كيف أصنع من ابني قائدًا يتحمل المسئولية؟
شيماء مأمون
“تحريك الناس نحو الهدف”، هكذا عرف الدكتور طارق سويدان معنى القيادة، كما وضح مميزات الطفل القائد قائلًا: الرؤية المرشدة، الثقة، الفضول، الجرأة، الاستقامة، التربية، زرع العقيدة، زرع القيم، زرع فن بناء العلاقات، الأدب، فن اتخاذ القرار، القيادة، القدوات، فن الاستماع، التدريبات الجسدية والعقلية والعاطفية والروحية، الشجاعة في العلاقات، الاعتراف بالخطأ، نصح من حوله، المرح، سعة أفق التفكير.
فإعداد القائد الرباني ليس مسألة عفوية تترك للأقدار دونما تخطيط وأخذ بالأسباب، أو أنها مسألة نبوغ شخصي لفرد يقتحم الصفوف وحده حتى يصل لسدة الحكم والقيادة، بل هي عملية شاقة وطويلة تبدأ منذ نعومة الأظافر لتنمية الملكات واكتشاف المهارات وصقل القدرات في عملية متتابعة لتنشئة القائد المرجو.
فهذا الإعداد لا يقتصر على الجانب الديني والوازع الإيماني فقط، بل هي عملية بناء متكامل لقائد سوف يسوس أمة تعيش حياتها وتحتاج من يصلح لها حياتها، كما يحفظ لها الدنيا المليئة بالكثير من المتغيرات والمستجدات التي تحتاج للجمع بين الأصالة والحداثة، ونذكّر بأن القيادة يمكن التدريب عليها، والإسلام يعطينا المثل.. حينما عين الرسول صلى الله عليه وسلم أسامة بن زيد قائدًا على كبار الصحابة، وهو لم يتجاوز الثامنة عشرة من عمره.
كيف أجعل من ابني قائدًا؟
“ليست هناك جينات لتطوير الشخصية وتعزيز تقدير الذات واحترام الآخرين، فليس هناك ابن مولود بشخصية مسئولة وآخر بشخصية متسيبة. لكن أطفالنا اكتسبوا شخصياتهم وتقديرهم لذاتهم من خلال التجارب المتكررة في ماضيهم”.. بهذه الكلمات استهل نزار رمضان ـ خبير التنمية البشرية ـ حديثه، موضحًا أنه لا بد أن نعلم أن السمات الشخصية -مثل سمة تحمل المسؤولية- مكتسبة، وبالتالي فالسمات الشخصية قابلة للتغيير. وإذا كانت السمات الشخصية مكتسبة، فإننا بشكل طبيعي نستطيع تعليمها وتغييرها. وبالتالي لابد أن يوقن المربي ذلك حتى لا يتكون بينه وبين الابن الحبيب حاجز نفسي أثناء التربية والتغيير في السمات الشخصية. فالمربون قادرون على تهيئة الظروف الملائمة لتعزيز التغيير وجعل الابن مسئولًا مقدرًا.
وأشار إلى أن المعلم والمربي قادران على إحداث التغيير في السمات الشخصية لأحبابنا بواسطة مواقفهم الذهنية، ومحتوى مناهجهم التعليمية، والجو العام الذي يهيئونه. ومن الاستراتيجيات العامة التي تساعد المربين على بناء شخصية مسئولة واعية خماسية مهمة متكاملة:
1- الهدف: الخطوة الأولى لتعليم قيمة المسؤولية، “فمعرفة الهدف من قيمة المسؤولية والتركيز عليه لمدة لا تقل عن 21 يومًا، عن طريق ملصق أو نشيد تذكيري”، وهذا مهم جدًا.
2- التعريف: وهو وصف الحاجة إلى قيمة المسؤولية ومعناها، ويتم ذلك بشرح القيمة تاريخيًا وعقائديًا، فليس من المفترض معرفة ما تعنيه قيمة المسؤولية، حتى لو كان البعض يقوم به من قبيل العادة فقط، ولكن لا بد أن يتولد بعد المعرفة سلوك إيجابي مغروس، معنًى وفعلًا، مثل مساعدة المحتاج، وحل الواجبات، والتصفح الآمن للشبكة العنكبوتية.
3 – العرض: ليست هناك طريقة مثالية لتعليم قيمة المسؤولية، ولكن هناك طرق مقترحة لعرض القيمة، مثل تجسيد القيمة مظهرًا وواقعًا (مجسم – ملصق – مجلة – كتاب – فيديو كليب)، وعرضها على الأبناء لتحديد شخصيات تحتك بالابن وتتميز بقيمة المسؤولية.
4- التطبيق: إن الإظهار والتعريف والعرض وحده لا يكفي، ولكن ينبغي التدريب لمدة لا تقل عن 21 يومًا أو تنظيم ثنائيات بين الأقارب أو الإخوة للممارسة العملية للمسؤولية، مثل التبرع – القراءة – الصيام – الدعاء – المقاطعة- مراسلة المواقع – حل المشكلات.
5- التعزيز: الخطوة الأخيرة والضرورية من خطوات بناء المسؤولية تتمثل في تعزيز السلوكيات الملائمة للمسؤولية من إماطة الأذى، وفعل الخيرات، والحفاظ على البيئة، وتشجيعهم على استخدام هذه القيمة في حياتهم، مثل الحديث مع الابن على فعله الإيجابي، وكذلك مكافأة الابن عند عمل فعل جيد مبني على المسؤولية.
ولفت أ. نزار الانتباه إلى أن هناك أفعالا ووسائل متنوعة ومختلفة يمكن إدراجها بحكمة بأحد الخطوات السابقة، مثل: –
• خطط له مقابلةَ الآخرين، مثل للذهاب لمنتزه، وزيارة طفل مريض، وزيارة صالة رياضية (خلق فرص متنوعة لينخرط الطفل بالمجتمع بمسؤولية).
• اجعله يتحدث في المحمول والتليفون.
• اجعله يتحمل المسؤولية الخفيفة، مثل محاسبة البائع، والشراء، وتوصيل الأخ الأصغر للمسجد.
• قم بتهيئة الطفل مسبقًا لأي شيء يحدث، والتي تزيد من الشعور بالأمان والطمأنينة (مثلًا ستقابل في المدرسة معلمًا، وسيسألك عن عمل أبيك وعن سكنك).
• قم بتقمص الدور مع طفلك، بتمثيل بعض المواقف الاجتماعية التي تحمل المسؤولية، حتى تساعده على التواصل بمسؤولية مع المجتمع، مثلًا (دور الطبيب والمريض، الطفل المشاغب والطفل الهادئ).
• قم بتذكير طفلك بالنجاحات التي حققها سابقًا في حياته الاجتماعية: (هل تذكر كيف قضيت وقتًا ممتعًا مع ابن عمك يوم السبت بالنادي؟ وهكذا).
• انتقِ كلماتك بعناية، وتجنب وصف طفلك بأنه طفل غير مسئول، لأن مثل هذا الوصف منك قد يصبح جزءًا من صورة الطفل عن نفسه، ويترسخ هذا المفهوم في اللاشعور، ويترجم لواقع يصعب تعديله.
• أثنِ على طفلك حتى لو شارك مع الآخرين مشاركة مسؤولية صغيرة.
• افعل أمامه أعمالًا اجتماعية وتواصلية مع الآخرين، وادفعه بهدوء للمشاركة وتحمل نتائج المشاركة بجناحيها الإيجابي والسلبي.
• “حدوتة” قبل النوم وقصة المسؤولية والدردشة في الأوقات البينية حول هذا المفهوم العام.
• أي سلوك يستطيع الطفل أن يؤديه؛ اجعله يقوم به ويتقنه، فقط أفسح له المجال حتى يستطيع أن ينجزه معتمدًا على نفسه.
بناء شخصية القائد
بينما تساءل الدكتور حمدي شعيب، خبير تربوي وعلاقات أسرية، كيف أصنع من ولدي قائدًا؟ كيف أصنع من أبنائي قادة؟ هذا حلم كل أب وكل أم أن ترى من ولدها شيئًا مذكورًا. فما هي أبرز المحاور للصياغة السوية للأبناء؟:
هناك محاور هامة لبناء الشخصية السوية في الأبناء:
1-اسمُ باهتماماته: وتدبر كيف يرتقي الرسول صلى الله عليه وسلم، باهتماماتنا؛ حتى لمن طلب الجنة؟!: “فَإِذَا سَأَلْتُمُ اللَّهَ فَاسْأَلُوهُ الْفِرْدَوْسَ فَإِنَّهُ أَوْسَطُ الْجَنَّةِ، وَأَعْلَى الْجَنَّةِ، أُرَاهُ فَوْقَهُ عَرْشُ الرَّحْمَنِ، وَمِنْهُ تَفَجَّرُ أَنْهَارُ الْجَنَّةِ”. قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ فُلَيْحٍ عَنْ أَبِيهِ وَفَوْقَهُ عَرْشُ الرَّحْمَنِ”. [رواه البخاري].
2-صُغ معه هدفه: ودعه يعِش الحلم في تحقيق هدفه.
3-دعه يختَر قدوته: وهو أن يختار أي رمز حقق ما يريد أن يحققه من أهداف.
4-اهتم بعلاقاته: فالشلة هي التي تؤثر في شخصية الأبناء واختياراتهم.
ويوضح لنا مهارات وفنون صياغة القائد، فيقول:
المهارة الأولى: اكسر سياج الآبائية، فلا تمارس نفس أساليب التعامل التقليدية؛ ونفس طرق التربية القديمة مع أبنائك. وهي تلك الأساليب نفسها؛ التي كانوا يعاملونك بها؛ فهي نفسها؛ تلك الطرق التي كنت تنبذها، وتنتقدها على والديك؛ حتى وإن كان انتقادًا سريًا!.
المهارة الثانية: مارس فنون الحوار الودي: وتحرر من هذه الحوارات المرضية؛ مثل:
1-الحوارات الباردة: وهي الحوارات التي تتم بطريقة رسمية باردة جافة، وتغيِّب عن البيوت روح المجالسة الودية!؟.
2-حوارات الدِيَكَةْ: فيكون الجو العام للحوار؛ هو الصراخ، وانعدام الاستماع والإنصات!؟.
3-حوارات الطرشان: فينشغل الأب بقراءة جريدته، أو مشاهدة برنامجه المفضل في التلفاز؛ بينما ابنه الحبيب يتحدث إليه!؟.
المهارة الثالثة: افتح الأبواب وحرر الحمائم: فلا تقع في براثن الانغلاق الاجتماعي؛ ونقصد به أن يمارس الوالدان عادة الحماية الزائدة مع الأبناء!.
المهارة الرابعة: احذر خطر السامريِّين: ونقصد حالة الضعف الرقابي الأسري؛ فيسود العائلة حالة من الانفلات والتسيب العائلي!؟.
وتذكر أن سامريًّا واحدًا أضل قوم موسى عليه السلام عندما تركهم؛ فما بالك بجيوش من السامريين تطارد أبناءنا في الشارع وفي الفضائيات وفي كل وسائل الآلة الإعلامية الجبارة؟!.
المهارة الخامسة: نظارتك أم نظاراتهم؟: فلقد قال الطاغية يومًا لأتباعه: “مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ”. [غافر 29].
وفي المجال الأسري؛ نجد أن هذه الرؤية الفرعونية؛ من الأخطاء الوالدية أيضًا؛ إذ يحاول الوالدان أن يفرضا رؤيتهما على الأبناء!.
وذلك لأن من أهم عوامل البناء الاجتماعي عند الأبناء؛ أن نعودهم حضور المجالس العامة، وتشجيعهم على الحوار وإبداء الرأي!.
المهارة السادسة: اعدل بينهم: فتجنب دومًا أن تقع في حبائل عدم التسوية؛ والتي حذرك منها الحبيب صلى الله عليه وسلم: “إن لبنيك عليك من الحق أن تعدل بينهم، كما أن لك من الحق عليهم أن يبروك”. ثم قال: “اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم”. [البخاري].
وهذا الخطأ له صور حياتية يومية عديدة ومتنوعة.
وقد تكون بعض الصور من البساطة؛ بحيث لا يلاحظها الوالدان، ولا يلاحظان أثرها النفسي المدمر. وقد تكون من الكثرة؛ لدرجة أننا جميعًا ـ وبلا استثناء ـ نقع يوميًا في بعضها، ودون أن ندري، ودون أن نستشعر خطرها على نفسيات الأحباب.
ويتمثل عدم العدل وغياب التسوية بين الأبناء في:
1-العطايا والحقوق المادية: مثل (الهدايا ـ الملابس ـ المجالسة، وتقريبه والتفسح له ـ السفر معًا ـ الميراث).
2-العطايا والحقوق المعنوية والنفسية: مثل (النظرة ـ اللمسة ـ البسمة ـ القبلة ـ الربتة ـ التشجيع).
_______________
المصدر : الإسلام اليوم