ومَن تأمَّل قولَ الصِّدِّيقةِ وقد نزلت براءتُهَا، فقال لها أبواها: قُومى إلى رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم، فقالت: ( واللهِ لا أقومُ إلَيْهِ، ولا أَحْمَدُ إلا اللهَ )، علم معرفَتها، وقوةَ إيمانها، وتوليتها النعمة لربِّها، وإفرادَه بالحمد في ذلك المقَام، وتجريدَها التوحيد، وقوةَ جأشها، وإدلالَها ببراءة ساحتها، وأنها لم تفعل ما يُوجب قيامَها في مقام الراغب في الصُّلح، الطالب له، وثقتها بمحبة رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم لها قالت ما قالت، إدلالاً للحبيب على حبيبه، ولا سيما في مثل هذا المقام الذي هو أحسنُ مقامات الإدلال، فوضعتهُ موضِعَه، وللهِ ما كان أحبَّها إليه حين قالت: ( لا أحْمَدُ إلا الله، فإنه هو الذي أنزل براءتى )، ولله ذلك الثباتُ والرزانةُ منها، وهو أحبُّ شئ إليها، ولا صبرَ لها عنه، وقد تنكَّر قلبُ حبيبها لها شهراً، ثم صادفَتِ الرِّضى منه والإقبال، فلم تُبادِرْ إلى القيام إليه، والسرور برضاه وقربه مع شدة محبتها له، وهذا غايةُ الثبات والقوة.
المصدر : كتاب زاد المعاد في هدي خير العباد _ موقع نداء الإيمان لكل المسلمين