من الألم إلى الأمل:
يرتبط التغيير بالتحدي الذي يجعل معظم النّاس يحجمون عن عملية التغيير، ولكن الخبرة وواقع غالبية النّاس تقول إنّ الفئة العظمى من النّاس لا تلجأ للتغيير إلا عند حدوث هزة هائلة في حياتهم وعندها يبدؤون التغيير، فلابدّ من وقفة ألم لنبحث بين ثناياها عن لحظة أمل.
لكن إن أردت أن تحدث تغييراً ناجحاً لا يكون ردة فعل عن آلامك فعليك بالأمور الخمسة الآتية:
1- الحماية: عادةً ما يكون التغيير مشوباً بالخوف، لذلك لابدّ أن تبدأ التغيير في أجواء مليئة بالأمن، يقل فيها عنصر الخوف قدر الإمكان.
2- القابلية: يعتبر التغيير عملية تفاعلية بين الجسم والمشاعر، وكلما زاد التوافق بينهما، سهلت عملية التغيير وكانت ناجحة.
3- المشاركة: لزيادة فاعلية التغيير، لابدّ أن تقتنع أنت ومن حولك ممن سيشملهم التغيير بمزايا التغيير لتضمن الدعم والتشجيع منهم وتحصل منهم على الالتزام الكامل.
4- التمرين: إنّ أي أمر، سواء كان سلوكاً أو نمطاً حركياً تطمح بإتقانه، فإنّه يحتاج منك إلى ممارسة وتدريب عليه، حتى تتقنه ثمّ تألفه.
والآن، هل أنت تسير في الاتجاه الصحيح؟
لكي تطور نفسك، لابدّ من تغيير تفكيرك، ومواقفك، ومعتقداتك، ومدركاتك، ومن ثمّ يتغير نمط سلوكك فيصبح إيجابياً وواثقاً.
تذكر أنّ التغيير ليس رفاهية ولا تجربة مزاجية… التغيير ضرورة لتشعر بقيمتك وقيمة مواهبك وقدراتك.
ابدأ بنفسك أوّلاً:
يروى أنّ شاباً، وجد كلمات مكتوبة على قبر رجل، في المقابر الخاصة بمدينته، يقول فيها: “عندما كنت صغيراً وحرّاً، ولم تكن هناك حدود لخيالي، حلمت بتغيير العالم، وعندما كبرت، وأصبحت أكثر وعياً ونضجاً، اكتشفت أنّ العالم لن يتغير، فلذلك اختزلت أمنيتي إلى حد ما، وقررت أن أغير وطني فقط، ولكن ذلك – أيضاً – بدا صعباً للغاية، ولا جدوى منه.
وعندما وصلت إلى مرحلة اكتمال النضج، وفي محاولة أخيرة يائسة، قررت أن أغير عائلتي فقط، هؤلاء الذين يعدون أقرب النّاس إليَّ، ولكن واحسرتاه، لم أستطع أيضاً تحقيق ذلك. والآن، بينما أنا راقد على فراش الموت، أدركت فجأة أنّه: لو أنني قد غيرت من نفسي أوّلاً، لكان بإمكاني أن أغير عائلتي. فمن إيحاءاتهم وبفضل تشجيعهم، كنت سأتمكن من تحسين موطني، ومن يعلم؟ ربما استطعت أن أغيِّر العالم بأسره”.
نعم.. فإذا أردت أن تغير حياتك، أو تغير كثيراً مما لا يروق لك في مجتمعك، فتغير أنت أوّلاً وعليك بنفسك فابدأ بها، فإنك وإن لم تستطع ترويضها فلن يمكنك ترويض أي أمر آخر.
(وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا) (الشمس/ 7-10).
وكيف تُصلح العالم؟
كان هناك صبي صغير، أراد أن يعلمه والده لعبة الإمساك بالكرة، وفي أحد الأيّام المشمسة، كان الوالد يجلس على أريكة مريحة يتناول عصيره، ويشاهد مباراة البيسبول الأمريكية، فاندفع الولد الصغير إلى داخل المنزل وهو يسأل والده:
“أبي أرجو أن تعلمني كيف أمسك بالكرة” وكان الأب يحدق بالتليفزيون باهتمام بالغ وأجابه:
“بعد قليل يا صغيري، دعني أشاهد هذه المباراة، وارجع بعد خمس دقائق”.
فأجاب الولد: “حاضر”، وخرج من الغرفة. بعد خمس دقائق عاد الولد الصغير وهو يصرخ: “أبي، هيا لتعلمني الإمساك بالكرة”.
فاستدار الأب لطفله وقال: “انتظر يا صغيري، فإنّ المباراة لم تنته بعد، عد بعد خمس دقائق أخرى”، ووافق الصغير على ذلك، بعد ذلك عاد الصغير وهو يرتدي القفازات والكرة في يديه، وهو ينتظر بشوق إلى والده ليلعب معه “أبي هيا نذهب لنلعب، أريد أن أبدو مثل أحد نجوم لاعبي البيسبول”.
وفي تلك اللحظة كان الأب قد اندمج كثيراً بالمباراة، ولكنه انزعج من مقاطعة ابنه له، وبينما هو يستكشف أرجاء الغرفة بناظريه، شاهد مجلة على طاولة القهوة، وعلى غلاف المجلة كانت هناك صورة كبيرة للعالم، وقام الأب الغاضب والتقط المجلة، وبدأ يمزق الغلاف إلى قطع صغيرة، وبعد ذلك وضع الأجزاء الممزقة من الغلاف على الطاولة وقال لولده: “عندما تعيد ترتيب خريطة العالم هذه مرة أخرى، سوف نستطيع أن نلعب الكرة معاً، ولكن لا تقاطعني مرّة ثانية، إلا بعد أن تنتهي”.
أخذ الصبي المندهش قطع الخريطة، ودخل غرفته وهو يتمتم: “حاضر يا أبي”.
وبعد دقائق قليلة، عاد الصبي وهو يقول: “أبي هل نستطيع أن نلعب الكرة الآن؟ فنظر إليه والده مذعوراً، ثمّ ألقى نظرة على ما بين يديه، فكانت خريطة العالم التي أعاد أجزاءها كاملة بشكل صحيح وسريع.
وبدهشة كبيرة سأل الأب ابنه: “كيف استطعت أن تعيد ترتيب خريطة العالم بهذه السرعة؟!”.
فأجاب الصبي: كان الأمر بسيطاً، فعلى الجهة المقابلة (الخلف) من الخريطة كانت هناك صورة لشخص، وعندما أعدت أجزاء صورة الشخص إلى شكلها الصحيح معاً، كانت خريطة العالم قد اكتملت أيضاً!!!
فإذا، قمت أنت بإصلاح نفسك أوّلاً، يكون من الممكن بعد ذلك إصلاح من حولك، والعالم بعد ذلك.
فهل ترغب في تغيير عالمك الخارجي؟
لابدّ أنّ الجميع يرغب في ذلك، وتيقن أنّ الأمر ليس مستحيلاً، لكن قم أوّلاً بتغيير عالمك الداخلي. فأصلح من نفسك وغيّر من أسلوب حياتك، قبل أن تشرع في إصلاح الآخرين، ولا تكن مثل هذا الملك.
نعل الملك..
يحكى أنّ ملكاً كان يحكم دولة واسعة جدّاً. فأراد هذا الملك يوماً القيام برحلة برية طويلة. وخلال عودته، وجد أنّ أقدامه تورمت بسبب المشي في الطرق الوعرة، فأصدر مرسوماً يقضي بتغطية كلّ شوارع مدينته بالجلد، ولكن أحد مستشاريه أشار عليه برأي أفضل، وهو عمل قطعة جلد صغيرة تحت قدمي الملك فقط. فكانت هذه بداية نعل الأحذية. فالبداية السليمة والسهلة أن تبدأ بنفسك، فإنك لن تستطيع تغيير العالم من حولك، ما لم تغير من نفسك في المقام الأوّل، (إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ) (الرّعد/ 11).
طموحك هو سبيلك للتغيير:
يُحكى أنّ نسراً كان يعيش في منطقة جبلية، ويضع عشه على قمة إحدى الأشجار، وكان عش النسر يحتوي على أربع بيضات، ثمّ حدث أن هز زلزال عنيف الأرض، فسقطت بيضة من عش النسر، وتدحرجت إلى أن استقرت في قفص للدجاج، وظنت الدجاجات بأنّ عليها أن تحمي وتعتني ببيضة النسر هذه، وتطوعت دجاجة كبيرة في السن للعناية بالبيضة إلى أن تفقس.
ولمّا فقست البيضة خرج منها نسر صغير جميل، ولكن هذا النسر بدأ يتربى على أنّه دجاجة، وأصبح يعرف أنّه ليس إلّا دجاجة، وفي أحد الأيّام وفيما كان يلعب في ساحة قفص الدجاج شاهد مجموعة من النسور تحلق عالياً في السماء، تمنى هذا النسر لو يستطيع التحليق عالياً في السماء، لكنه قوبل بضحكات الاستهزاء من الدجاج قائلين له: ما أنت سوى دجاجة، ولن تستطيع التحليق عالياً مثل النسور، وبعدها توقف النسر عن حلم التحليق في الأعالي، وآلمه اليأس، ولم يلبث أن مات، بعد أن عاش حياة طويلة مثل الدجاج.
كن نسراً في طموحاتك:
اعلم أنّك إذا ركنت إلى واقعك السلبي، ستصبح أسيراً لما تؤمن به، فإذا كنت نسراً في طموحاتك وإمكاناتك، وتحلم لكي تحلق عالياً في سماء النجاح والتغيير، فتابع أحلامك، ولا تستمع لكلمات المخذلين لطموحك ممن هم حولك، حيث إنّ الرغبة والقدرة على تحقيق ذلك موجودتان لديك بعد مشيئة الله سبحانه وتعالى، واعلم أيضاً بأنّ نظرتك الشخصية لذاتك وطموحك، هي التي تحدد نجاحك من فشلك، لذا فاسع أن تصقل نفسك، وأن ترفع من احترامك وتقديرك لذاتك فذلك السبيل لنجاحك، وصاحب من يقوي عزيمتك على التغيير.
حول المحن إلى منح:
يُحكى أنّ غاندي كان يجري بسرعة للحاق بقطار… وقد بدأ القطار بالسير، وعند صعوده القطار سقطت من قدمه إحدى فردتي حذائه، فما كان منه إلا خلع الفردة الثانية، وبسرعة رماها بجوار الفردة الأولى على سكة القطار.
فتعجب أصدقاؤه!!!؟
وسألوه: ما حملك على ما فعلت؟
لماذا رميت فردة الحذاء الأخرى؟
فقال غاندي الحكيم: أحببت للفقير الذي يجد الحذاء، أن يجد فردتين فيستطيع الانتفاع بهما، فلو وجد فردة واحدة فلن تفيده، ولن أستفيد أنا منها أيضاً.
فدائماً إذا فاتك شيء، فقد يذهب إلى غيرك ويحمل له السعادة، فلتفرح لفرحه ولا تحزن على ما فاتك… فهل يعيد الحزن ما فات؟!
فكم هو جميل أن نحوّل المحن التي تعترض حياتنا إلى منح وعطاء، ونغير طريقة تعاطينا مع كلّ ما لا يوافق هواناً. قال الله عزّ وجلّ: (وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) (البقرة/ 216).
فخلص نفسك من أي محن تقتحم حياتك، وغيرها بأسلوبك المميز إلى منح، تزودك بالقوة الدافعة للإقدام على التغيير.
غيِّر وسائلك عندما لا تسير الأمور كما يجب:
يُحكى أنّ رجلاً أعمى كان يجلس على إحدى عتبات عمارة ما، ووضع قبعته بين قدميه، وبجانبه لوحة مكتوب عليه “أنا أعمى أرجوكم ساعدوني”.
فمر رجل إعلانات بالأعمى، ووقف يتأمل، فوجد أنّ قبعته لا تحتوي إلا على نقود قليلة، فوضع المزيد فيها، ومن دون أن يستأذن الأعمى أخذ لوحته وكتب عليها إعلاناً آخر.
ثمّ أعاد وضع اللوحة عند قدم الأعمى وذهب في حال سبيله.
وفي نفس اليوم، مرّ رجل الإعلانات بالأعمى، ولاحظ أنّ قبعته قد امتلأت بالقروش والأوراق النقدية، فعرف الأعمى الرجل من وقع خطواته، فسأله.. إن كان هو من أعاد كتابة اللوحة؟ وماذا كتب عليها؟
فأجاب الرجل: لا شيء غير الصدق، فقط أعدت صياغتها. وابتسم وذهب.
لم يعرف الأعمى ماذا كتب عليها، لكن اللوحة الجديدة كُتب عليها:
“نحن في فصل الربيع، لكنني لا أستطيع رؤية جماله”
فحياتك يمكن أن تصبح من اليوم أكثر بهجة وقوة وإثارة، وذلك عند تطبيق الأفكار التي سنستكشفها سويّاً عبر رحلتنا بين ثنايا هذا المقال.
نعم، فإذا أردت التغيير فعليك أن تغير من وسائلك عندما لا تسير الأمور معك كما يجب، فتأدية العمل بنفس الطريقة التي لا تصلح معك تؤدي بك إلى نفس النتائج السابقة، لا بل إنك تجبر نفسك على الاستمرارية بطريقة العيش نفسها التي تقول بأنك غير راضٍ عنها، وأنك بحاجة لتغييرها.
فاعمل دائماً على أن تصلح من نفسك، واعمل على إحداث تغيرات كبيرة في حياتك، فإنّ الاحتمال الكبير هو أنّ الغد سيكون مشابهاً لليوم وللأمس إذا لم تقدم على التغيير، ووفقاً لهذا ستكون في الوضع نفسه الذي أنت عليه الآن بعد سنة أو سنتين أو أكثر من ذلك. ►
والآن، خذ قلماً واكتب رسالتك الجديدة نحو حياة أفضل…
………………………………………………………….
………………………………………………………….
………………………………………………………….
المصدر: كتاب حرِّك مياهك الراكدة