يروى أن العالم شهير إسحق نيوتن كان يحاول في صباح أحد الأيام حل واحدة من المشاكل العلمية المعقدة، فنسي إفطاره تمامًا، وكانت زوجته خائفة من قطع خلوته العلمية، ولكنها قلقة من جراء العمل وهو جائع، وكانت الزوجة تعرف من خلال التجربة أنه لا جدوى من دعوة نيوتن إلى الإفطار، وهو مستغرق في عمله على هذا النحو، كما أنها تعرف أنه سيترك الطعام ليبرد لو أخذته إلى مكتبه.
فجاءت الزوجة ببضع البيض الطازج، الذي كان نيوتن يحب إعداده بنفسه، ووضعت له البيض على موقد صغير في حجرة مكتبه، ناولته البيض ثم مدت يدها له بالساعة، وذكرته بألا يترك البيض أكثر من ثلاث دقائق، وغادرت الحجرة، وبعد ساعات عادت لإخذ الوعاء، فوجدت البيض ومازال في يد نيوتن، كما وجدت الساعة غارقة في وعاء المياه التي طال غليانها، فانظر كيف كان التركيز الشديد الذي تمتع به هذا العالم العبقري الفذ!
لماذا التركيز؟
لماذا أبذل جهدًا وفيرًا ولا أحصد النتائج في المقابل؟ لماذا أحتاج إلى جهد مضاعف لمذاكرة مادة ما؟ إن هذا يدفعني للإحباط, ماذا أستطيع أن أفعل حيال ذلك؟
للأسف, هذا هو حال الكثيرين, جهد دون نتيجة يتولد عنه إحباط, وعمل دون طائل يودي بهم في ظلمات اليأس, وحتى تتغلب على ذلك, لابد لك من تعلم مهارة التركيز، والتي تمكن صاحبها من إنجاز المهام الذهنية بصفة عامة، والتحصيل العلمي بصفة خاصة، في أسرع وقت، وبأفضل نتيجة ممكنة.
والتركيز الذهني هو: (تعريض الذهن زمنًا كافيًا لمؤثر أو جملة مؤثرات؛ كي ينطبع عليه انطباعًا واضحًا، على أن يغلق الإنسان ذهنه دون كافة المؤثرات الأخرى).
يعد التركيز مهارة يمكن استخدامها لتحقيق عدد كبير جدًا من الأهداف، وهي ليست قاصرة على هدف واحد محدد، بل يمكن استخدامها في مجالات عدة، من أبرزها ما يلي:
1. إدراك الهدف بشكل أفضل:
التركيز على الهدف يمنحك القدرة على الاستمرار في تحقيقه، فكما يقول جاك كانفليد: (الهدف هو الملاحقة المستمرة لغاية مهمة حتى نتمكن من تحقيقها).
2. السيطرة على المشاعر بشكل أقوى:
يتعامل البشر مع مشاعرهم وعواطفهم بطريقتين: إما الانجراف معها دون تفكير، أو قمعها دون رحمة، وهنا يأتي دور التركيز؛ لأنه (مع التركيز نتعلم كيف نعترف بمشاعرنا ونستمع إليها، بدلًا من أن نتركها تجرفنا وتغرقنا).
3. إزالة العقبات التي تعوقك عن النجاح:
هل رأيت من قبل المباراة النهائية في كأس العالم، حيث ينقل اللاعبون الكرة وآلاف من صيحات الجماهير تتعالى في آذانهم؟! هل فكرت مرة كيف يستطيع اللاعب تسديد ركلة الجزاء، بينما الآلاف تهتف ضد فريقه؟ هنا يأتي دور التركيز للتخلص من عقبة مشوشات التركيز.
مشتتات التركيز:
وأول الطريق للوصول إلى التركيز الشديد، تحتاج إلى التخلص من الحشائش الضارة التي تشتت انتباهك عن مهام حياتك، ومن أبرزها:
1. عدم وضوح الهدف من المهام التي تقوم بها:
ü الحل:
– اكتب 3 أهداف تدفعك إلى المهمة المنوط بك عملها، وضعها أمامك باستمرار.
– احتسب نية صالحة؛ بأن تجعل العلم الذي تتعلمه لبنة في بناء مستقبلك ومستقبل مجتمعك.
2. العمل في جو من الضوضاء والإزعاج:
ü الحل:
– احرص على إنجاز أهدافك في جو هادئ، بعيد عن ضوضاء التلفزيون أو الهاتف.
– احرص على البداية في وقت مبكر من اليوم؛ حيث يكون الجو أكثر هدوءًا.
3. كراهية ما تنجزه من أعماله:
ü الحل:
– اكتب 3 فوائد عما تقوم به، وضع تلك الورقة أمامك.
– اكتب 3 مشكلات ستتعرض لها إذا لم تقم بإنجاز تلك المهمة.
4. انشغال الذهن بالأحلام والتخيلات:
ü الحل:
– استعذ بالله من الشيطان الرجيم.
– قم بالوضوء أو غسل وجهك أو تغير مكانك إن أمكن ذلك.
5. وجود مشكلات اجتماعية، مثل: خصومة بينك وبين صديقك، مشاكل داخل أسرتك … إلخ:
ü الحل:
– ضع حدًا لتلك المشكلات، خاصة المشكلات الخاصة بك مباشرة، بأن تعالج مثلًا ما حدث بينك وبين صديقك من سوء فهم.
6. الاضطرابات النفسية، مثل: الاكتئاب والقلق والتوتر … إلخ:
ü الحل:
– حاول أن تسترخي لمدة 5 دقائق إن شعرت بحالة من القلق أو التوتر.
– احرص على جعل أوقات بين المهام التي تنجزها؛ لتجدد نشاطك، وحاول أن تمارس فيها هواية تفضلها.
بذور التركيز:
وبعد اقتلاع الحشائش الضارة التي تعوقك عن التركيز، بقى أن تضع بذور التركيز، لتنبت شجرته في عقلك ووجدانك، وتصير جزءًا من كيانك، وذلك على النحو التالي:
1. حاول استبعاد ما يشتت فكرك ويشغل ذهنك من المعوقات والمشتتات التي ذكرناها سابقًا.
2. عش لحظتك، ولا تنشغل أكثر من اللازم بالمستقبل، ولا تكن أسير الماضي وما كان فيه من تجارب سلبية أو فشل.
3. تخلص من الإجهاد، بأن تتوقف عما تقوم به للحظات، واسترخ في مكان هادئ وجيد التهوية.
4. استخدم تمارين تقوية التركيز:
أ. اختر موضوعًا تحبه وفكر فيه لمدة ربع ساعة يوميًّا، وحاول على الأقل أن تحفظ فيه كل يوم شيئًا جديدًا (آية ـ حديث ـ قصة … إلخ).
ب. قف كل يوم أمام أحد رفوف مكتبتك وانظر إلى ما فيها من أشياء بتمعن وتدقيق وهدوء، ثم انصرف عنها لمدة 5 دقائق، واكتب ما وجدته في تلك الرفوف مرتبه، وراجع ما كتبته.
الواجب العملي:
1. مارس أحد تمارين تقوية التركيز التي ذكرناها سابقًا.
2. أشرك أحد أصدقائك في تلك التمارين، وتنافس معه فيها.
3. طبق طرق التركيز السابقة على المهام المنوط بك عملها.
أهم المراجع:
1. أنت عبقري ولكن كيف تنمي قدراتك، محمد فتحي
2. قوة التركيز .. كيف تحقق أهدافك بثقة مطلقة، جاك كانفليد ومارك هانسن ولس هيوت
3. حتى لا تكون كلًّا، د.عوض القرني
4. قوة الأهداف، كاثرين كارفيلاس.