الأحد 22 ديسمبر 2024 / 21-جمادى الآخرة-1446

فطام الطفل.. توقيته مهم جدا



 

فطام الطفل.. توقيته مهم جدا

لا شك في أنّ الرضاعة هي تجربة سارة للأُم. ولكن هذا لا يعني أن عليها الاستمرار في إرضاع طفلها لمدة تزيد على السنة، أو السنتين كحدٍّ أقصى. 

إذا أراد الطفل أن يأخذ المبادرة ويتوقف عن الرضاعة، على الأُم ألا تعتبر أن في ذلك رفضاً لها، فهو يرفض مرحلة الطفولة التي كبر عليها، ويرغب في التقدم نحو الاستقلالية. ومهما يكن الأمر مزعجاً للأُم، عليها أن تدرك أن على طفلها اتخاذ مثل هذه الخطوة يوماً ما. من الناحية المثالية، يستمر الطفل في الرضاعة إلى أن يصبح في عمر يستطيع فيه الاستغناء عن حليب الأُم. أي عندما يفطم نفسه بنفسه. أما من الناحية الفعلية، تبدأ عملية الفطام منذ لحظة تقديم أطعمة للطفل غير حليب الأُم.

يجب أن يكون الفطام عملية وليس حدثاً. أي يجب أن يحدث تدريجياً وليس فجأة، فربما تستغرق عملية الفطام أياماً، وأسابيع، أو أشهراً. في جميع الأحوال، على الأُم أن تتجنب دائماً الفطام الفجائي، وذلك لمصلحتها ومصلحة طفلها أيضاً. فإذا توقفت الأُم فجأة عن إرضاع طفلها، يحتقن الحليب في ثديها فيلتهب، أو يتحول الحليب الذي يجمد في ثديها إلى دُمّل، كما تهبط مستويات الهرمون في جسمها فتصاب بالاكتئاب، إضافة إلى الآلام الشديدة التي تعانيها، كما أنّ الفطام الفجائي يسبب صدمة عاطفية للطفل، لأنّ الرضاعة تمنحه الشعور بالحميمية نتيجة التصاق جسده بجسد الأُم. وبما أنّ الرضاعة ليست مصدر طعام للطفل فقط، لكنها مصدر للأمان والراحة العاطفية أيضاً. لذا، فإنّ التوقف عنها فجأة يمكن أن يُزعج الطفل جدّاً ويقلقه. إذ من المستحيل الشرح للطفل لماذا لم يعد في إمكانه الرضاعة فجأة، إضافة إلى أنّ الفطام التدريجي يسمح للأُم بإيجاد وسائل أخرى غير الرضاعة (العناق، حمله في حضنها، اللعب معه… إلخ) تستطيع من خلالها التعبير للطفل عن اهتمامها به، وأن تعوضه عن الحميمية التي يفتقدها.

من خلال كل ما تقدم، فإنّ لإطالة مدة الرضاعة فوائد عديدة جدّاً، في حين أن للفطام المبكر فوائد محدودة جدّاً. إن إرضاع الطفل لمدة سنة أو أكثر فيه الكثير من المنافع للأُم والطفل معاً. فإذا قررت الأُم الاستمرار في إرضاع طفلها إلى أن يفطم نفسه بنفسه، عليها أن لا تستمع لكل ما يقال لها حول هذا الموضوع. إذ يمكن أن يقال إن طفلها سيستمر في الاعتماد عليها كلية حتى بعدما يكبر. وهذا كلام غير صحيح إطلاقاً. فقد دلت معظم الدراسات التي أجريت بهذا الشأن، على أنّ الأطفال الذين أُرضعوا لفترة طويلة هم الأقل اعتماداً على الأهل، لأنهم يكونون قد حصلوا على احتياجاتهم من الشعور بالأمان عندما كانوا أطفالاً رضعاً، ويميلون إلى الانفصال عن الأُم بسهولة أكثر، ويستطيعون إقامة علاقات ثابتة ومتينة بسهولة أكبر.

إن توقيت الفطام مهم جدّاً. وبما أنّ الأُم هي خير من يعرف هذا المخلوق الصغير، وتعرف متى يكون مستعداً للفطام والانتقال إلى مرحلة جديدة من العلاقات معها. لذا، يمكنها اتخاذ مثل هذه الخطوة في الوقت المناسب لها ولطفلها. فإذا لم يكن الطفل سعيداً، وكانت الأُم تعاني ضغطاً شديداً، ولم تكن تستمتع بالوقت الذي تمضيه في إرضاع طفلها، عليها أن تبدأ حالاً في فطامه. إذا استقر رأي الأُم على الفطام المبكر، لأن ذلك أفضل لها ولطفلها، عليها أخذ النصائح التالية في الاعتبار:

  1.  أن تحاول فطام الطفل تدريجياً، وذلك بحذف وجبة واحدة كل يوم وعلى مدى أيام عديدة، لتسمح لحليبها بأن يخف تدريجياً. بعد أسابيع قليلة، عليها أن تكتفي بإرضاع طفلها مرتين في اليوم فقط، واحدة في الصباح عند استيقاظه، والأخرى قبل النوم في المساء. وإذا لم تكن الأُم في عجلة من أمرها، يمكنها أن تستمر في إرضاع طفلها هاتين الوجبتين لمدة أسبوع أو أسبوعين آخرين.
  2.  أن تسأل الطبيب عن الحليب البديل يجب إعطاؤه للطفل. وبما أنها لا تستطيع إعطاء طفلها حليب البقر قبل أن يكون مستعداً لتناوله، في العادة لا يستطيع الأطفال شرب حليب البقر إلا بعد بلوغهم السنة من عمرهم، فمن المهم إيجاد الحليب البديل المناسب. وبما أنّ المص ضروري للطفل لتقوية عضلات الفم، يمكن للأُم أم تقدم له البديل عن ثديها (قنينة أو مصاصة). قد يمص الطفل إصبعه، وهنا على الأُم أن لا تحاول منعه، لأنّه عندما يمص إصبعه فهو يعمل على تهدئة نفسه بنفسه. إضافة إلى ذلك، فإنّ الطفل الذي يمص إصبعه ينام أفضل من الأطفال الذين يعتمدون على المصاصة أو القنينة.
  3.  على الأُم أن تضم طفلها إلى صدرها دائماً. قد يميل بعض الأُمّهات إلى تجنب معانقة أطفالهنّ بعد الفطام، بحجة أنّ الأطفال يربطن الرضاعة بالمعانقة. ومع ذلك من المهم أن تضم الأُم طفلها إلى صدرها، بحيث يلامس جسدها جسده. فمثل هذه الملامسة لن تؤثر في فطام الطفل أبداً، بل تمنحه الشعور بالراحة والأمان اللذين يحتاج إليهما بعد الفطام، لأنه لو تُرك الخيار للأطفال لفَطَم معظمهم أنفسهم تدريجياً منذ اللحظة، التي تقدم فيها الأُم طعاماً جامداً لهم.
  4. على الأُم أن تحرص على تقديم ما يكفي من طعام وشراب لطفلها، حتى لا يشعر بالجوع أو العطش، فيطالب بإرضاعه. ويجب ألا يغيب عن بالها أنّ الطفل لا يرضع لشعوره بالجوع فقط، بل لأسباب أخرى عديدة، من بينها شعوره بالملل، أو الحاجة إلى الراحة العاطفية، أو إلى النوم، فإذا كان لطفل يريد أن يرضع لأنّه يشعر بالملل، عليها أن تلهيه بوجبة خفيفة، أو أن تخرج به من المنزل، أو أن تلعب معه، أو تقرأ له قصة.
  5. على الأُم إشراك الأب في عملية الفطام. مثلاً إذا قام الطفل من نومه ليلاً، على الأب أن يقوم هو بوضعه في فراشه والبقاء إلى جانبه إلى أن يعود إلى النوم، أو أن يحمله من فراشه عندما يستيقظ في الصباح بدلاً منها، وأن يحاول تقديم طعام الفطور له. أما في حال رفض الطفل كل محاولات الأب، على الأُم أن تستمر في إرضاع طفلها رضعتي قبل النوم والصباح، لأسابيع أخرى بدلاً من إجباره على الفطام.
  6. على الأُم إرضاع طفلها بما يتناسب مع وقتها وليس بناء على طلبه، وأن تقلل من مدة الرضعة. ولضبط الوقت، يمكنها الاستعانة بساعة منبّه وتحديد المدة قبل البدء في إرضاع طفلها، لتتوقف عن إرضاعه بإبعاده عن ثديها، عند سماح جرس المنبه. ثمّ عليها بعد فترة قصيرة تقليل المدة من خمس دقائق مثلاً إلى أربع ثمّ إلى ثلاث… إلخ. بعد فترة قصيرة سيتوقف الطفل عن الرضاعة لوحده عند سماعه صوت المنبه.

متى تبدأ الأُم فطام طفلها؟ ينصح معظم التربويين بأن تستمر الأُم في إرضاع طفلها إلى أن يصبح في الشهر السادس من عمره، ثمّ تبدأ في إعطائه طعاماً جامداً إلى جانب حليبها، إلى أن يصبح في عمر السنة. يرى بعض خبراء التربية أن أفضل وقت لبدء الفطام هو بعد بلوغ الطفل السنة من عمره. فالطفل يستطيع التكيف مع التغيير بسهولة أكثر في هذا العمر. ولأنّه يكون قد بدأ في تناول الأطعمة الجامدة فمن الطبيعي أن يفقد الرغبة في حليب الأُم. وبذلك يخف اعتماده عليه كمصدر وحيد للطعام، ويخف بالتالي حليب الأُم. (إذا استمر الطفل في الرضاعة حتى عمر السنتين، يصبح أكثر تمسكاً بحليب الأُم وأقل استعداداً للتخلي عنه).

الفطام لا يعني بالضرورة الانقطاع التام عن إرضاع الطفل. بعض الأُمّهات يخترن فطام الطفل خلال النهار وإرضاعه في الليل، نظراً إلى انشغالهنّ بالعمل خارج المنزل. وبينما يفطم بعض الأطفال أنفسهم قبل أن تعتزم الأُم فطامهم، فإنّ البعض الآخر يقاوم الفطام عندما تستعد الأُم لفطامهم.

يصبح الفطام أسهل إذا تناول الطفل حليباً من مصدر غير صدر الأُم. لذا، على الأُم أن تحاول إعطاء طفلها قنينة حليب من حليبها بين حين وآخر، حتى لو كانت تنوي الاستمرار في إرضاعه، فهذا يساعدها على فطام طفلها بسهولة أكبر في ما بعد، كما يسمح أيضاً لبقية أفراد العائلة بإطعام الطفل، فيسهل على الأُم تركه مع أي شخص بالغ غيرها في حال اضطرت إلى ذلك.

إذا قررت الأُم فطام طفلها قبل بلوغه السنة، أو إذا خف حليبها ولم يعد في إمكانها إرضاعه، عليها إعطاؤه حليباً غنياً بالحديد. في هذه الحالة، عليها استشارة الطبيب ليصف لها الحليب المناسب لطفلها. وإذا كان عمر الطفل سنة عند الفطام، عليها إعطاؤها الحليب في الكوب بدلاً من القنينة.

قد يرغب بعض الأطفال الاستمرار في الرضاعة إلى أن تقرر الأُم فطامهم، بينما يُصدر البعض الآخر إشارات تدل على استعدادهم للفطام، ويعبّرون عن هذه الرغبة بطرق مختلفة. مثلاً، قد يتحرك الطفل كثيراً أثناء الرضاعة، أو يكتفي برضعة أقل من المعتاد، وقد يبدو البعض منهم لاهياً عن الرضاعة، لذا فإنّهم يستغرقون وقتاً طويلاً، وهم يرضعون، مهما تكن كمية الحليب التي يأخذونها قليلة.

– الإعداد للفطام:

يجب أن تتم عملية الفطام بالتدريج، كي تتمكن الأُم والطفل أيضاً من التكيّف مع التغيير الجسدي والعاطفي. يمكن أن تحذف الأُم رضعة واحدة في الأسبوع، إلى أن يصبح في إمكان طفلها تناول كل ما يحتاج إليها من الحليب بالقنينة أو الكوب. إذا كانت الأُم ترغب في الاستمرار في إعطاء طفلها حليباً من حليبها، عليها أن تسحب الحليب من صدرها باستمرار حتى لا يجف. أما إذا أرادت فطامه نهائياً عن حليبها، عليها التخفيف من عدد الرضعات. يمكنها البدء في التوقف عن إرضاعه ظهراً، لأن وجبة الظهر هي الأقل، من حيث الكمية، والأنسب من حيث التوقيت، خاصة إذا كانت الأُم عاملة. معظم الأُمّهات يتركن وجبة الليل للنهاية لأنّها تساعد الطفل على النوم.

طريقة أخرى للفطام، هي أن تترك الأُم القرار للطفل وحده. فما إن يبدأ الطفل في تناول ثلاثة وجبات من الطعام الجامد في اليوم، إضافة إلى الوجبات الخفيفة، تخف حاجته إلى حليب الأُم يوماً بعد يوم في الغالب، وبذلك تسهل عملية الفطام.

– تيسير عملية الفطام:

لتيسير عملية الفطام على الأُم والطفل أيضاً يجب:

  1. على الأُم إلهاء طفلها بأي نشاط خارج المنزل، خاصة في الأوقات التي كان معتاداً على الرضعة اثناءها.
  2. أن تتجنب الجلوس في المكان نفسه التي كانت تجلس فيه عادة أثناء إرضاع طفلها، أو أن ترتدي الملابس نفسها.
  3. عليها تأجيل الفطام إذا كان طفلها يحاول التكيف مع تغير آخر طرأ على حياته. مثلاً، من غير المستحب أن تبدأ الأُم في فطام طفلها بعد الانتقال إلى منزل جديد مباشرة، أو إذا كان مريضاً.
  4. إذا كان عمر الطفل يقل عن سنة، على الأُم أن تحاول إعطاءه قنينة أو كوب حليب غير حليبها، في وقت الرضعة التي تُقرر حذفها. أما إذا كان عمره يزيد على السنة، عليها إعطاؤه جبة طعام خفيفة، أو كوباً من الحليب أو العصير، أو أن تكتفي بضمه إلى صدرها.
  5. على الأُم إحداث تغيير على برنامجها اليومي لتتفرغ لطفلها في هذه المرحلة، وتلهيه عن الرضاعة باللعب معه، أو قراءة قصة له، أو اصطحابه إلى حديقة عامة.
  6. إذا بدأ الطفل في اللجوء إلى وسائل أخرى، لتساعده على الشعور بالراحة، مثل مص الإصباح أو التعلق بلعبة ما أو بغطائه، على الأُم أن لا تحاول منعه. فقد يهدف الطفل من وراء هذه الوسائل إلى التكيف مع التغيرات العاطفية الناتجة عن الفطام.

في جميع الأحوال، عندما تبدأ الأُم في فطام طفلها، عليها أن تدرك أنه يحتاج إلى وقت كافٍ ليتأقلم مع المرحلة الجديدة، وليعتاد على تناول الحليب بالكوب. لذا عليها أن تكون صبورة أثناء اكتشاف طفلها الأطعمة الجامدة.

تصميم وتطوير شركة  فن المسلم