بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على خاتم النبيين وعلى آله وصحبه والتابعين وبعد.
إن الصلاح والإصلاح مطلب عزيز وكبير لذوي الهمة العالية، بل هو مطلب لكل عاقل حصيف، لماذا نقول ذلك؟ لأن الصلاح يتبعه كل خير وطمأنينة وسكينة وراحة للبال، وما ذلك إلا أن الصلاح هو الفطرة التي فطر الله تعالى الناس عليها فلا تسير أمورهم بشكل مستقيم إلا بموافقة تلك الفطرة الربانية، وهذا الصلاح في الذرية هو من تلك الفطرة التي توافقها جميع العقول السليمة والصحيحة، وحول تنشئة الولد الصالح سأقف معكم يا كرام في عدد من الوقفات لعلها أن توقظ من غفلة وتكون تذكرة من نسيان، قال الله تعالى: (وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين). وأنتم كذلك يا رعاكم الله.
الوقفة الأولى:
إن الأولاد هم من زينة الحياة الدنيا، وصلاحهم قرة عين لوالديهم ولمجتمعهم، حيث يظهر ذلك على أخلاقهم وسلوكهم، فما أجمل الحال والمآل، حيث عفَّت جوارحه عن الحرام، وأيضا كذلك سلمت قلوبهم وطهرت من الأدناس والأدران، فيا سعادة والديهم بهم حيث اطمأنت نفوس الوالدين بذلك الصلاح، وقد لا يدرك حقيقة ذلك إلا من لاقى المشقة في التربية، فإن حقيقة الصلاح والإصلاح مكمن الفلاح في الدنيا والآخرة بإذن الله تبارك وتعالى.
الوقفة الثانية:
إن حصول الوالدين الكريمين على صلاح أولادهم كما هو توفيق من الله عز وجل فكذلك هو أيضا دلالة وإرشاد متتابعان من الوالدين، وهذا يشعرنا بحجم الجهد الذي يجب أن يبذل تجاه الوالدين في أن يكون كبيرًا، وأن يكون أيضا من الأولويات في أعمال الوالدين.
لكننا نرى في واقعنا حماساً كبيراً ورغبة عارمة في قلوب الوالدين في صلاح أولادهم، ولكننا عندما ننزل إلى الخطوات العملية وأرض الواقع نرى نسبة من التأخر في ذلك الحماس وتلك الرغبة، فلابد أن تتوافق تلك الخطوات مع ما في القلوب من الرغبة حتى يتولد الصلاح بإذن الله تعالى، فبذل الجهد في صلاحهم هو أولى من بذل الجهد في شؤون أخرى من جلسات مفتوحة أو لقاءات اجتماعية أو إدارات مالية ونحو ذلك، فلابد من إعطاء كل ذي حق حقه.
الوقفة الثالثة:
إن مما يدفع الآباء والأمهات للاهتمام بهذه التنشئة الصالحة استشعارهم الفرق الواضح بين الصلاح وعدمه، فما هي مكاسبنا إذا صلحوا وما هي أيضا خسارتنا إذا فسدوا لا قدر الله، إن المتأمل لهذه المقارنة بين المصالح والمفاسد يندفع وبقوة إلى مضاعفة الجهود وترتيبها وتسييرها ضمن الخطة المرسومة لهذا المشروع الإصلاحي في الذرية، وأيضا يستسهل دفع الثمن تجاهه، فهي نفقة وجهود مخلوفة بخير إن شاء الله تعالى، فإن صلحوا فذاك المبتغى والمراد، وإن كانت الأخرى لا قدر الله فقد أُعذرنا أمام الله عز وجل.
الوقفة الرابعة:
أقترح عليك أخي الأب وعليك أختي الأم وفقكما الله تعالى وبارك فيكما أقترح عليكما تلك الخطوات التالية لاستصلاح الأولاد وهي على النحو التالي:
الخطوة الأولى/ استدم الدعاء لهم ولا تغفل خصوصاً أوقات الإجابة كآخر الليل، وبين الأذان والإقامة وعصر الجمعة وحال السجود ونحوها، فلعلك تستيقظ تلك الساعة العظيمة من آخر الليل ولو قليلاً تستجلب تلك الهداية والصلاح من الرب الكريم الذي ينزل إلى السماء الدنيا ويناديك فما أعظمها من ساعة.
الخطوة الثانية/ محاولة القرب من الأولاد والتودد إليهم والكلام الطيب والمكث معهم ليرغبوا بما عندكم ويتأثروا إيجاباً بأخلاقكم الحسنة.
الخطوة الثالثة/ في تنشئة الولد الصالح إمدادهم بجرعات تربوية وإيمانية ولو كانت يسيرة ليعتادوها ويطبقوها.
الخطوة الرابعة/ محاولة معرفة أصدقائهم والجلوس والحديث معهم أحياناً مع بيان صفات الصديق المناسب للأولاد ليتخذوه له صديقاً وجليساً.
الخطوة الخامسة/ من خطوات تنشئة الولد الصالح تكليفه بالمسؤوليات ليعتاد العمل ويترك البطالة ويتعرف على المداخل والمخارج في الحياة تمهيداً لمستقبله الاجتماعي.
الخطوة السادسة/ استشر من تراه مناسباً للاستشارة من التربويين وغيرهم فقد يفتح عليك آفاقاً غائبة عنك، وقد يذكر أيضا لك تجاربًا واقعية ناجحة.
الخطوة السابعة/ من خطوات تنشئة الولد الصالح لا تجعله مترفاً من خلال إغداق المال عليه، ولا تكن أيضًا كذلك مقصراً، بل كن كما وصف الله تبارك وتعالى بقوله: (ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط) لأن كلا الأمرين له سلبيته على الحياة من الترف والتقتير.
الخطوة الثامنة/ من خطوات تنشئة الولد الصالح عند حصول الخطأ منه يمكن توجيهه بلا غضب ولا لجاجة لأن ذلك قد يهدم ما تم بناؤه فيما سبق، وهذا يحتاج إلى نسبة من الصبر والتحمل وبعد النظر.
الخطوة التاسعة/ التغافل الذكي والإيجابي عن بعض الزلات التي يمكن التغافل عنها لأن إثارة هذه الزلات الصغيرة قد لا يفيد مثل فائدة التغافل عنها، وهذا يدركه المنصف والمتأمل.
الخطوة العاشرة/ من خطوات تنشئة الولد الصالح اجعله في خدمتك في كثير من شؤونك ليستفيد من سجاياك الطيبة، وإذا كلفته بعمل ما فاذكر له شيئاً من التوصيات التربوية مما يخص ذلك العمل ليستفيد هو خبرة وسلوكاً ولو بكلمات يسيرة فهو لا ينساها.
الخطوة الحادية عشرة/ من خطوات تنشئة الولد الصالح الصلاة الصلاة فعليها بإذن الله تعالى المدار والمعول، فإذا صلحت صلح جميع حاله، فاحرص على صلاحها لديه بما تستطيع من خلال الجلسات واللقاءات، وأيضاً كذلك شجعه على ما تراه من صلاح لديه فيها.
الخطوة الثانية عشرة/ من خطوات تنشئة الولد الصالح اجعل همتك أن يكون مصلحاً مع كونه صالحاً بحيث توصيه بنقل ما يستفيده منك ومن غيرك إلى الآخرين، فكونه مصلحاً هو عامل من عوامل الثبات له على الصلاح.
هذه معاشر الآباء والأمهات خطوات سريعة لا يتسع المقام لبسطها، وكل خطوة فيها هي محل نقاش ولها وسائلها وسبلها، ولعلها لا تخفى على شريف علمكم، ولا مانع أن تكثر من اللقاءات بالتربويين والتربويات لتستفيدوا منهم في هذا المجال.
اللهم أصلح لنا نيتنا وذرياتنا وبارك في الجميع. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
__________________________________
خالد بن علي الجريش