الأثنين 11 نوفمبر 2024 / 09-جمادى الأولى-1446

صلة الأرحام وذوي القربى



قال تعالى: ﴿وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلاً مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ﴾ (البقرة/ 83).

﴿وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ﴾ (البقرة/ 177).

﴿لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ﴾ (البقرة/ 180).

﴿قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ﴾ (البقرة/ 215).

﴿لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا﴾ (النِّساء/ 7).

﴿وَأُولُو الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ (الأنفال/ 75).

ويؤسِّس القرآن لعلاقات اجتماعية إنسانية وعاطفية، هي علاقة ذوي القربى من الأهل والأرحام والأقارب، وأعظمها العلاقة بالوالدين التي قرن الوحي بينها وبين حقّ الربوبية، قال تعالى: ﴿أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ﴾ (لقمان/ 14).

إنّ النسيج الاجتماعي يترابط أفراده ومؤسّساته من خلال علاقات إنسانية، قانونية، أخلاقية وعرفية.

المجتمع بناء إنساني مُعقَّد التركيب والتفاعل والحركة، تتكوَّن مفرداته من: (الأفراد، والأُسر، والمؤسّسات، والعشائر، والقبائل وغيرها).. وعندما يحكم نسيج العلاقات وتُبنى روابط القربى على أُسس قانونية و نفسية وأخلاقية سليمة، فإنّ المجتمع ينمو ويتطوَّر وتقل مشاكله وأزماته، لاسيّما النفسية والأمنية والاقتصادية… إلخ.

وإنّ أوسع علاقات المجتمع هي علاقات ذوي القربى والأرحام، فعندما يتواصل هؤلاء يتحقَّق التقارب بينهم في السَّرّاء والضَّرّاء، ويشعر الفرد بأجواء نفسية وعاطفية متألِّقة، ويجد مَن يقف إلى جنبه في حالات المحنة ويشاركه في مسرّاته وأحزانه.

إنّ هذا النمط من التواصل الاجتماعي هو الطريق إلى بناء مجتمع قوي متعاون متحاب متواصل..

قرأنا في مقدّمة الموضوع، في آيات عديدة، دعوة القرآن الصريحة لبناء أقوى العلاقات الاجتماعية وأمتنها لصياغة المجتمع الإسلامي، وتنظيم العلاقات والروابط فيه.. وإذاً فلنقرأ آيات الموضوع مرّة أُخرى لنستوحي من عطائها وخزين محتواها ما يُضيء لنا الدرب، ويفتح أمامنا آفاق الوعي لهذه الدعوة والقيم البنّاءة.

إنّ في هذه الإضمامة من الآيات مبادئ أساسية لبناء علاقة الرحم والقربى، كأُسس لبناء المجتمع المنظَّم المتفاعل، فالآيات دعت إلى الإحسان لذوي القربى، والإحسان له مصاديق كثيرة.. له مصاديق مادّية ومعنوية، بل ونَظَّمت الآيات العلاقات الاقتصادية الخاصّة في دائرة ذوي القربى بأحكام الميراث والنفقة والوصيّة، كما دعت إلى التواصل المادّي بين الأرحام، تحت عنوان: الإحسان والمعروف.

واعتبرت قطيعة ذوي الرحم من كبائر الذنوب وأشدّها وقعاً على النفس.. نقرأ هذا التحريم في قوله تعالى: ﴿فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ﴾ (محمّد/ 22).. كلّ ذلك لصياغة المجتمع وحمايته من التقاطع والتدابر، وما ينتج عن ذلك من مخاطر تمزيق وحدة المجتمع وبُنيته الاجتماعية، وانعكاس ذلك على الوضع الخاص للأفراد والجماعات.

وكما يأمر القرآن بالتواصل مع الأرحام وذوي القربى، فإنّه ينهى عن الوقوف معهم بالباطل ومعصية الله سبحانه، قال تعالى: ﴿وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾ (الأنعام/ 152)، ذلك لأنّ الحقّ والعدل هما الأساس الذي تُبنى عليه الحياة في منهج القرآن، من غير أن يستثني أحداً من الناس.

تصميم وتطوير شركة  فن المسلم