إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.
أما بعد: فيا عباد الله، أوصيكم ونفسي المقصرة بتقوى الله وطاعته، كما أمرنا بذلك الله جل وعلا فقال في محكم التنزيل: {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد، واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون}.
أيها الإخوة المؤمنون: إن ثمة حربا يواجهها العالم بأسره، تُستخدم فيها أسلحة ناعمة، تتخفى في أشكال مختلفة، تستهدف العقول، وتدمي الأكباد، وتدمر الحياة، وتجعل المرء في أسوأ حال، تُفقره في ماله، وتُشقيه في أسرته ومجتمعه، وتُهلك صحتَه، وتَسلبُ منه أعزَّ ما عليه: دينَه وعقلَه وربما عرضَه وأهلَه ووظيفتَه، إنها المخدرات مصيبة اجتماعية ودينية وصحية وأمنية عالمية، جمعت كل ألوان الوباء، فما من سوء يقع في الغالب إلا ووراءه هذا الداء العضال، يعظم أحيانًا ويصغر، وكلها ظلمات بعضها فوق بعض، سرت في المجتمعات سريان النار في الهشيم، وبذلت في مكافحتها الجهود والأموال الطائلة، ولأن بلادنا ـ حرسها الله ـ بلاد نعمة وأمن وأمان، فقد استهدفها أعداءُ الدين والإنسانية؛ لأن كل ذي نعمة محسود، ولم يعد يخفى على ذي لب كم هي الحرب شرسة ضد أمننا ومقدراتنا، التي يأتي في مقدمتها (الشباب) الفئة الأكثر استهدافًا لهذا الداء الوبيل؛ لأنه العنصر الذي يجب أن يكون الأكثر عطاء لدينه ووطنه.
لقد أفادت وزارة الداخلية قريبًا بإحصاءات خطيرة يتألم لها كل مسلم غيور، بل كل إنسان عاقل، ففي خلال ستة أشهر مضت من هذا العام فقط (1438هـ -2017م) تم ضبط أكثر من (21) مليون قرص من الكبتاجون، و(19) طن من مخدر الحشيش، و(219) كجم من الكوكايين، و(22) كجم من مخدر الشبو، وتأتي هذه الهجمة الشرسة مركزة قبيل اختبارات أبنائنا وبناتنا ـ حفظهم الله من كل سوء ـ لتدمير مستقبلهم الدراسي، وتحطيم آمالهم، وتضييع جهودهم طيلة العام!!
إنا لله وإنا إليه راجعون، ماذا يبقى للمرء إذا سُلب عقله!! هل يبقى له قلب يعي، أو جوارح تعمل، أو نفس تدرك، أو جسم يصح!! صدق من قال بأنها: أم الخبائث!
أيها المربي الفاضل: أكدت اعترافات كثير من المدمنين بأن الوالدين لم يكونا يعلمان شيئا عن تعاطي أحد أولادهم المخدرات، وكانوا يفسرون أعراض الإدمان بأمور يسيرة من الصداع ونحوه.
فإلى هؤلاء الأولياء نقول: إن الانحراف بشتى أنواعه لا يظهر فجأة، وإنما له مقدمات، ويبدأ صغيرا ثم يكبر، ولا بد أن تكون له مؤشرات!!
ومن هذه المؤشرات: بروز ملاحظات جديدة على الولد سواء أكان ذكرًا أم أنثى؛ مثل: الابتعاد عن الأسرة وتغيير مجموعة الأصدقاء السابقين، وازدياد عدد الاتصالات الهاتفية والمحادثات ولا سيما في الليل، والتخلي عن النشاطات السابقة، ووجود سرقات صغيرة أو كبيرة في المنزل، وذلك حين يضطر لتلبية رغبته أو رغبات أصحاب السوء الذي يسلكون أبشع الجرائم في إجباره على إحضار النقود بأية طريقة كانت، كما تظهر عليه آثار سيئة في نظافته العامة، وحروق صغيرة في ملابسه ويديه، ووجود شفرات أو لفافات ورق أو نقود ملوثة بالمخدر، وتكرار حوادث السير أو المخالفات المرورية.
وإن الدراسات التي قامت على شرائح من المدمنين تقول: إن أكثرهم من أسر يوجد فيها مدمن، أو من الذين يعانون من التباعد الأسري والمشكلات الأسرية، أو من الذين يرافقون أصحاب السوء وذوي السلوك المنحرف، أو من الذين يعانون من إحباطات في الدراسة والعمل، أو من الذين تتوافر لهم الأموال بلا رقيب ولا حسيب، أو من الذين يعانون من إهمال الوالدين أو قسوة أحدهما، أو من الدلال الزائد، أو من الذين لا يتوافر لديهم قاعدة من الإيمان والتربية الدينية، والتنشئة القويمة.
فلتحرص كل أسرة على وقاية بنيها من هذا الداء الوبيل؛ حتى لا يعدي بعضها بعضا، ولتكن لنا رقابة دائمة على نوعية الأصدقاء الذين يصحبون بنينا وبناتنا، فإن جليس السوء إذا كان أسيرا لآفة المخدرات، فلن يقرَّ له قرار حتى يوقع صاحبه الجديد في بلواه حسدا منه وحقدا، ولنحذرهم من تناول أية مادة يجهلونها، مهما أخذت شكلا مغريا، أو مشابها لبعض ما كانوا يتناولونه من حلوى أو نحوها، ولنسعَ بقوة في رفع معنويات أولادنا، وقربهم منا، بدل أن نكون عواملَ إحباطٍ لهم؛ بسبب سلوكنا مسلكَ الضغط والترهيب والسباب لهم حين يفشلون أو يقصرون، ولنكن حكماء متوسطين في صرف المال لهم، ولنسألهم أين يصرفون ما نعطيهم ونتأكد من ذلك، مع زرع الثقة فيهم، ولنحاول أن نكون متوازنين في تربيتنا لهم، بين العطف والحزم، ولنلتفت إلى أولادنا بالتربية والتقويم، ولا ننشغل عنهم، فإن أكثر الآباء يضيعون أولادهم بحجة انشغالهم بجمع معاشهم، أو غير ذلك.
أخي ولي الأسرة: تذكر قول الله تعالى: {إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون}، وإن المخدرات من الخمر وأشد من الخمر، فالفلاح كل الفلاح في تجنبها، وأولادنا مسؤوليتنا، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: “كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته” رواه البخاري.
إنه يجب ألا يسكت أحد الوالدين عن إبداء أسباب شكوكهما في أحد أولادهما، إذا بدت أنياب تلك الشكوك، فلو صدقت هذه الشكوك، ماذا على الوالدين أن يصنعا تجاه ولدهما المتورط؟
إن هناك عددا من الخطوات المهمة التي يؤدي اتباعها ـ بإذن الله ـ إلى إدراك الابن قبل أن يهوي إلى الإدمان:
الأولى: مواجهة الابن برفق مواجهة صريحة، نابعة من الأعراض التي ظهرت عليه، وأن يقوم الوالدان بدور الطبيب النفسي الذي يعنيه معرفة الحقائق والأسباب، وأن يشعراه بأن الإدمان مرض يسهل علاجه مبكرا.
الثانية: العرض على الطبيب المختص، والإسراع في إجراء التحاليل المخبرية المختلفة؛ لبيان حقيقة الوضع، والتي توفرها مستشفيات علاج الإدمان.
الثالثة: معاملة الابن معاملة حسنة، لكسب قلبه، دون تحقير، حتى لا يترك المجال أمام أصحاب السوء للاستحواذ على قلبه، فربما ينفر إليهم هاربا من الأسرة، والاستعانة بالله بالصبر على العلاج.
الرابعة: شرح تأثير المخدرات على أجهزة الجسم المختلفة، وآثارها الخطيرة في المستقبل، والدمار النفسي والصحي، والمنزلة الاجتماعية.
الخامسة: توجيه الابن توجيها إيمانيًا، بربطه بالمسجد بصحبة والده، وإذا تحسن وضعه يربط بصحبة صالحة، وتوفير جو خال من المنكرات في المنزل، ولاسيما ما يعرض في الأفلام والمسلسلات من صور استخدام المخدرات والتدخين، فهي من أبرز ما يغري الشباب بالإدمان.
أيها الإخوة المؤمنون: لنضع أيدينا بأيدي ولاة أمرنا الذين يبذلون الغالي والنفيس من أجل حماية شبابنا من شر المخدرات وآثارها، حيث يقدم رجال المكافحة أرواحهم زكية من أجل إحباط مخططات المروجين المفسدين.
فاللهم احفظ علينا أمننا ووطننا وشبابنا وأسرنا وعقولنا وديننا، أستغفر الله فاستغفروه وتوبوا إليه إنه الغفور الرحيم.
الخطبة الأخرى
الحمد لله، يكشف كربا، ويزيل هما، ويستر ذنبا، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا أما بعد:
فاتقوا الله عباد الله، ولنلتفت إلى هناك، وراء القضبان، لنشهد شرفاء وطيبين، تتابعت عليهم أعباء الحياة، ربما لعلاج مريض، أو رعاية مسن، أو إيجار منزل، أو نكبة من نكبات التجارة، أو نحو ذلك، فاحتاجوا إلى الدَّين، فثقل عليهم، فطالبهم أهل الحقوق بحقوقهم، فعجزوا، فأودعوهم السجون، هاهم أولاء تتابعت عبراتهم وهم يرمقون إقبال شهر رمضان المبارك عن كثب، يتخيلون تلك الأردية الجديدة التي توهب للحياة بمجرد أن يتقوس الهلال بابتسامته الجميلة، وإطلالته الرائقة على قلوب العاشقين، يتمنون أن ترق لهم قلوب الدائنين فيطلقوهم من أسر الحاجة، وقيد الوفاء الذي لا يطيقون!!
(الغرماء) أصحاب حقوق مثبتة، وأمام الغريم أن يخفف عن مدينه قليلا أو كثيرا أو إمهالا أو إعفاء، فلعل الله أن يخفف عنه يوما هو أحوج ما يكون فيه إلى التخفيف، ولعل التخفيف من المبلغ يكون فرصة للسداد، وماذا سيستفيد الدائن حين يحبس المدين المعدم؟! فلو أنه أطلقه لوجه الله تعالى لربما كان في ذلك فرص ليبحث عن سبل الحصول على المال، فيرد إليه دينه، وأما إذا أبقاه في محبسه فليس ثمة مصلحة في ذلك، بل يحرم أخاه من حياته مع أسرته، ومن مزاولة عمله، ومن عبادات كثيرة لا يتمكن منها وهو في سجنه، وربما أثر ذلك في صحته النفسية، وفي علاقاته الاجتماعية، بل وربما أثر في مكانة أسرته في المجتمع، وأحرج والديه وإخوانه وزوجته وأولاده، وضيق عليهم سبل المعيشة، أنَّ أبا قتادةَ طلب غريمًا لهُ فتوارى عنهُ . ثم وجدَه. فقال: إني معسرٌ. فقال: آللهِ ؟ قال: أللهِ. قال: فإني سمعتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ يقول: “من سرَّهُ أن يُنجيهِ اللهُ من كُرَبِ يومِ القيامةِ فلينفِّسْ عن معسرٍ، أو يضعَ عنهُ” [رواه مسلم].
وأما إذا كان الغريم قد أثقل المدين بما ليس له شرعا، وإنما هو (ربا) زاده عليه مستغلا حاجته إلى المال، فهذه فرصة قبل رمضان أن يتوب الغريم إلى الله تعالى من هذه الكبيرة، ولعله بذلك يحظى برأس ماله، فلا يظلِم ولا يُظلم {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (278) فَإِن لَّمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ۖ وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ (279) وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَىٰ مَيْسَرَةٍ ۚ وَأَن تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (280( ل[البقرة].
ونحن على أبواب الشهر المبارك أطلقت محكمة التنفيذ في الأحساء -بإذن من إمارة المنطقة الشرقية ورعاية كريمة من محافظة الأحساء، وشراكة مع جمعية البر وجمعية التنمية الأسرية بالأحساء- مبادرة جعلت عنوانها: (لموا شملي بأسرتي)، هدفها إطلاق ما لايقل عن (خمسين ) إلى (مئة ) سجين، بل إسعاد أسرهم ليلة دخول رمضان، لتكتمل موائدهم بعائلهم، الذي لم يكن مجرما، ولا متهاونا بأموال الناس، ولم يعرف بتكرار الاستدانة من أحد، وليس عليه أية سوابق مخلة بالشرف، بل يتم اختياره بعناية فائقة من خلال الباحثين الاجتماعيين في هذه المبادرة الكريمة.
إن التكافل الاجتماعي مطلب شرعي، وقد يحتاج إليه أي أحد، وإذا كانت هذه المبادرة شعبية المشاركة، فإن المتوقع من الشركات الكبرى، والبنوك والمصارف، من خلال الشراكة المجتمعية، ورجال الأعمال، وسيدات الأعمال، والأثرياء، أكثر مما يتوقع من الأفراد.
المستهدفون في هذه المبادرة هم (الغارمون) وهم من مصارف الزكاة الثمانية، وإذا كان الناس قد تعودوا صرف زكاة أموالهم في رمضان، فليعلموا بأن صرفها في شعبان هو شأن بعض السلف الصالح، ليغنوا الفقراء عن المسألة في رمضان، وأن تقديمها جائز، كيف وقد أتيحت فرصة عظيمة من فرص إعانة المسلم لأخيه المسلم: «المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يُسلمه، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة» رواه البخاري.
فلك أن تتخيل أن تكون سببًا في فرحة أم بالإفراج عن ولدها، وبهجة أطفال حرموا حضن والدهم من أجل أنه يبحث عن لقمة عيش لهم، وسعادة زوجة برجوع زوجها لها، وقد أزيحت عنه تلك القيود والسدود..الآن بادر بالكثير وبالقليل، وكن داعية لأهلك وأحبابك بكل وسيلة متاحة لديك، علمًا بأن فروع جمعية البر تستقبل إحسانكم، وعبر الصرافات على حساب المبادرة المعلن والرسمي، فما أروع أن تستقبل رمضان بالإحسان، تحسن فيحسن الله إليك، وتنفق فينفق الله عليك، وتعطي، فيبارك الله لك، وتبذل فيخلف الله عليك كل خير.
صلوا وسلموا على معلم الناس الخير ومربي البشرية على منهج الله القويم نبينا وقرة أعيننا محمد بن عبد الله كما أمركم الله جل وعلا بذلك فقال سبحانه: {إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما} اللهم صل وسلم وزد وبارك على عبدك ورسولك محمد وعلى آله الطاهرين، وصحبه أجمعين.
اللهم يا عزيز يا حكيم أعز الإسلام والمسلمين، وانصر إخواننا المجاهدين، وارفع البأس والظلم والجوع عن إخواننا المستضعفين في مشارق الأرض ومغاربها.
اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح ولاة أمورنا، ووفقهم لإصلاح رعاياهم، اللهم أيدهم بالحق وأيد الحق بهم، واجعلهم هداة مهتدين غير ضالين ولا مضلين، سلما لأوليائك حربا على أعدائك.
اللهم انصر جنودنا على الحد الجنوبي، اللهم ثبت أقدامهم، وأنزل عليهم نصرك وسكينتك، وأعدهم سالمين غانمين يا رب العالمين.
اللهم فك أسر المأسورين، واقض الدين عن المدينين، واهد ضال المسلمين، وهيئ لأمة الإسلام أمرا رشدا يعز فيه أهل طاعتك، ويهدى فيه أهل معصيتك، ويؤمر فيه بالمعروف وينهى فيه عن المنكر.
اللهم بارك لنا فيما أعطيتنا، وأغننا بحلالك عن حرامك وبفضلك عمن سواك، وأغننا برحمتك يا حي يا قيوم، واغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين واجعلنا من أهل جنة النعيم برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم صل وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.