الثلاثاء 26 نوفمبر 2024 / 24-جمادى الأولى-1446

قلها.. أحبك



(أحبك) هل سمعت هذه الكلمة من والدك؟ من أمك؟ من أخيك، من أختك، من زوجتك.. من ابنك أو ابنتك .. وهل أسمعتهم إياها ولو مرة.. أم أنت من الفائزين بنعيمها، فهي على لسانك صباح مساء؟
كثير من الناس يسمعها من الآخرين أكثر من الأقربين، بل لقد ذكر لي مئات الرجال أنهم لم يسمعوها طوال حياتهم من أقرب الناس إليهم!!

بينما تشيع لغة الحب في الفنِّ الهابط؛ رواية وأغنية وفيلما، تتصحَّر كثير من البيوت، فلا تكاد تسمع فيها همسة مشاعر، ولا نأمة روح، فليس ثمَّة سوى صراخ وعويل، وضرب وسباب، حتى التعبير عن (الحب) أحيانا، لا يأتي صافيا رقراقا، بل مكدرا جافيا، مخلوطا باللوم والشجار، والتذكير بكشف حساب طويل عريض من التقصير.

هل يكفي أن أحبَّ، دون الحاجة إلى التعبير؟
أليس على المحبوب أن يدرك حبي له، دونما حاجة أن أقول له: (أحبُّك)؟
هل (الحبُّ) ثابت، بحيث لا يحتاج إلى تجديد، وهل هو لازم، بحيث يطمئن المحبوب أنه لن يفقد محبة من أحبّه؟
هل الرجل مثل المرأة في تلقي كلمة (الحب)، والحاجة إلى تكرار الاستماع إليها؟
هل (الحب) معنى ثانوي؛ حتى يمكن الاستغناء عنه؟ أم أنه ذلك الإكسير الذي تهتز له الحياة، فتنبت وتربو وتستيقظ بعد سبات، بل تحيا بعد موات.
لماذا تتصحر بعض القلوب، فلا تنبض بغير الحجارة أو هي أشد قسوة؟!
أليس ذلك حرمانا حقيقيا من لذّة الحياة؟ من جماليات لا يمكن أن توجد في كوكب آخر؟
(الحبُّ) روضة فينانة، وقلوب كبيرة، وأعينٌ تفيض بالحنان.
(الحبُّ) حقيقية كونية، والحاجة إليه حاجة وجود بشري، وحاجة نفسية في حقِّ الذات، تبقى تنزُّ وتتلوَّى حتى تُسقى، وتُرعى، وتكبر.
بين الرب وعباده (حب)، عبر الله عنه بالقول؛ فقال عزَّ وجلَّ: «يحبهم ويحبونه»، وبين الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأمته (حب)؛ عبر عنه بالبكاء؛ كما في صحيح مسلم: فقال الله تعالى في الحديث القدسي: «إنَّا سنُرضيكَ في أُمَّتكَ ولا نَسُوءُكَ». وقد عبر المحبون لله ولرسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بألوان من الأدب الرفيع؛ شعرا ونثرا، منذ بزوغ شمس الإسلام، إلى اليوم.
وبين الإنسان ووطنه وشيجة (حبّ)، لا يمكن أن تنفصم مهما ابتعد أو أُبعِد، في الحديث يقول الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ: «إنَّكِ لأحبُّ أرضِ اللهِ إلى اللهِ، ولولا أنَّ قَومي أخرَجوني مِنكِ ما خَرجتُ».
وبين أفراد الأسرة الواحدة (حبٌّ)، كان يجب أن يعبروا عنه بأية صورة من صور التعبير الجميل، إذ لا يكفي أن أحبَّ، بل يجب عليَّ أن أعبر عن هذا الحبّ، فمحبوبي لا يدرك أنه محبوب دون التعبير له بذلك، إذ كيف سيعلم ما يجري في داخلي؟ وكيف يعلم بأني على الودّ باقٍ، بل كيف سيعرف مقدار حبي له.
هناك فرق بين حبِّ الإنسان والموقف من سلوكه، فأنت تحب ولدك، وقد تبغض فيه سلوكا ما، فلا يؤثر هذا البغض العارض في ذلك الحب الثابت.
وهناك فرق بين التعبير عن الحب لدى الرجل الذي يميل إلى التعبير العملي، وبين التعبير الأنثوي حيث تميل المرأة إلى التعبير اللفظي، وتترقبه بشغف، وتتأثر جدا لسماع ألفاظه، وهنا مكمن الخطورة، إذا لم يفهم الآباء والأزواج هذه المعادلة!!

Dr_holybi@ تويتر

 

 

تصميم وتطوير شركة  فن المسلم