الأحد 24 نوفمبر 2024 / 22-جمادى الأولى-1446

سيكولوجية الخوف من المستقبل



 

الناس جميعا إلا من رحم الله يكّدون وتعبون ويضحون بالكثير من راحتهم من أجل أولادهم وأسرهم، ولا يكتفون بتوفير احتياجاتهم المعيشية فقط، بل يعملون على تأمين مستقبلهم أيضا ضانين أن أفضل وسيلة لذلك هي جمع أكبر قدر من المال، وبناء الدور وشراء الأراضي مع أن الواقع المشاهد لا يؤكد هذا بل غالبا ما ينفيه ، فكثير ما كان المال الذي تركه الأبوان لأبنائهما سببا في انحرافهم بل وفقرهم ، قال تعالى : ” ألا يعلم من خلق وهو اللطيف خبير ” الملك 14 .

فالله عز وجل هو الذي خلقنا من العدم وأعطانا من النعم لا تعد ولا تحصى، وهو سبحانه الذي أخبرنا في كتابه وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم بأن تأمين المستقبل للأولاد في الدنيا والآخرة لا يكون إلا من خلال طريق واحد ألا وهو طريق الصلاح والتقوى وحسن الصلة به سبحانه وتعالى: ” وليخش الذين ولو تركوا من خلفهم ذرية ضعافا خافوا عليهم فليتقوا الله وليقولوا قولا سديدا ” النساء 9 .

فالتقوى مدرسة ربانية تصل العبد بخالقه ، وتفتح أمامه أبواب الترقي وتمنحه فرص السمو والرفعة ، والتقي يطلب المكانة الحقة عند الله تعالى ، ولا يأبه لأعراض الدنيا ومنازل الناس فيها ، وما تغري به ذوي الشهوات والأهواء ، والتقي لا يرضى في أي حال من أحواله أن ينحرف قيد أنملة عن الصراط المستقيم ، فهو يدعو كل يوم سبع عشرة مرة ( في الصلوات الخمس ) أن يهديه الصراط ” اهدنا الصراط المستقيم ، صراط الذين انعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين ” الفاتحة 7 ولقد تكفل الله عز وجل لكل من انتسب إليه وصار من أوليائه بحمايته وكفايته ونصرته ، قال تعالى : ” إن عبادي ليس لك عليهم سلطان ” الإسراء 65 ، وقال تعالى : ” أليس الله بكاف عبده ” الزمر 36 ، فأولياء الله لا يخافون إذا ما خاف الناس ، ولا يحزنون إذا ما حزنوا ، فلماذا إذن الخوف من المستقبل ما دمت في معية الله وفي حماية ملك الملوك ، ألم تقرأ قول الله تعالى : ” ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا يحزنون ” يونس 12 ، أما الذي هو بعيد عن طريق الله تعالى فيشعر كأنه مثل اليتيم في هذا الكون ليس له صلة بمالك الملك ومدبر الأمر ، فمن ينصره بمن بعد الله ؟ .

إن الدخول في حمى الله ومعيته ، والاستمتاع بمقتضيات تلك الحماية من سكينة وطمأنينة وراحة البال ، وعدم الخوف من المستقبل أو حزن على ماض ، وفي هذا يقول ابن رجب الحنبلي رحمه الله تعالى : ”  فمن قام بحقوق الله عليه فإن الله يتكفل بجميع مصالحه في الدنيا والآخرة ، ومن أراد أن يتولى الله حفظه ورعايته في أموره كلها فليرع حقوق الله عليه ، ومن أراد ألا يصيبه شيء مما يكره فلا يأتي شيئا مما يكرهه الله منه ، واعلم أن السير في طريق الله هو الوحيد الذي يحصل على المستقبل لك ولأهلك وأولادك ، وطريق الله هو الوحيد الذي يحصل صاحبه على الثمار العاجلة في الدنيا قبل الآخرة ، وهي الوسيلة الوحيدة لتحصل السعادة بمعناها الحقيقي ، وسكينة النفس وراحة البال والرضا والطمأنينة ” .

الدكتور / العربي عطاءالله

استشاري في الإرشاد النفسي والأسري

تصميم وتطوير شركة  فن المسلم