فضل اغتنام الفرص في العمل الصالح
الشيخ عبدالله بن صالح القصيِّر
الحمد لله…
أما بعد:
فقد ثبت في الحديث الصحيح أن الله تعالى قال: ((وما تقرَّب إليَّ عبدي بشيء أحبَّ إلي ممَّا افترضتُ عليه))؛ فتقرُّبُ العبدِ إلى الله تعالى بأداء ما أوجَب عليه مِن الطاعات، وَتَرْكِ ما نهَى عنه مِن المحرَّمات هو أحبُّ شيءٍ إلى الله تعالى، وأعظَمُ أسبابِ حبِّه، والفوزِ بكريمِ ثوابه، والنجاةِ مِن أليمِ عقابه.
وينبغي أن يقُوم العبدُ بوظيفة العبودية لله تعالى وهو في غاية من السرور والاغتباط بفضل الله تعالى عليه؛ أن شرَح صدرَه لذلك؛ إذ جعَلَه مِن الذين يَتعبَّدون له بشريعة القرآن، وعلى نهج المصطفى – صلى الله عليه وسلم – فذلك أعظَم مفروحٍ به؛ قال تعالى: ﴿ قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ﴾ [يونس: 58].
ومن المهم جدًّا أن يُدرِك المسلمُ العاقلُ أن الشباب، والنشاط والعافية في البدن، والأمْن في الوطن، وتوفُّر قوتِ اليوم والليلة، والأمْن مِن الفِتَن، كلها نِعَم جُلَّى، وهي عَوَارٍ مردودة؛ ينبغي أن تُغتَنم في طاعة الله تعالى؛ وخصوصًا جنس الفرائض مِن النوافل والسُّنن.
فإن في ذلك فوائد كثيرة منها:
1- أن النوافل تُكمَل منها الفرائضُ كما ثبت في الحديث الصحيح؛ ((أن أوَّل ما ينظر مِن عمَل العبدِ الصلاة؛ فإنْ وُجِدَتْ تامَّةً كُتبَت تامَّة، وإنْ وُجدَت ناقصةً قال اللهُ تعالى للملائكة: انظُروا هل لعبدي مِن نوافل فيتم بها ما انتقص مِن فريضة، ثم يُسار بعمله هكذا))؛ أي: إن كل فريضة يُكمل نقصُها مما يُوجَد مِن النوافل مِن جنْسها، فلو لم يكن مِن الإكثـــار مِن النوافل إلا هذه الفائدة لكانت كافية.
2- أن نافلة الطاعة مفتاح لِجنْسها ومثلها، فكلما فرغ العبدُ من طاعة فتح الله له بابًا آخر من الطاعات، وتَيَسُّر الطاعات على العبد مِن عاجِلِ البُشرى له بالخير.
3- أن النوافل تُحَبِّب العبدَ إلى ربه، وتزيد حبَّ الله تعالى في قلب العبد؛ ودليل ذلك ما ثبت في الحديث القدسي الصحيح؛ أن الله تعالى قال: ((ولا يَزال عبدي يتقرَّب إليَّ حتى أُحِبَّه))، وحبُّ اللهِ للعبد من أسباب حفظ الله لعبده، وإجابتِه دعاءه، واعاذتِه مما يَكره ويُحاذر.
4- أن مَن اعتاد العمل الصالح – نتيجة مداومته عليه ومَحبَّته له – إذا شُغل عنه أو عجز لمرض أو سفر أو غيرهما مِن العوائق كُتِبَ له ما اعتاده؛ لقوله – صلى الله عليه وسلم – ((إذا مرِض العبدُ أو سافر كُتِب له مِن العمل مثل ما كان يعمل وهو صحيح مقيم)).
5- أن الاشتغال بالخير وأنواع الطاعات وقتَ الرخاء يكون مِن أسباب تنفيس الكروب وتفريج الشدائد؛ لقوله تعالى عن يونس عليه السلام: ﴿ فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ * لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ﴾ [الصافات: 143، 144] ولقوله – صلى الله عليه وسلم -: ((تَعَرَّفْ إلى اللهِ في الرَّخاء يَعْرِفْكَ في الشِّدة)).
6- أن اغتنام الفُرَص فيما يَنفع أمانٌ مِن شغلها فيما يَضُرُّ؛ فإنَّ مَن تَرَكَ العملَ فيما ينفعه ابْتُلِيَ بالاشتِغالِ فيما يَضرُّه.
وفَّقَنا اللهُ جميعًا لِمَا يُحِبُّه ويَرضاه، وجعلنا هُداةُ مُهْتَدِين، وأئمَّةً للمتقين، وصلى الله وسلم على نبيِّنا محمد وآله وصحبه