الحمد لله مُدبِّرِ الأحوال، له سبحانه الحمد والشكر في الحال والمآل، وأصلي على حبيبنا الذي أكرمه الله بأفضل الخِصال، صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه ما تعاقبت الأعياد والأيام والليال، وبعد
فيومُ العيد يمثّل سماحة الإسلام ووسطيّةَ الدين، به بهجة النفس مع صفاء العقيدة، واتباعٌ للكتاب والسنة، يفرح المؤمن بيوم الجوائز على تمام الصيام والقيام، وإدراك ليلة القدر، والتوفيق لصالح الأعمال، وتلاوة وتدبر القرآن قال سبحانه وتعالى {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاء لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ * قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ} (1)
فحُق لكل مسلم ومسلمة أن يفرحا بالعيد والأنس والسرور بما حباهم الله تبارك وتعالى . حُقّ للمؤمن أن يتهللّ عقِب هذا الشهر المبارك, فالنفس البشرية بحاجة للفرح ، بحاجة للسرور، بحاجة للسعادة كحاجتها للطعام وللشراب, لا بد من إشباع حاجات الأولاد – بنين وبنات- بالفرح والسرور المشروع وبإدخال الأنس والسعادة, وإذا لم تُشبع الأسرة هذه الحاجات الفسيولوجية لدى الفتيات والشباب, ربما بحثوا عنها في بيئات ضررها أكبر من نفعها ، وبأي طريقة وبأي وسيلة حتى ولو كانت سعادة وهمية!
فلا بد أن يعلم الآباء والأمهات والمعلمون والمعلمات أن الإنسان… يتكون من نفس وروح وجسد ، والشباب والفتيات تحديداً تؤثر عليهم الانفعالات، ولا يخلو – وهو يمضي في رحلته الدنيوية – من أن يكون فرحاً أو حزيناً، والفرح هو الأصل؛ لأنه الأنسب إلى طبيعة النفس السليمة التي فُطر عليها.
بَيْدَ أن الأحوالَ قُلَّب، والأيامَ دول، فتارة تبشُّ الدنيا للإنسان فيفرح، وتداعب منه العواطف، ثم بعد حين تعصف به العواصف فيتكدر، وكلما ابتعد الانسان عن نبع الإسلام الصافي وتعاليمه السمحة كلما كثرت عليه الهموم والأحزان والأكدار والأزمات الروحية والنفسية. فلنحرص على استثمار المناسبات السعيدة ولنعطي أسرنا وأولادنا – بنين وبنات – حقهم من العناية والاهتمام فليفرحوا وليسعدوا.
لذا نرى إن أكْمَل هَدْي هو هَدْي نبينا الكريم, وأعظم منهجٍ هو منهجه القَوِيم, تَرَكَنَا على المَحَجَّة البيضاء؛ ليلها كنهارها لا يَزِيغ عنها إلا هالك, فالمتأمِّل في هَدْيه المبارك ﷺ خلال أيام الأعياد يجد أن فيها منَ الفرح والانْشِرَاح, والتَّوْسِعَة على الأهل, واللَّهْو المُباح ، ونشر المحبة والسلام الشيء الكثير، والمواقف النبوية العظيمة التي تشْهَد بذلك كثيرة ومتواترة ؛ فقد جاء في الصحيحَيْنِ عن عائشة – رضي الله عنها – أنها قالت: إن أبا بكر دخل عليها، والنبي – صلى الله عليه وسلم – عندها في يوم فطر أو أَضْحى، وعندها جاريتان تُغنيان بما تقاولت به الأنصار في يوم حرب بُعَاث، فقال أبو بكر: (أَمِزْمَارُ الشيطان عند رسول الله صلى الله عليه وسلم؟) ، فقال النبي – صلى الله عليه وسلم -: [دَعْهُما يا أبا بكر، فإنَّ لكل قوم عيدًا، وإنَّ عيدنا هذا اليوم] (2)
وقد صح أنه ﷺ أذن للحبشة يلعبوا في المسجد في العيد وقال ﷺ: [لَتَعْلَمُ يَهُودُ أَنَّ فِي دِينِنَا فُسْحَةً ؛ إِنِّي أُرْسِلْتُ بِحَنِيفِيَّةٍ سَمْحَةٍ] (3)
وقد بوَّب عليه النووي رحمه الله بقوله : (بَاب الرُّخْصَةِ فِي اللَّعِبِ الَّذِي لَا مَعْصِيَةَ فِيهِ فِي أَيَّامِ الْعِيدِ) .
فالعيد مناسبةٌ إسلاميةٌ عظيمة فرصةٌ لنا كآباء وأمهات وتربويين وتربويات للمراجعة الصَّادقة مع النفس ومراعاة احتياجات من هم تحت مسؤولياتنا.
كما أنه مناسبة للتأمَّل في حكمةَ الله في قضائه، نتأمَّل قدرتَه وحكمَ آجاله، لنتذكَّر إخوةً لنا أو أصدقاءَ أو أقرباءَ كانوا معنا في أعيادٍ مضت كانوا ملءَ السَّمع والبصر اخترمتهم المنون، فندعو لهم بالرحمة والمغفرة والرضوان.
والعيد فرصةٌ عظيمة لتضع بصمتك الإيجابية وتُشارك من حولك فرحة العيد بالمشاعر الطيبة النبيلة، وبالابتسامة المشرقة، وطلاقة المحيا الجميل. لتَتصافَى القلوبُ، ولتتصافَح الأيدي ويَتبادَل الجميعُ التَّهانِيَ. فالعيدَ مناسبةٌ إسلامية تُدخِل البهجةَ والسرور على الأرواح، والبسمةَ على الوجوه والشِّفاه، كما أنّ العيد فرصةٌ لكلِّ مسلمٍ يغسل روحه ونفسه ليَتطهَّر من دَرَن الشحناء والأخطاء والمكدرات. فلا يَبقى في قلبِه إلاَّ بياضُ الأُلفة ونور الإيمان؛ وسلامة الصدر، ونقاء السريرة.
أيها الأحبة ما أعظم احتساب الأجر في حضور مناسبات الأعياد سواءً على مستوى الأسر أو الجيران في أحياء وقرى ومحافظات وطننا المعطاء، فمظاهر الألفة والترابط ؛ من السمات الجميلة التي يتميز بها مجتمعنا. فليحتسب الأجر من كان سبباً في تأسيس هذه اللقاءات أو في استمرارها, فهي ليست إحياءً لتراثً قديم أو نشراً لثقافة المجتمع فحسب؛ بل هي إحياء لسُنن حبيبنا وقدوتنا ﷺ قال تعالى {ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ} فإدخال السرور على عباد الله أطفالاً وكباراً من سُنن المصطفى ﷺ فقد صح عنه حديث ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ رَجُلا جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَيُّ النَّاسِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : [أَحَبُّ النَّاسِ إِلَى اللَّهِ أَنْفَعُهُمْ لِلنَّاسِ ، وَأَحَبُّ الأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ سُرُورٌ تُدْخِلُهُ عَلَى مسلم] (4)
كما أن في اجتماعات الأسر في الأعياد عبادة عظيمة -أيضاً- ألا وهي صلة الرحم ففي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: أن النبي ﷺ قال [إن الله قال للرحم :أما ترضين أن أصل من وصلك وأقطع من قطعك قالت بلى قال فذاك لك ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اقرءوا إن شئتم {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ* أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ * أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} ] (5)
وإذا كان فرح الكبار بالعيد ظاهر وواضح فما بالك بفرح الأطفال ؟ كما أن سعادة الآباء والأمهات من سعادة الأطفال.
قال الحافظ ابن حجر – رحمه الله : (مشروعية التوسعة على العيال في أيام العيد بأنواع ما يحصل لهم من بسط النفس، وترويح البدن من كلف العبادة). (6) وقال رحمه الله ( إِظْهَار السُّرُورِ فِي الْأَعْيَادِ مِنْ شِعَارِ الدِّينِ ” انتهى من ) (7)
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله )الأعياد هي من أخص ما تتميز به الشرائع ، ومن أظهر ما لها من الشعائر ). (8)
وقال الشيخ العلامة ابن عثيمين -رحمه الله ورحم والدينا رحمةً واسعة- : (في العيد الناس يتبادلون الهدايا يعني يصنعون الطعام ويدعو بعضهم بعضاً ، ويجتمعون ويفرحون ، وهذه عادة لا بأس بها ؛ لأنها أيام عيد ، حتى إن أبا بكر رضي الله عنه لما دخل على بيت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – وذكر الحديث – وفي هذا دليل على أن الشرع – ولله الحمد – من تيسيره وتسهيله على العباد : أن فتح لهم شيئاً من الفرح والسرور في أيام العيد) (9)
وقال رحمه الله رحمةً واسعة : (هذا اليوم يوم عيد يفرحون فيه، ويفعلون فيه من السرور واللعب المباح ما يكون فيه إظهار لهذا العيد، وشكر لله عز وجل لهذه النعمة) أ-هـ
وقال رحمه الله تعالى (عيد الفطر لا بأس بإظهار الفرح والسرور مالم يتجاوز الحد الشرعي )أ-هـ هنيئاً لكل من كان سبباً في هذه لقاءات صلة الرحم أو لقاءات المعايدة بين الجيران والأحبة والزملاء واحتسب ذلك لوجه الله تعالى، أعاد الله العيد عليكم باليمن والخيرات والمسرات وجعلكم مباركين حيثما كنتم ووفق الله الجميع لكل خير وحفظ على بلادنا أمنها وحدودها وقيمها واستقرارها صلى الله وسلم على نبينا وعلى آله وسلم.
—————————-
المراجع :
1- سورة يونس 57- 58
2- رواه البخاري ومسلم.
3- الصحيح الجامع للألباني (3219)
4- صحيح الجامع.
5- صحيح مسلم .
6- فتح الباري 2/433.
7- فتح الباري” (2/ 443)
8- الفتاوى.
9- مجموع فتاوى الشيخ العثيمين ( 16 / 276 ) .