ما معنى أن تكون متمتعاً بصحّة نفسية جيدة؟ يقول البعض إنّ الصحّة النفسية معناها التفكير الناضج، بينما يقول آخرون إنّ الصحّة النفسية معناها اعتدال المزاج والتمتع بالهدوء والسكينة. ولكن إذا قلنا إنّ الصحّة النفسية معناها التفكير الناضج، فهل معنى هذا أنّ الطفل الطبيعي لا يتمتع بصحّة نفسية جيدة؟ بالطبع لا. فالطفل الطبيعي يكون في نفس الوقت متمتعاً بالصحّة النفسية الجيدة. ولكن هل هذا معناه أنّ الأفكار لا تؤثر في صحّة المرء النفسية؟ وهل معناه أيضاً أنّ الثقافة ليس لها دخل في صحّتنا النفسية؟
الواقع أنّ الأفكار والثقافة يؤثران في صحّة الإنسان النفسية. ولقد نقول على الأقل إنّ بعض الأفكار الخاطئة تسبب المرض النفسي. وحبذا لو عرضنا مثالاً يوضح كيف أنّ بعض الأفكار الخاطئة تضرّ بالصحّة النفسية. أحد الشبان صدق أن تعاطى المخدرات يجعل منه فناناً لأنّه سمع أنّ أحد الفنانين المشهورين كان يدخن الحشيش. لقد اعتقد هذا الشاب أنّ المخدرات تضيف إلى الإنسان قدرات فنية خارقة. فأقبل على تعاطي المخدرات وإدمانها. فماذا كانت النتيجة؟ اختلال تفكيره وضعف تركيزه الذهني وفقدان اتزانه النفسي.
ولعلنا نسأل: ولكن هذه الأفكار الجيدة تحسن مستوى الصحّة النفسية؟ هذا أيضاً صحيح. فأغلب الفلاسفة والحكماء يتمتعون بصحّة نفسية جيدة، وذلك بفضل الأفكار الجيدة التي يحملونها في عقولهم. بيد أنّك قد تعترض بقولك “ولكننا نسمع عن فلاسفة انتهت حياتهم بالجنون. سمعنا مثلاً أنّ الفيلسوف الألماني نيتشه قضى بقية حياته في إحدى المستشفيات العقلية. أفلا يعني هذا أنّ فلسفته وأفكاره العميقة لم تنفعه، ولم توفر له الصحّة النفسية الجيدة؟” هذا صحيح. ولذا يجب أن نميِّز بين نوعين من الأفكار. نوع يؤثر في الصحّة النفسية للمرء، ونوع آخر لا يؤثر. فالفيلسوف قد يصب فكره على العالم والوجود وينسى أن يفكر في نفسه. فلا تكون أفكاره ذات قيمة أو ذات تأثير في صحّته النفسية. ولكن الأفكار المفيدة للصحّة النفسية هي الأفكار التي تنظم حياة الإنسان وترتب عواطفه وتحد من انفعالاته.
ولكن هل هذا معناه أنّ المهم هو مدى تأثير الأفكار في العواطف والانفعالات؟ نعم فلقد تسير الأفكار في تيار، بينما تسير العواطف والانفعالات في تيار آخر. فإذا حدث هذا فإنّ الأفكار مهما كانت دقيقة وصحيحة فإنّها لا تؤثر في الجانب الوجداني من حياة المرء. فهل نستطيع إذن أن نقول إنّ عواطف المرء هي المسئولة عن صحّته النفسية. بالطبع لا فإنّنا لا نستطيع أن نقول إنّ العواطف وحدها هي المسئولة عن الصحّة النفسية. فهناك ما يتعلق بالفكر نفسه. فلكي يكون المرء متمتّعاً بصحّة نفسية جيدة يجب أن تكون عواطفه مرتبة وأفكاره أيضاً منظمة. فخلل التفكير أو خلل العواطف كلاهما لا يدل على التمتع بالصحّة النفسية الجيدة.
ولكن ماذا عن تأثير الجسم في الصحّة النفسية؟ نقول إنّ العقل السليم في الجسم السليم. فهناك ما يعرف بالأمراض العصبية، وهي تلك الأمراض النفسية التي تحدث نتيجة خلل في الجهاز العصبي أو عندما يصاب المخ بالأورام مثلاً.
الكاتب: يوسف ميخائيل
المصدر: كتاب شخصيتك بين يديك