حضرت مؤخرا في دبي المدينة الحضارية مدينة السعادة والأحلام مدينة الرقي والازدهار فعالية معا نرتقي بكلية الطيران بدبي والتي هدفت إلى التشجيع على جعل المفاهيم الإيجابية مفاهيما واقعية في حياة الأفراد، وهدفا اجتماعيا تسعى إليه المؤسسات، وكان المصطلح والمفهوم الأبرز استخداما هو مصطلح السعادة Happiness، ولما لا والإمارات البلد الوحيد عالميا والتي يوجد بها وزارة للسعادة، وكان الهدف الجميل من تلك الفعالية هو جذب الجمهور وتنبيه وسائل الإعلام للمفاهيم الجميلة في حياة أهل الإمارات الحبيبة.
إلا أنني عندما راجعت جدول الفعاليات وقعت عيناي على مصطلحا لم أسمعه من قبل أو أقرأ عنه، وكعادتي دائما تشدني المصطلحات الجديدة والغريبة على أسماعنا وعقولنا ألا وهو مصطلح التفاؤل الذكي، وقد تشجعت لحضور جلسة حملت عنوان علم التفاؤل، وبعد نهاية الجلسة تناقشت مع مقدمتها والتي كانت أمريكية الجنسية تعمل بدبي لنشر مفاهيم التفاؤل وعلاقته بالسعادة، إضافة لكيفية جعل هذا التفاؤل أسلوب حياه وأسلوب عمل بما أننا في دبي خاصة والإمارات عامة البلد التي تبحث دائما عن تحقيق السعادة لمواطنيها والمقيمين بها، وقد تشجعت أنا أيضا لتطرق هذا المفهوم الجديد والبحث عنه كي يتشجع الأفراد والمؤسسات على اتخاذ هذا الأسلوب في الحياة والعمل، وعملا بالحديث النبوي الشريف تفاءلوا بالخير تجدوه.
وقد تطور مصطلح التفاؤل الذكي اليوم نظرا لما تعانيه شعوب العالم أجمع من الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية الشخصية، نتيجة لما يقرأوه أو يسمعوه في وسائل الميديا ومواقع التواصل الاجتماعي ونتيجة لظروفهم الشخصية، ومن هنا كانت الحاجة لشيء قوي يقودنا للتفاؤل بالحياة والنجاح فيها، ومصطلح التفاؤل الذكي يتجاوز مفهوم التفكير الإيجابي، وقد جاءت دراسات توشيهيكو ماروتا الباحث عن علم التفاؤل بأن المتفائلين لديهم مستوى مرتفع من الوظائف البدنية والعقلية والنفسية أكثر من المتشائمين مما يؤثر على نوعية حياتهم، وقد وجد ماروتا علاقة بين التفاؤل والصحة المالية للشخص، وقد وجد أن التفاؤل أيضا سر من أسرار نظرية ثرونديك في علم النفس بأن التعلم لن يحدث إلا من خلال المحاولة والخطأ، وهذا نتاج التفاؤل.
وحين بحثي عن هذا الموضوع الشيق لم أجد تعبيرا أفضل وأقصر وأسهل فهما من أن ترجو الأفضل… وتستعد للأسوأ، وحين عكست العبارة وجدت أنها ستكون توقع الأحسن… ولا تكترث للمخاطر، وقد اقترح علماء النفس المهتمين بتطبيق التفاؤل الذكي بعدة مقترحات تتمثل في:
– التفكير بطريقة إيجابية:
ليس من السهل التفاؤل أمام حدث مؤلم في الحياة أو وسط جو مضطرب، كما أنه ليس مفيداً أن نكرر أن الأمور تسير على خير ما يرام وأن الوقت كفيل بحل المشاكل، لكن أثبتت طريقة معينة فاعليتها، وهنا يجب استعارة صفتين من المتفائلين: الميل إلى التفاؤل عند التفكير بالمستقبل، والنمط الإيجابي لتفسير الأحداث، ويخضع النمط الإيجابي في تفسير الأحداث للدراسة من الباحثين في علم النفس والذين رأوا أن المتفائلين يميلون إلى اعتبار الأحداث المزعجة عابرة وتقتصر على موقف معين لأسباب خارجة عن إرادتهم، ومن هنا يبدأ التفاؤل.
– التعامل مع الواقع:
حيث ينبغي البحث عن الفرص الخفية وراء كل صعوبة بدلا من الاستسلام للواقع، ولذا فلا بد من تخصيص الوقت لاستيعاب الموقف (فشل، عائق، تأخير) والعواطف التي ينتجها؛ ومن ثم اتخاذ القرارات كثيرة بشكل متسرع استناداً إلى الرغبة في العبور إلى مرحلة مريحة، والتفاؤل الذكي وفقا لذلك يتماشى مع الواقع ولا يعكس مشاعر الإنكار أو كبت العواطف السلبية، ولذا يجب إلقاء نظرة موضوعية على الوضع: ماذا تعلمتُ مما حدث لي؟ كيف يمكن أن أحسن الوضع؟ ما هي الآفاق التي يمكن أن تنفتح أمامي؟ حيث تؤكد الدراسات أن المتفائلين يسترخون بسهولة أكبر.
– التشكيك بمشاعر الندم:
قد ينهار تقدير الذات والثقة بالنفس من خلال التشاؤم والتمسك بالأفكار السلبية العامة والتركيز على الجروح أو التجارب الفاشلة، ولإعادة صياغة تقدير الذات والثقة بالنفس ينبغي العودة إلى الماضي لاستخلاص لحظات السعادة، ولتحقيق هذه الغاية يمكن تصفح مجلد صور أو استرجاع لحظات {الأيام السعيدة}، فقد تكون مشاعر الندم حتمية أحياناً، لكن قد تجتاح مشاعر الندم مساحتنا العقلية والعاطفية كلها فتمنعنا من عيش الحاضر وترقب المستقبل، ولذا لا بد من تفكيك هذا الندم بشكل تدريجي من خلال تغيير سياق الندم:
ما هي الرغبة التي أنتجت هذا الشعور؟ في أي مرحلة من حياتنا ظهر الندم؟ ما هي التجربة الفاشلة التي أنتجته؟ هل كان يمكن فعل شيء لتحقيق النجاح؟ ومن ثم إعادة التركيز على الحاضر واستحضار كيفية تحقيق السعادة والنجاح والمنفعة.
– التلذذ بالحياة:
يعتبر التفاؤل محرك حيوي يدفع الأشخاص إلى التقدم والنجاح، فعند إدراك جرعة الثقة في النفس التي نحتاج إليها وترقب المستقبل بإيجابية، نخطو الخطوة الأولى للمضي قدماً، فمن دون هذه الركيزة التفاؤلية، هل يمكن أن نخوض تجارب الحب؟ هل يمكن أن نقيم روابط الصداقة؟ هل كنا لنجري الدراسات والمسابقات والتدريبات؟ فيجب تنشيط القوة الإيجابية التي تحركنا، فبعض المواقف يعززها ويغذيها التلذذ بجمال العالم والناس في محيط الشخص، فيسهل حينها أن ينفتح القلب والروح على الحياة. على عكس المتشائمين الذين يركزون على الجانب السيئ للأمور، فيجب تخصيص الوقت اللازم للتفكير وطرح الأسئلة وكسب المعلومات والتخيل ونسج الأحلام بدل التسرع في الاستنتاج والتعميم واستعمال الأحكام المسبقة.
– الاستفادة من التشاؤم
أي أن التشاؤم عادة ما يجبرنا على الاستعداد للأسوأ في حياتنا وبرمجتها على ذلك حيث ينظر للنصف الفارغ من الكوب لسبب واحد وهو الاستعداد للشيء السيئ في حياتنا والعمل قدر الإمكان على تفاديه، وهذا ما يعنيه الاستفادة من التشاؤم.
والخلاصة
أن التفاؤل الذكي يشير إلى أن يرى الشخص كل ما حوله يسير بسعادة وحماس، وامتلاك نظرة التفاؤل نحو المستقبل بطريقة واعية ومنطقية، ومن هنا تأتي الدعوة لتحميس الأشخاص على أن يكونوا أكثر نشاطا في جعل العالم مكانا أفضل، والاعتراف بأن العالم يسير نحو الأفضل بدليل التغلب على الكثير من المشكلات في كافة المجالات، فنجد اليوم أن العلم وضع حلولا لأغلب الأمراض الفتاكة، وتنوعت أساليب التدريس واعتمدت على التكنولوجيا، وتمت الزراعة باستخدام طرق ذكية، حتى المباني أخذت أشكالا جديدة لم تكن معتادة وارتفاعات شاهقة، وقيس على ذلك كافة المجالات من مواصلات وكهرباء وطاقة وفضاء …إلخ، فمن هنا يتطلب منا التفاؤل الذكي أن نعطي اهتماما أكثر بالأمور الجيدة في حياتنا ولا ننظر للسيء فقط فيها.