كيف تعود أمتنا إلى عزها ومجدها؟
د. صالح بن علي أبو عرَّاد الشهري .
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيد المرسلين وإمام المتقين ، وعلى آله وصحبه أجمعين ؛ أما بعد ؛
فهناك سؤالٌ يتردد على الألسن مستفسرًا بين الحين والحين عن الكيفية التي يمكن من خلالها أن تعود الأمة المسلمة إلى عزها ومجدها وسابق عهدها في مقدمة الركب الحضاري الأُممي،
ولاسيما في هذا الوقت الذي تتنافس فيه الأُمم اعتمادًا على كثيرٍ من المُعطيات الحضارية التي تكفل لها تحقيق ما تصبو إليه وتسعى إلى تحقيقه ، ولأن هذا التساؤل يُعد أمرًا مشروعًا لكل مسلمٍ ، فإنني أقول مستعينًا بالله تعالى :
يمكن للأمة الإسلامية أن تنهض من كبوتها ، وأن تعود إلى سالف مجدها وعزها إذا عادت إلى ربها جل جلاله عودةً صادقةً ، ومعنى ذلك أن تصطلح معه ( سبحانه وتعالى ) في كل شأنٍ من شؤونها وكل جزئيةٍ من جزئيات حياتها ، فلا حُكم إلا بشريعة الله تعالى ، ولا طاعة إلاّ لأوامره سبحانه ، ولا امتثال إلا لأوامره ونواهيه عز وجل ، ولا تنافُس إلا في طاعته جل شأنه ، ولا عمل إلا وفق منهجية التربية الإسلامية النابعة من مصادر الدين الإسلامي الحنيف الذي رضيه الله لعباده .
وعلى الرغم من أن تحقق ذلك المطلب ليس بالأمر المستحيل ، إلاّ أنه في الوقت نفسه ليس بالأمر اليسير ؛ لأنه يحتاج من جميع أبناء الإسلام إلى نيةٍ مخلصةٍ ، وعزيمةٍ صادقةٍ ، وبصيرةٍ نافذةٍ ، ودرايةٍ واعيةٍ ، وخطواتٍ واثقةٍ نحو صراط الله المستقيم في شؤون الدنيا والدين الذي يكفل لمن التزمه وسار على نهجه العزة والكرامة في الدارين بإذن الله تعالى ، وما يتبع ذلك من إمكانية العودة إلى مركز القيادة والريادة الأُممية في الحاضر والمستقبل .
أما أبرز ملامح هذه العودة المنشودة فيتمثل في التالي:
( 1 ) تصحيح العقيدة وتخليصها من الشوائب والبدع والمنكرات والشركيات وما في حُكمها ، وإخلاص العبادة لله تعالى سواءً أكانت هذه العبادة قوليةً أو فعليةً .
( 2 ) الالتزام الصادق والإتباع التام الواعي لسُنة نبينا محمد ( صلى الله عليه وسلم ) الصحيحة الثابتة في مختلف شؤون الحياة ومجرياتها مهما كانت يسيرة .
( 3 ) العمل المخلص والجاد على مختلف الأصعدة والمستويات لإرجاع أبناء الأمة المسلمة في كل مكانٍ إلى تعرُّف دين الإسلام على حقيقته الصافية الواضحة التي لا تشوبها شائبة ، وعلى التمسك بتعاليمه ، والاهتداء بهديه ، والتحلي بأخلاقه .
( 4 ) الاعتزاز الكامل بالهوية المسلمة ظاهرًا وباطناً ، ورفض ما سواها من الشعارات الواهية والمزاعم الباطلة التي لا تنتمي إلى الإسلام ولا تنتسب له ولا تدور في فلكه .
( 5 ) السعي الجاد لتخليص مجالي ( التربية ، و الإعلام ) من لوثة التقليد والتبعية الغربية ، وإتاحة الفرصة للمخلصين والأكفاء الموثوقين من أبناء الأمة المسلمة لإيجاد البديل المناسب والملائم لواقع الأمة المعاصر الذي يجب أن تُراعى من خلاله مختلف الظروف الزمانية والمكانية ونحوها .
( 6 ) احترام علماء الأمة ودعاتها ومُفكريها من أصحاب القول الرشيد والرأي السديد والفهم الأكيد في كل مجالٍ من المجالات ، وكل ميدانٍ من الميادين ، والحرص على إنزال أهل العلم والفضل والتقدير منازلهم التي يستحقونها ، والعمل بما يصدر عنهم من آراءٍ وأفكارٍ ومقترحاتٍ فاعلةٍ واعيةٍ سديدة لضمان التكيف المطلوب والإيجابي مع المستجدات ، وحل القضايا والمشكلات ، والتصدي الواعي لمختلف الظواهر والسلبيات لمعطيات الحياة المعاصرة .
( 7 ) الاهتمام بفئات الموهوبين والمبدعين من شباب الأمة على وجه الخصوص ، والعمل الجاد على تنمية مواهبهم وإبداعاتهم ، واحتواء أفكارهم ورؤاهم ، وصقل مهاراتهم وقدراتهم ، وتوجيهها الإيجابي لخدمة قضايا الأمة وحاجاتها المتجددة .
أما دور التربية الإسلامية في تحقيق عزة الأمة وهيبتها وسعادتها من جديد فهو دورٌ رئيسٌ وإيجابي وفاعل وبخاصةٍ أن تحقيق مطالب الأمة ونيل غاياتها مرهونٌ ( بإذن الله تعالى ) بنجاح نظامها التربوي ، وقدرته على الرقي الحضاري بالأفراد والمجتمعات من خلال بناء الرجال ، وإعداد الأجيال ، وسلامة الرؤى ، وتصحيح المفاهيم ، وتعزيز القيم الكريمة ، وتشجيع الأخلاق الفاضلة ، ونشر الوعي الإيجابي ، والإسهام في صناعة الحضارة المستقبلية المنشودة التي تجمع بين خيري الدنيا والآخرة ،
وهو أمرٌ لا يمكن أن يتحقق إلا إذا كان منهج التربية مستمدًا في المقام الأول من مصادرها الرئيسة الخالدة المتمثلة في كتاب الله العظيم وسنة رسوله الكريم عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم؛
إضافةً إلى جانبٍ آخر يتمثل في ضرورة أن يقوم على ذلك الأمر ثُلَةٌ من المختصين الذين يوثقُ في دينهم وعلمهم وأمانتهم وخُلقهم وفكرهم وسلوكهم ؛ وأن تتوافر الإمكانات المادية والبشرية والمعرفية ؛ فإذا ما تحقق ذلك كانت التربية الإسلامية قادرةً ( بإذن الله تعالى ) على إنقاذ الأمة مما هي فيه من التخبط والضياع ، والعمل على انتشالها مما هي فيه من الذل والهوان .
وليس هذا فحسب ، فالتربية الإسلامية هي السبيل الوحيد الذي يكفل – بإذن الله تعالى – إنقاذ العالم كله مما عاناه ويُعانيه في هذا العصر من حيرةٍ وضياعٍ وأزماتٍ ومُشكلاتٍ على مختلف الأصعدة ؛ فاللهم يا رب الأرباب و مُسبب الأسباب ، وفقنا لصالح القول والعمل والنية ، وبارك اللهم لنا في ديننا ودنيانا ، وأحسن في هذه الدنيا معاشنا ، وأختم لنا بخاتمةٍ حسنةٍ ، وارزقنا فضلاً منك ورحمة ، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .