السبت 21 سبتمبر 2024 / 18-ربيع الأول-1446

علاقة التلفزيون بالطفل




 

د. ياسر بن علي الشهري

المستشار بالرئاسة عضو هيئة التدريس بقسم الإعلام بجامعة الإمام

 

هناك مجموعة من النظريات التي يُعتمد عليها في تفسير تأثيرات التلفزيون على الأطفال، منها: «نظرية التعلُّم الاجتماعي»؛ حيث تؤكّد هذه النظرية أن العمليات العقلية والحركية (الانتباه، التذكّر، إعادة التكرار الحركي) والعمليات الحافزية، تقود الأطفال إلى «الاقتداء» (نمذجة السلوكيات التي يلاحظونها في التلفزيون، ووسائل الإعلام الأخرى)، وهنا يتضح أن خطورة قنوات الأطفال تكمن في توسيعها لدائرة ملاحظة الطفل المسلم دون كشف عن طبيعة علاقة قيم الطفل وعقيدته بما يقدم. أما النظرية الثانية التي تساعد في تفسير التأثيرات على الأطفال فهي: «نظرية الغرس الثقافي»، حيث تشير إلى أنه كلما قضى الطفل (والإنسان عمومًا) وقتًا أطول أمام التلفزيون كانت تصوراته للواقع المحيط به مرتبطة أكثر بما يقدمه التلفزيون، وتتضاعف التأثيرات على المدى البعيد. لدينا نوعان من المواد الإعلامية أقصدها بحديثي هنا: قنوات أطفال. وبرامج في أوقات مخصصة للأطفال في القنوات العامة. وهناك أيضًا أنواع أخرى من المواد الاتصالية الخاصة بالأطفال؛ مثل: الألعاب، وبرامج الحاسب، والأفلام التي يمكن للطفل أن يستخدمها في وسائل أخرى شخصية، هذه المواد والقنوات تعزّز الجوانب السلبية فيما بينها، بمعنى أن هناك تكاملًا اتصاليًا تؤكد الدراسات الإعلامية أن حدوثه كفيل بتحقيق تأثيرات مضاعفة. وفي دراسة للدكتور محمد معوض على برامج الأطفال في منطقة الخليج تبيّن أن 90 % مما يقدَّم للطفل السعودي؛ برامج مترجمة أو مدبلجة، بمعنى أنها منتجة في بيئات غير البيئة المحلية للطفل، أو البيئة القريبة من بيئته. كما كشفت دراسة للدكتورة مرهان الحلواني أن نسبة استخدام اللغة العامية في القنوات الموجهة إلى الطفل العربي تصل إلى (83.3 %). والأخطر من هذا أن هذه القنوات قدمت معلومات عن المجتمعات الغربية بنسبة (29.4 %) مقابل (11.8 %) فقط عن المجتمعات العربية المسلمة! والدراسات تؤكّد أن علاقة الطفل بالتلفزيون تبدأ من سن الثالثة وتزداد كلما كبر الطفل حتى وقت الذروة في العلاقة في سن السادسة ثم تدخل المدرسة في مثلث العلاقة وربما تفشل في احتلال مكانة في نفس الطفل؛ نتيجة تميّز التلفزيون بجمعه بين الصوت والصورة والحركة والألوان والمزج المثير بين هذه العناصر والأهم من هذا عنايته بجانب الترفيه الذي تفتقد إليه بيئة غالب المدارس. الموضوع الأهم الآن في نظري: هو كيف نتعامل مع واقع قنوات الأطفال المؤلم، وأعتقد أن استشعار المربين والمسؤولين وملَّاك القنوات والتجار لمسؤولياتهم: كفيل بتغيير الواقع وإصلاح الآثار السيئة التي تركتها هذه القنوات والبرامج التلفزيونية على أبنائنا. والمجتمعُ عمومًا مُطالَبٌ بمناقشة من يقف خلف هذه المحطات في الجوانب التالية: – ماذا قدمت هذه القنوات والبرامج لربط الطفل بمجتمعه وتعزيز الجهود التربوية التي تؤديها المؤسسات التربوية الأخرى في المجتمع؟ – ماذا قدمت هذه القنوات لأطفالنا لتزويدهم بالمعلومات الصحيحة التي تمكنهم من التعامل مع المتغيّرات التي تحيط بهم؟ – ما علاقة ما تقدّمه هذه القنوات بالوحدة العقدية والفكرية والثقافية التي تعمل مؤسسات المجتمع على تحقيقها بين أفراد المجتمع وفئاته المختلفة؟ – ما مهامها التي تؤديها لتنشئة أطفالنا على الأنماط الاجتماعية والأخلاقية المرغوبة في مجتمعنا؟ – ما البدائل والحلول التي قدمناها لحماية أطفالنا الذين يزيد عددهم عن (40 %) من السكان؟ وهنا يجب أن تكون الإجابات صريحة وواضحة من كل مسؤول عن هؤلاء الأطفال؛ لأننا نتحدث عن الطفل، ونحن نعلم أن المدة التي يقضيها أمام هذه الشاشات طويلة جدًا، وفي مرحلة شديدة الحساسية؛ تتكون فيها الانطباعات الأولى، وتُخزَّن فيها الصور الذهنية التي تتحكم في مسيرة حياته. ونعلم كذلك أن (70 %) من المكونات الرئيسة لشخصية الإنسان وقيمه واتجاهاته نحو الواقع تتكون في هذه المرحلة. وندرك أيضًا أننا في مجتمع تقليدي في تعامله مع وسائل الاتصال لذا ما زال التلفزيون يحظى بتقدير كثير من الأسر، حيث إن (88 %) من السعوديين يستخدمونه للترفيه! وفي ظل افتقار مؤسساتنا التربوية إلى الترفيه والتسلية المباحة، وافتقار المجتمع إلى المراكز الاجتماعية التي تؤدي هذه الأدوار؛ حلَّ التلفزيون محل كثير من المؤسسات التربوية والاجتماعية. إن الطفل غالبًا لا يواجه مشكلة واحدة فقط يمكن أن تؤثّر فيه تأثيرًا سلبيًا، لكن المشكلة أن القنوات والبرامج التي لا تحترم عقيدة الطفل وأخلاقه: تُحدِث ثورة من التفاعلات بين المشكلات الأسرية والاجتماعية التي يعاني منها الطفل مع البرامج والمواد البعيدة عن واقعه؛ فتخرج أجيالًا منهكة مضطربة.

 

المصدر : موقع الرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر

[«مجلة الحسبة» الصفحة (68)، العدد (109)]

تصميم وتطوير شركة  فن المسلم