الثلاثاء 26 نوفمبر 2024 / 24-جمادى الأولى-1446

كيف تهزم ما يهزمك؟



 

في أغلب الأحيان يكون ما تحتاجه لاستعادة استقرارك هو التخلي عن كل ما يرهق روحك، لتتيح الاحتمالات أمام استقبال المدد الرباني، وكثيرا ما يكون التخلي هو الحل الأمثل، وهذا ما يرشدنا إليه الوحي القرآني: «فإذا خفت عليه فألقيه في اليم»، فإذا أردنا الاحتفاظ بالأشياء فعلينا ألا نتعلق بها، فإن عادتْ فهي نصيبنا المحتوم، وإن لم تعد فلم تكن منذ البداية، فكل ميسر لما خلق له، والكون يعمل بالضبط كما يجب أن يكون عليه بشكل مثالي لا مجال فيه للصدفة والعشوائية، فكل شيء حدث كان يجب أن يحدث، ودرجة الحرارة كل يوم هي المناسبة، وكل قطعة ثلج تسقط بالمكان المثالي، فالله قدير عليم حكيم، والكون متقن لا يعبث، والتشبث لا يحسّن من أوضاعك، بل يعيق تدفق الوفرة، ويمنع انسيابية البركة، لكن التخلي يستلزم يقينا داخليا وثقة عميقة بأن الله سيرزقك دوما ما تحتاجه، فمَنْ تخلى تجلى، وأي شيء تحاول السيطرة عليه سيسيطر عليك، فالمشكلة مع السيطرة هي أنها جزء من حرب بداخلك، وفي الحرب دوما لا أحد يفوز، فحين تواجه موقفا غامضا يعمل العقل بشكل محموم لحله من أجل استعادة الشعور بالسيطرة، وكلما عمل العقل بشكل محموم أكثر، فهو يفقد صفاءه وتقل السيطرة، ويمكنك ملاحظة هذا الشيء بنفسك حين تصعد لمراقبة الموقف من منظور وعي أعلى، وليس الهدف من ذلك هو محاولة التظاهر بالقوة في مواجهة الخوف، بل أن تكون فضوليا أكثر بشأن أفكارك ومشاعر التعلق بداخلك، فكل بصيرة جديدة لطبيعة هذه التفاعلات السلبية ستزيل بعضا من سلطتها عليك، وتربحك قوة جديدة راسخة، وغيابا لضعفك القديم، والشيء الوحيد الذي ستخسره حينها هو الخوف نفسه، لأن التخلي والسماح برحيل التعلق يمنحك مشاعر جياشة من التحرر الطبيعي، الذي يتبع مرحلة التمسك القديم، وكل شعور تعيس هو نتيجة لسوء فهم الجزئي مقابل الكلي، فعندما لا نرى الصورة كاملة سنتصرف بطريقة انهزامية، وحين تبدأ بتحليل الأسباب الخفية وراء التعلق، وتراقبها بهدوء ستكتشف الطبيعة الهشة لمخاوفك، وستبدأ في فقدان سلطتها عليك، وهذه هي البصيرة الذاتية، التي ستجعلك تفهم بأن هذه المخاوف الفعلية بقدر ما تبدو حقيقية فهي ليست أنت، ووقتها ستحدث معجزتك الشخصية، وستهزم ما يهزمك، وستتجرأ على مراقبة ما يخيفك بهدوء ويقين بأن أمامك الكثير من الخيارات سوى الخوف، وهذا النوع من الرؤية هو الأصل الأساسي لكل نجاح ذاتي، لأنك ستركز جهودك على تأمل عالمك الداخلي والتركيز عليه لتجني ثمار ذلك في تحسن عالمك الخارجي، فحين نرتكب غلطة إملائية على الورق بسبب تشوش أذهاننا، فلن نتمكن من اكتشاف الخطأ وتعديله قبل أن تصفو أذهاننا، وإلا سيتكرر الخطأ لما لا نهاية، ولا شك أنك ترى التشابه بين ذلك ومشكلات البشر، فالكثير يحاول تصحيح الأخطاء الخارجية بدلا من تصحيح طريقة التفكير، مما يشعرهم بالإحباط لأنهم ما زالوا مقيدين بآلة صنع الأخطاء، ولهذا فالسماح بالرحيل هو عمل داخلي بحت، والهزيمة تأتي من التشبث والتعلق بالحلول القديمة، ويمكنك أن تكون حرا فقط بقدر استعدادك لتكون صادقا مع نفسك.

———————————————————–

* بقلم أ. لمى الغلاييني – LamaAlghalayini@

تصميم وتطوير شركة  فن المسلم