الجمعة 27 ديسمبر 2024 / 26-جمادى الآخرة-1446

قوة التسامح وفوائده



عدم التسامح يجعل طاقة الإنسان طاقة سلبية وتفكيره سلبياً ويُرغِّب الإنسان في الانتقام ممن حوله.

التسامح ليس بينك وبين العبد ولكن هذا التسامح هو شيء بينك وبين الله تعالى وهو فرصة لتقترب من الله أكثر وأكثر، وهو يريح القلب والعقل؛ لأنّك عندما تسامح من حولك أو من يؤذيك فأنت لا تنشغل بالتفكير فيما فعله فيك وكيف آذاك وكيف تؤذيه ولكنك تسامحه فتريح القلب من الغل والحقد والحسد، وتريح العقل من التفكير فيما يرد إليك اعتبارك وماذا تفعل معه.

التسامح والغفران هما أساس الطاقة المجردة النقية، وهما أساس المستقبل المشرق لأنّك تتعلم من مشاكل الناس ما يصلح حالك مع الله ومع الناس.

هناك ما يسمى العقل التحليلي والعقل العاطفي، فالعقل التحليلي يجعل الإنسان يكتشف كيف يستخدم كلّ شيء في الوقت المناسب، لأنّه هو الذي يحلل هو الذي يتعامل بالمنطق، هو الذي يأخذ الطاقة الموجودة في العقل العاطفي ويحولها إلى معلومات ومنطق إيجابي يستخدمه الإنسان لتحقيق أهدافه، أما العقل العاطفي فهو المسؤول عن الطاقة وعن الهروب من المواقف الصعبة أو الهجوم في المواقف اللازم فيها الهجوم، ولكن ليس فيه معلومات عن أي شيء.

التسامح هو الصفاء والنقاء الداخلي فعليك بالتسامح أو لا، حتى تنظف ما بداخلك فتكون إنساناً نظيف السريرة نقي القلب والجوهر والظاهر، فعليك بالتسامح ولا تشغل نفسك بالكيد والغل والحقد حتى تفرغ طاقتك للحب ولتحقيق أهدافك وآمالك ولتنال حب الله وغفرانه.

قوّة التسامح:

يقول البعض إنّ التسامح ضعف ولكنه على عكس ما يقولون فالتسامح قوة يقول غاندي: إنّ التسامح من سمات الأقوياء.

وهذه القوة تكمن فيك لأنّك تكتم غيظك فأنت قوي لأنّك تستطيع أن تتغلب على نفسك، وأنت قوي لأنّك تستطيع أن تقف في وجه مَن ظلمك ولكنك تسامحه لأنّ الله طلب منك هذا فأنت قوي بقدرتك على طاعة الله والخوف من عقابه.

فوائد التسامح:

1-  روحانياً أنت بالتسامح قريب من الله من عفو الله قريب من الناس من حولك وعندما يأتي عليك الليل وأنت متسامح مع الكلّ فأنت تجهّز نفسك إذا مت لرضوان الله عنك.

2-  صحيّاً أنت بعدم التسامح تجعل المعدة تخرج أحماضاً، هذه الأحماض تؤذي المعدة حتى أنّ العلماء أخذوا هذه الأحماض ووضعوها في طعام الفئران، فماتت فهذه الأحماض تؤذي المعدة وتؤذيك صحياً.

كذلك العقل فهو دائماً مشغول بعدم التسامح وكيف تؤذي هذا الشخص وكيف تقف في وجهه، فهو دائم التفكير مما يجعلك عصبياً جدّاً ويجعلك دائماً متذمراً متضايقاً سريع الغضب.

كانت هناك قصة تحكي في موضوع التسامح ولكنها حقيقة.

بكندا كان هناك أحد الأطباء المقيمين هناك فجاء في يوم وهو حزين فسُأل: ماذا بك؟ فقال: فلان أخذ مني مالاً كثيراً ولم يرده لي، وقد دفعت أضعافاً مضاعفة لأسترد هذا المال. فقيل له: فهل تسامحه أفضل؟ فقال: لا أسامحه أبداً. وقيل له أيضاً وماذا تستفيد من ذلك؟ ففكر الرجل وبعد 12 يوماً يقول: سوف أسامحه.

فانظر ماذا حدث له… فتح الله عليه فغادر إلى بلده ثمّ أتته وظيفة في الجامعة وفتح عيادة خارجية وبدأ يظهر في برامج في التلفزيون، وكانوا في التلفزيون يعطونه نفس المبلغ الذي أخذه منه هذا الرجل، وفي الجامعة نفس المبلغ، ثمّ فتح مركز تدريب.

والمفاجأة أنّ الرجل بعد ستة أشهر أتى للدكتور وأعطاه المبلغ الذي أخذه منه وقال له: أنا كنت أعاندك لأنّك أتعبتني كثيراً وقمت بما لا أحب من أعمال، ولكن هذا مالك وأنا لا أقبل المال الحرام لأني أخاف الله.

عندما تصلي ادعُ لمن ظلمك أو أساء إليك ولا تدعُ عليه فلعل الله يهديه بدعائك فتأخذ أجر هدايته وأجر أعماله الصالحة، يقول النبيّ (ص): “لأن يهدي الله بك رجلاً خيراً لك من حُمُر النَّعَم”.

التسامح علاج لقصور الماضي وعون في المستقبل:

إذا لم تسامح الماضي فستظل تحمله طيلة حياتك فوق أكتافك فإذا لم تسامح الماضي وتتعلم منه فأنت المخطئ وسوف تظل في مكانك واقفاً ولن تتقدم للأمام خطوة واحدة، وكم من الناس ظل بسبب موقف في الماضي يتحسر طيلة حياته ولم يتقدم خطوة للأمام ويرثى هذه النكبة طوال العمر.

كان هناك أخوان يمشيا بجوار البحر، فالأخ الصغير نزل ليعوم في البحر ولم يكن يستطيع العوم وظل الكبير يلاحظه وعندما بدأ يغرق وقف الأخ الكبير مكتوف اليد لأنّه لا يستطيع العوم ولا يستطيع أن ينقذ أخاه وظل على ذلك حتى مات أخوه الصغير وقال لن أسامح نفسي على ما حدث طيلة العمر.

وهنا اسأل نفسك: إذا حدث ذلك مرّة أخرى فسوف تتعامل مع الموقف بهذه الطريقة؛ أكيد لا، لأنك تعلمت من الماضي وأخذت من تجارب الماضي ما يعينك على المستقبل فلا تحزن على ما فات وابدأ من جديد وتوكل على الله وتب إليه عن الماضي فلعله يسامحك.

وهنا تُحكى قصة أخرى:

كان هناك أخوان يمشيان في الصحراء اختلف الكبير مع الصغير فضرب الأخ الكبير الصغير فبكى الصغير وكتب على الرمل؛ أخي الكبير ضربني اليوم، ثمّ مشوا معاً في بقية الطريق وكان قد بلغ العطش منهم مبلغاً كبيراً فرأى الأخ الصغير واحة فرمى نفسه فيها ليشرب وكاد يموت فرمى الأخ الكبير بنفسه وأنقذ حياة أخيه الصغير، فجلس الأخ الصغير على صخرة كبيرة وأتى بصخرة صغيرة وكتب على الصخرة الكبيرة أخي الكبير أنقذ حياتي اليوم.

فسأله الأخ الأكبر عندما ضربتك كتبت على الرمل وعندما أنقذت حياتك كتبتها على الصخر فلماذا، فرد الأخ الأصغر وقال عندما يعاقبني أخي الكبير على شيء فعلته خطأ أكتبها على الرمل حتى تأخذها الرياح فتمحوها وأسامحه ولكن عندما ينقذ أخي الكبير حياتي فأكتبها على الصخر حتى تبقى منحوته في قلبي مدى الحياة. ►

المصدر: كتاب الطريق إلى النجاح/ سلسلة النجاح (12)

تصميم وتطوير شركة  فن المسلم