الأثنين 25 نوفمبر 2024 / 23-جمادى الأولى-1446

قبل أن تنتحر: كلمات عابرة إلى إنسانيتك.



لم أكن أعتقد أن عدد حالات الانتحار في العالم قد تصل إلى أكثر من 800 ألف في العام، وفي كل 40 ثانية هناك شخص ينتحر في مكان ما.. مما يتفق مع الحقائق، التي سجلت سابقا بأن شخصا واحدا على الأقل يحاول التخلص من حياته كل ثلاث ثوان . قرأتها أرقاما إنما هي تتحدث عن إنسان في مكان ما ضاع من بين أيدينا وسلمناه لعجزه وضياعه ثم قلنا انتحر هكذا ولم نفكر لحظة.

فالله عز وجل يعلمنا أننا جميعا ً ضعفاء وهذا الضعف يتلون ويتشكل في أجزائنا وأبعادنا فكان التخفيف أولى من التأديب في حالة الضعف (… يريد الله أن يخفف عنكم وخلق الإنسان ضعيفا…) من القرآن الكريم وفي المسيحية نصائح تصغر أمور العالم لأنها مهما تضخمت أمامنا الأشياء فهناك ما هو الأفضل (.. والذي ينتسب لأمور العالم الحقيرة يصغر معها).

حتى غاندي كان عندما تستعصي عليه مسألة فكان يلجا لكتابه المقدس حسب عبادته ويبحث عن آية من النور في داخله لتعينه. الله ينظر للنية ويعين النفس المخلصة التي تريد تنفيذ وصيته. من هنا أيها الناوي للانتحار اجعل لي فرصة للتحدث معك ثم فكر قليلاً وقلب الموضوع في ذهنك أنت حر في الاختيار ..

سأتحدث عن مشاعرك ومعاناتك ونيتك ربما أستطيع لتتمكن أن تضعها على الطاولة وانظر إليها وإليك القرار.. ربما خيارك الداخلي للانتحار طفا فوق السطح ونشطت نيتك في ظروف صعبة فلم تجد إلا هذا الخيار الوحيد ( الانتحار) فتمهل معي.. فأنت فقدت الاهتمام والسرور وانزويت وفقدت الأمل وأصابك اليأس وشعرت بالكآبة، أو ربما فقدت القدرة على المبادرة وانخفضت مستوى قدراتك وأحسست بتشويش في تفكيرك، أو واجهت صعوبات في علاقاتك الشخصية والاجتماعية أو فقدتها ولم تحافظ عليها، أو ربما أصبحت لا مبالي وانعدم من داخلك الطموح والأمل لأن الهموم جعلتك تبكي على الماضي الأليم ويحاصرك الخوف من المستقبل، وأصبحت تصيح وتتأوه من أوجاع الحاضر. وشعرت أن الآخرين لا يقبل بك إما لضعفك الجسدي أو المالي أو الطبقي أو التعليمي، أو ربما فشلت في دراستك ولم تجد مهنة تناسبك أو في حبك أو ربما لديك الكثير مال وجاه وعز إنما الفراغ يأكل من حياتك أو ربما تحب الحياة ولا تريد الموت إنما جانب الاستسلام أقوى عندك وأخيرا أو تشعر بالذنب ربما تسمع لأولئك الذين يدعونك للانتحار فكيف تصدقوهم.

أيها الإنسان أينما كنت ضع على طاولتك ورقة جديدة مع الأوراق السابقة لا يهم واذكر بها هدفاً جديدا مهما صغر أو كبر حتى ولو كان برنامج لتنظيف غرفتك امنح الهدف الجديد فرصة للعيش عن طريقك أنت لا تنتظر من أولئك الذين خذلوك أن يستحقوا مساحة من الذهن تدفعك لعدم التحمل، بل ضع نية جديدة وتبدأ من عبارة الحياة هبة من الله تستحق أن نعيشها أو إذا أردت فقل أنا أستحق العيش من جديد..

فلقد فشل( أخفق ) أديسون في هدف واحد 999 مرة ولم ينتحر وأنا أعتقد أن تجاربك التي تعتقد أنها فاشلة لم تصل لهذا الرقم لان كلمة الفشل هي في قواميس من يريدون منا هذا بل هي تحديات واختبارات على معرفتنا ونوايانا وأبعادنا. ورقتك الجديدة ضع عليها لونا منك وهو إني أثق بنفسي وتأكد هنا الإرادة للعيش تنبع فأنت تستحق الحياة مهما كانت تتلون وتتقلب هي (الدنيا) تريد ذلك فأنت تعاكسها لأن شجاعتك وقوتك تمدك بالاستمرار فلعبتها بالتقلب مع أي شخص ليست أنت فقط ولو اختلف أسلوبها.

أما مشاعرك السلبية ابحث عن تفريغها وأنت المسئول وهذا أيضا هدف جديد لأن الأرض هي أم الجميع والسماء مظلة الجميع فانبذ أفكارك الانتحارية ويكفيها أنها كانت في داخلك كالحب الفاشل فكرامتك تسبقك وتقول له اخرج من أي باب فأنا قادر على التجديد ولا تصدق أفكار الدونية لأن الجبل فوقه ما هو أخف منه إنما هو فوقه السحاب والعصفور والنسر… الخ.

فنحن خلقنا أطيافا قبل ثقل الجسد لكي نحلق بالكون الفسيح في عقولنا ونبحث عن أهداف وجودنا لأن امتدادنا ليس فقط جسدا ووعاء فنحن عقل ونفس وروح تروح إلى الأعماق وتغوص في الأكوان تسرح في الممكن والمحتمل تشرب من لذة ما وراء المعرفة ليأتي اليوم الذي نعرف. فما الموت إلا حلقة للوصول إلى برزخية الوجود ثم الوقوف على الجنان. نعم نحب الحياة وملحها كثير..

نعم نرغب الحياة وجراحها غادرة فلا بأس، لا بأس، فلقد أتينا لها ولكن أتينا لنسافر عبر تجاربها المتنوعة ، نسافر من قاطرة إلى أخرى رغم أن دخان القاطرة ربما يخنق … لا بأس هو تعب جسد..

إنما القاطرة تسير أو ربما تتوقف قليلا ليصلح العطب وإزالة أسباب الشوائب .. إنما الروح والعقل تمتطي النفس والجسد وتقول له رويدا وارفق بنفسك … أنت مكتوب في الأقدار ومكتوب في الأسرار ومكتوب في اللوح المحفوظ فاصبر قليلا.. في أيامك القادمة على كوكبك الأرضي وفي يوم سرمدي يوم نقف به أمام العلي، أمام جمال لا يوصف ولا يحاط بعقل ولا يخطر على بال البشر يوم نلقى الله عز وجل.. هذه الأيام لا تستحق أن تنتحر لأنها آتية ..المستقبل أنت تكتب به خروجك إما منتحرا وإما خروج بسلام إلى رحلة العودة الأصلية هناك …

ربما لم اكتب إليك أيها المغادر بقرار من ذاتك .. لكي اقرأ في صحف الغد انك تنتحر بل اكتب لأنك إنسان من أبعاد اعتقدت بقولهم أنك فاشل ورسخوا فيك هذا المعتقد فصدقت …ونفذت قراراهم وليس قرارا من داخلك لإن بداخلك بعد لم تكتشفه وأغلقت الأبواب وركضت نحو باب الانتحار … فحيرتك حجبت أبوابا اخرى … سؤالي لك قبل أن تنتحر هل هؤلاء الذين قرروا أنك فاشل لم يمروا بتجارب أخفقوا بها …ربما لم يذكروها لك ولم تعرفها أنت … فمن هو الواقعي ومن هو خارجه … الواقعي هو الذي يعرف أنها إخفاقات مرت بحياته وامتحنت القدرة على المضي أو التوقف ..وكلنا علينا أن نمر بها بأشكال وقوالب ومواقف مختلفة…

أتعرف من خارج الواقع؟ الذي يعتقد أن الفشل سمة تطرح على غيره وبسهولة نقدمها لهم فيصدقه من حوله … وربما أنت صدقت وكنت منهم … فلنعد إلى أن الحياة نبضات قلب تتنوع بين إيقاعاتها بين إيقاع الفرح والحزن والأمن والخوف.
إنما يبقى القلب يخفق بنبضاته المتنوعة لأنه قرر الاستمرار … فكم مرة قدت سيارتك والطريق حسب معتقدك أنت فاشلة في موادها وتموينها وحصاها .. الخ إنما قررت أن تكمل الطريق في سيارتك لتصل إلى زيارتك أو عملك … الخ فلماذا نقبل أن يفشل الآخرون وعندما نختبر بالفشل نقرر أن ننتحر …

لن أقول لك وداعا وتصبح غدا خبرا يقرأ في صفحات الأموات بل قررت أن أقول لك ارفق بذاتك فهناك بداخلك ما لم تعرفه عن نفسك فتمهل قليلا لتكتشف أنك تنجح بالاكتشاف …

تصميم وتطوير شركة  فن المسلم