التحلي بالمرونة يعني تحكمنا في مدى السماح لصدمتنا النفسية بأن تؤثر علينا.
نسمع كثيرًا عن الأمور الوقائية من كوفيد -١٩، مثل: وضع الكمام وغسل اليدين والبقاء في المنازل والتباعد الاجتماعي حتى أصبحت من مظاهر الأوضاع الحالية.
ومن المؤسف أن هذه الأوضاع ألحقت عشرات الملاييين بل حتى المليارات بحالات من القلق والحزن الشديد والأكتئاب، بالإضافة إلى الأزمات المالية.
لكل من يواجه ضائقة مالية أتفهم ما تمّر به وأشعر حقًا بألمك؛ فأنا أعرف جيدًا ما تعنيه هذه الصعوبات ولكني أعرف أن القدرة على التكيف والمرونة تساعد في التعايش مع الأوقات العصيبة والمشاكل العاطفية والنفسية.
ليس من المنطق أن تتوقع أنك لن تتغير بسبب الصدمة النفسية من فقدان العمل أو صعوبة تسديد الفواتير أو القلق لإصابة أحبابك بحالات حرجة أو الخوف الجديد المنتشر من التسوق في وجود أشخاص لا يرتدون الكمامات. يمكن لهذه التجارب أن تهُزنا هزًا، فتجعلنا نتساءل عن أنفسنا وقيمتنا، وحتى قد نتساءل عما إذا كانت الحياة تستحق كل هذا الجهد الذي تتطلبه.
ونستمع كذلك إلى أحاديث كثيرة عن رجوع الحياة إلى طبيعتها، لكن الناس الذين يمتلكون القدرة على التكيف يدركون أن «لا شيء بعد الجائحة سيعود كما كان عليه»، فأننا ندرك أن هناك خيارين فقط: أما أن تبقى عالق في القلق والاكتئاب والخوف الناتج عن تكرار إسترجاع تفاصيل الصدمة والمعاناة التي حدثت لك، وإما أن تمضي قدمًا.
إن قررت المضي قدمًا، فأني لا أقول أنه عليك نسيان ما عانيته فهذا أمر مستحيل. ولكن الذي أعنيه أنه إذا تعمدت اختيار هذا فعليك منعُ مشاعر وأفكار مرتبطة بالصدمة أن تسيطر أو تحدد حاضرك، لا يمكنك إبطال ما حدث، ولكن بيديك أن تقرر مدى تأثره في تحديد ما أنت عليه الآن.
النقطة المهم البدء منها هي كيفية صياغة قصة التجربة المؤلمة التي تحدث نفسك بها (في هذه الحالة جائحة كوفيد ١٩)، يعني القصة الأكبر في حياتك وعلاقاتك ومكانك في العالم.
من المهم إدراك الفرق بين الأحداث والقوى الخارجة عن سيطرتك وكيفية التعامل معها والاستجابة لها، بدلًا من التفكير بأنك ضحية وأن القدر قد خصك بعقوبة قاسية ليس لها مثيل، يمكنك سرد القصة أما كضحية وإما كناجي، فالصورة الأولى تعكس الشعور بالوهن والصورة الثانية تعكس القدرة على الصمود.
من واقع خبرتي أقول أنه حتى الأشخاص الصامدون ما زالوا يواجهون أوقات عصيبة، مثل: كوفيد- ١٩، ولكن يمكنني أيضا القول، من الممكن أن تُولي الجائحة الاهتمام والأولوية التي تتطلبها، من دون أن تسمح لها بأن تصبح الحدث المهيمن الذي يحدد الأحداث والقوة في حياتك.
أولًا، يمكنك القيام بذلك من خلال البقاء على إطلاع وممارسة الاحترازات الوقائية الموصى بها، بالإضافة إلى إتخاذ الإجراءات الفعالة للرعاية الشخصية، مثل: ممارسة الرياضة وتناول الطعام الصحي والتواصل مع الآخرين.
أدركت أهمية هذه الأمور بعد أن تم تشخيصي بمرض فيروس نقص المناعة المكتسبة في عام ٢٠٠٥م. بعدما عملت لسنوات عديدة كمقدم يسرد الكثير من قصص الآخرين، كان لابد أن أتعلم كيف أسرد قصتي.
كان عليّ أن أقرر ماذا تعني لي إصابتي بهذا المرض، وأن أختار حجم الدور الكبير أو الصغير الذي أسمح به لحالتي المرضية أن تلعبه في حياتي وشعوري بنفسي، والأمور التي كان علي القيام بها من أجل العناية بصحتي. كان علي أن أتعلم أن أفهم أنه حتى مع وجود شيء شخصي مثل التشخيص الطبي الخطير، كانت هناك أحداث وقوى خارجة عن إرادتي جعلتني في تلك اللحظة أنتقل من مرحلة التساؤل «لماذا أنا؟» إلى «لماذا ليس أنا؟»، لقد فهمت الصدمات التي تعرضت لها في الماضي والتي بدورها أثرت علي نفسيًا وعرضتني لمثل هذه المخاطر العالية.
ماذا تبدو عليه الأمور من الجانب الآخر لكوفيد -١٩ بالنسبة لنا كأفراد، بعد توفر اللقاح الوقائي سوف نعتمد إلى حد كبير على الأمور التي نحن عليها الآن اعتبارًا بأننا مررنا بها. أما أن نلتزم بالإجراءات إلى حين توفره؛ لحماية صحتنا العقلية والجسدية وعافيتنا وإما أن نجازف بإلحاق أضرار طويلة الأمد.
توقع «العودة» ليست إستراتيجية عودة شخصية ذكية، بدلًا من ذلك حاول المضي قدمًا، لكن عليك أن تعلم أنه أنت ومن حولك قد طرأ عليكم التغيير نتيجة للأزمة الصحية العالمية. فاستمرار التباعد الاجتماعي وارتداء الكمام ليس عقوبة شخصية لذا تعايش مع الوضع الجديد. ركز في كيفية تجاوز هذه الأوقات العصيبة كما تجاوزت سابقتها، طور من قوة تحملك بدلًا من التركيز على الأمور التي قد تغيرت.
لمجرد أن العديد منا راح ضحية كوفيد -١٩ بطريقة أو بأخرى، فهذا لا يعني أننا علينا أن نعيش حياتنا كضحايا.
________________
المصدر: موقع علمنا .