بقلم د. خالد الحليبي
كله حسرة وألم، يتلهب جمرا وقهرا، وهو يحكي مأساته: ما الذي حدث لها، أكثر من عشرين عاما وهي ترعى حقوق ربها، وتقوم بحقوق زوجها، فلماذا تخون كل تلك العهود وتتواصل مع رجل غريب لا تعرفه؟ كيف تكشف أستاري، وتبوح بأسراري، وتذكرني بسوء عنده؟ هل من المعقول أن يكون مقدما في نفسها علي؟ ماذا وجدت فيه أكثر مني وهي لا تعرفه؟ كيف رضيت بأن تضحي بي وبأولادها مقابل أن تبقى على صلة به، وأن تكون لها حرية التواصل كيفما شاءت دون أن يكون لي حق الاطلاع على نوع هذا التواصل، وأنا زوجها.. بُحَّ حلقه وهو يتحدث ..
– لا تستطيع أن تستبين بعض كلماتها وهي تخلط بوحها بحشرجة صوتها المتهدج، أنا أم أولاده، ورفيقة دربه، صبرت على فقره ومرضه وجفائه، وأراه الآن منكبا على شاشة هاتفه الغبي ليل نهار، وإذا غير فإلى شاشة حاسوبه؛ مقفلا على نفسه الباب، ولا يسمح لأحد أن يقتحم خلوته، حاورته كثيرا دون فائدة، أجلس بين يديه، بل عند قدميه، فلا يلتفت إلي، من تلك التي خطفت عينيه من وجهي، وإلى أين تريد أن تذهب به؟! حتى أولاده لم يعودوا يمثلون شيئا مهما في حياته، إنني زوجة مع وقف التنفيذ كما يقال، مطعونة في أنوثتي، إلى ماذا سيدفع هذا الرجل بي!! أو بأسرته؟ كم من الوقت أستطيع أن صبر في وضع مثل هذا؟ .. تنهدت .. وكأنها نفثت شيئا مما ضغط على صدرها زمانا تجاوز السنتين وهي لا تدري ماذا تصنع؟!
لم أكن أتصور أن يتسلل هذا الداء إلى بيتي، وإلى ابنتي بالذات، وهي تعيش جوا من الألفة والمحبة والمحافظة، هي أصغر سنا من أن تزاحم الرجال في منتدياتهم، وأكبر في نظري من أن تستجيب لمغازلة طائشة على موقع من مواقع التواصل الاجتماعي المفتوحة، فماذا قال لها هذا الثعلب؟ وكيف سلب عقلها؛ حتى غسل مخها تماما، وجعل الارتباط به أهم من بيتها وسمعة أهلها ودراستها؟ أحسست أنني صغير أمام رغبتهما المريضة، وضعيف أمام إرادتهما الغريبة، هل أنا السبب؟ أم هي؟ أم هو؟ لا أخفيك أنا أتعالج الآن من الصدمة في المستشفيات، ولا أدري ماذا أفعل؟ ملكتني الحيرة، وبعثرت كياني الحقيقة المرة التي أعيشها، التي لم أتوقعها أبدا .. صدقني .. أبدا .. فماذا تراني أفعل؟
دائما نحن هكذا نتفاجأ!! تدهمنا المتغيرات فتهزنا كأننا شجيرات هزيلة، وتهدمنا وكأننا أبراج من الرمل، وتبعثرنا وكأننا ورق جاف فرقته أيد عابثة!!
التقنيات تمثل التقدم الذي نعيشه، وليس منها بد، بل هي نعمة لو أحسنا التعامل معها، فهل المشكلة في اقتنائها؟ لا .. بل في سوء استخدامنا لها.
أمامنا حلول كثيرة يجب أن نكتشفها في جلسات هادئة، مفعمة بالمصداقية، والشفقة على كيان الأسرة أن يتصدع، بل على الإيمان بالله تعالى أن يمس؛ حين يضعف الإحساس برقابة الرب عز وجل، الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور.
حقيقة/
وصلتني عدد من الدعوات على جوالي من شركات اتصالات وعلى بريدي الإلكتروني من مواقع اجتماعية، أن أشارك ـ مجانا أو برسوم يسيرة ـ في قنوات تسهل التواصل مع الجنس الآخر بل والدردشة معه أو حتى الخروج معه، على حد تعبيرها.. يا رب سلم.