ؛ وبالطبع عن أسر تصدَّعت ، ومجتمعٍ تأثَّر وكاد ينتكس تحت وطأة هذا الأمر . وأطراف المتأثرين بالتحرش الجنسي بالأطفال عديدة : المتحرَّش به.. المتحرِّش.. أسرة المتحرَّش به.. أسرة المتحرِّش. وتزداد القضية تعقيداً حينما يكون أطراف المشكلة من الأقارب أو المحارم .
وأسباب التحرش كثيرة ، منها تجاوز العديد من الأسر للحدود الشرعية ، ومنها إهمال الوالدين والمربين ، ومنها سوء تربية المتحرِّشين . كما علينا ألا نغفل دور المجتمع في أن يكون سبباً فيما يصيب أطفالنا من تحرشات عبر ما يقدمه من مثيراتٍ ومرغِّبات ، وما يضع من عوائق في الزواج وصعوبات فيه ، وانتشار البطالة والعنوسة ، وعدم وجود قدوة لأطفالنا وشبابنا لطغيان الجانب المادي ، وانشغال بعض الكبار بالأمور المادية .
فمعاً لإنقاذ براءة أطفالنا من التحرش الجنسي ، وهذا لا يتأتى إلا من خلال رفع شعار الحذر والتحذير ، حذر الأسر وتحذير المتحرِّش ، لكن كيف ؟ فهل نضع أطفالنا في قمقم لنحميهم من التحرش الجنسي ؟ وهل العقوبات الموجهة ضد المتحرِّش جنسياً كافية من أجل ردعه ؟ حتى يكون عبرة لأمثاله من المقدمين على هذا الفعل المشين .
والتحرش الجنسي معناه ” أن يجبر الطفل على مشاهدة الأعضاء التناسلية لشخص آخر ، أو يجبر على رؤية مناظر أو صور فاضحة ، أو يجبر الطفل على خلع ملابسه وأن يجبره الجاني على لمس أعضائه ، أو ممارسة أشكال جنسية ، أو أن يكون الطفل قد تعرَّض لاعتداء كامل .
والحذر يبدأ بتوعية الأسرة بكيفية تربية وإرشاد الأبناء ، وذلك بأن تتسلح للقيام بهذا الدور المتعاظم الأهمية بكثير من الحكمة والاطلاع ، والتعرف على الخصائص المختلفة للمراحل النمائية المختلفة لأبنائها ، وأيضاً التوعية والتربية الجنسية لهؤلاء الأبناء ، هذه المساحة التي ظلت لسنين طوالٍ منطقة محظورة الاقتراب ؛ كانت سبباً رئيساً في وقوع حالات التحرش الجنسي بالأطفال ؛ إذ غالباً ما يستغل المتحرِّش جهل وبراءة الطفل أو الطفلة ، ليوقعه في براثنه تحت خدعة أنها لعبة من الألعاب كالتي يمارسها الأطفال مع بعضهم ، فينقاد الطفل في براءة لما يحدث ، وتكون الكارثة بعد ذلك .
وما يزال هناك العديد من المربين والآباء والأمهات يتساءلون : هل يجوز للمربي أن يحادث ابنه أو ابنته في المسائل الجنسية ؟ هل له أن يعرِّفه أو يعرِّفها بالفوارق ما بين الجنسين ؟ وإذا كان هذا جائزاً فما السن المناسب لذلك ؟ ، فلابد من تناول الأمر بهدوء وفي جو من المحبة والود والألفة ، فلن يسمع الصغير ويعير كلمات ونصائح المربين اهتماماً ما لم تكن الصداقة والمحبة هي جسر التواصل فيما بينهما ، كما أن الكلام والحديث في مثل هذه الأمور الحساسة (التربية الجنسية) تحتاج إلى اختيار البيئة والزمان والمكان الملائمين – وعدم التهرب من تساؤلاته ، بل يجب أن يكون المربي كنز المعرفة الأمين ، فإحساسه بالأمان والطمأنينة يلعب دوراً كبيراً في قدرته على البوح بما داخله . وقطع الطريق أمام الطفل أن يكتشف ويعرف ويدرك خارج نطاق الأسرة ، حتى لا تتلقفه أيادي غير أمينة قد توقعه في براثن الانحراف ، وحتى لا يتشبع بمعطيات جنسية تتساقط عليه من كل حدب وصوب ، فالمعلومات التي يتلقاها الأبناء على غزارتها الكمية ، مجتزأة ، مبعثرة ، ناقصة ، كما إنها تضفي على “الجنس” طابعًا دنيئًا ، بعيداً عن وظيفته الأساسية المتمثلة في إعمار الكون ، وإشباع الحاجات الجسدية بصورة سليمة وشرعية .
كما أن التربية الجنسية قام بها رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ حين علّم الأصحاب والصحابيات بلغة راقية وبأسلوب بسيط لا إفراط فيه ولا تفريط ؛ لأنه جزء من الحياة اعترف به الإسلام ووضع له الأطر الصحيحة للتعامل معه ، وكانت أموره تناقش علناً في مجلس الرسول الكريم ، {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ } القلم4 ، {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ }الحشر7 .
وعلى الآباء والمربين ألا تغفل عيونهم عن مراقبة أولادهم وملاحظتهم ، من غير حرمانهم من حرية الحركة والتعبير عن الذات ، لكنها عيـن الحارس والمتابع ، والملاحظ لكل ما يحدث معه أبنائه ، سواء من اختلاطهم بمن حولهم ، أو من تغيرات تظهر عليهم ، فإن بدا من ذلك شيء وجب علاجه قبل أن يكبر ويستفحل ويستشري ، وهذه هي المسئولية التي كلَّف الله تعالى بها كل أبٍ ومربٍّ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” لأن يؤدب الرجل ولده خير من أن يتصدق بصاع “.
والاعتداء الجنسي على الأطفال خطرٌ محدقٌ ، وإذا كان هذا الاعتداء من قريب أو جار أو زميل في المدرسة فإنه عادة ما يصاحبه تهديدٌ ووعيدٌ حتى لا يفشي الصغير السر ، كما أن الاعتداء غالبًا ما يكون متكرراً ، نظراً لسهولة تواجد هذا الشخص في محيط الطفل ، وبذلك قد يستمر الخطأ ربما لوقت طويل ، وتظهر آثاره على حالة الطفل النفسية ؛ من اضطرابات سلوكية ، وكوابيس، وضعف شهية ، وميل للعزلة ، وضعف وتراجع دراسي ، وأكثر من ذلك تتشوه شخصيته تشويهاً قد يلازمه طوال حياته ، ويصعب علاجه والتخلص تماماً من آثاره ، وقد يستمر الطفل في ممارسة الخطأ حتى يكبر ، بل قد يتعود عليه ، ويطلبه بنفسه ، فإذا تعرض الطفل للتحرش الجنسي فيجب طمأنته ، ومحاولة استدراجه لمعرفة ما حدث له بالضبط ، والتعامل مع المتحرِّش بحزم ، وإبلاغ الجهات المختصة للقصاص منه ، لإيقاف هذا السلوك المدمر الذي يدمر الأطفال نفسياً ومعنوياً.
أما التحذير فيتلخص في الأحكام التي تصدرها الجهات المختصة من عقاب شرعي للمتحرِّش ، وتغليظ العقوبة ، وأن تكون علانية ، ومحاسبة آبائهم للتقصير الواضح في تربيتهم ، وأيضاً عمل دراسات نفسية واجتماعية تطبق على هذه الفئة وصولاً إلى الأسباب التي أدت بهم للوقوع في براثن هذا الانحراف الجنسي ، وتبصير جميع الهيئات والمؤسسات المسؤولة عن تربية الأبناء ، وأيضاً إشراك وسائل الإعلام المختلفة في تنبيه وتوعية الآباء والأمهات والقائمين على عملية التربية بخطورة هذه الظاهرة سواء للمتحرِّش أو المتحرَّش به ، وكيفية الوقاية منها ، وأيضاً كيفية التعامل معها إن وقعت .
وفي النهاية أتمنى السلامة والسعادة لأبنائنا وأطفالنا ، كما أشكر موقع المستشار على اهتمامهم بمثل هذه الموضوعات ، هذا وصلى الله وسلم وبارك على الرحمة المهداة وعلى آله وصحبهِ ومن سار على هداه .