لا يزال الموروث الاجتماعي هو الطاغي على الكثير من ممارسات المجتمع العربي على الرغم من المتغيرات الهائلة التي أحدثها عصر التكنولوجيا وثقافة العولمة على المنطقة العربية بأسرها ، وهذا يشير إلى تمسك المجتمع الشرقي ببعض العادات التي تأصلت لدى أبناء المجتمع وأصبح جزء من سلوكياته ، منها على سبيل المثال تقديس ( المجتمع الذكوري ) وتفوقه في معظم المجالات الاجتماعية والوظيفية ، صحيح أن هذا التوجه قل درجته في العقدين الماضيين وحل محله نوعا من التكافؤ بين الجنسيين لكن لا تزال بعض العائلات متمثلة بنمط سيادة الذكر على الأنثى ، وارتفاع مكانة الذكر وخاصة الأخ في المنزل والسماح له بإدارة شؤون العائلة في غياب الأب ويجعله متحكم ومتسلط في المنزل حيث يعطى السلطة الأبوية حتى لو كان صغيرا لان بعض العائلات تسير وفق النمطية فيجب عندهم أن يكون الولد هو الأقوى ، وهو من يكمل زمام السيطرة المطلقة وعلى الجميع بمن فيهم الأم الالتزام بكافة التعليمات الصادرة منه ، فيطلب من إخوته البنات الولاء والطاعة العمياء والانصياع التام , ويري نفسه القيم على الجميع في المنزل فتزداد حجم السلطة والسيطرة مع زيادة انشغال الأب خارج المنزل ، حيث يشعر الأخ هنا انه رجل البيت وصاحب الكلمة المطلقة ، ويجب أن تطيعه أخته سواء كانت أصغر منه أو أكبر منه لأنه يحمل امتيازات كونه الذكر وهي الأنثى ، وتزداد الأزمة في تدليل الوالدين لابنهما وتماديه في السلطة، كذلك لا ننسى إن كان الولد لديه خبرات سيئة في تعاملاته خارج البيت، لان في هذه الحالة سيكون متشددا مع شقيقته، قاسيا معها، متشككا فيها من منطلق حرصه على إلا تكون مثل الأخريات اللواتي يعرفهن، لذلك كثيرا ما ترفض البنت الإذعان وان اضطرت تحت الضغط فإنها ستفعل ما تريد في الخفاء مما يثير استياء البنات والأولاد الأصغر سنا نتيجة للسيطرة المفرطة والخشونة في التعامل وتزداد المشكلة بموافقة الأب في كل تصرفاته وتشجيعه له على استعمال العنف مع البنات، بدعوى انه يجب أن تخاف منه شقيقاته حتى لا ينحرفن , في حقيقة الأمر لا نعمم هذه الممارسة ولا نعدها ظاهرة بالمعنى الواضح والمفهوم الدارج ولكنها تصرفات فردية لعدد من الأفراد نتيجة تغير الظروف الاجتماعية المحيطة بهم ,وانعكاسات الوضع النفسي الاجتماعي .
ويتضح جليا من خلال المؤشرات أن سيطرة الأخ على أخته تكون في الطبقات البدوية والأسر المحافظة التي تمنحه حق السلطة على الأخت أما في الطبقات المتمدنة والأكثر انفتاحا تقل سلطته وتمنح الفتاة حرية وسلطة تكاد أن تكون متساوية معه .
ولكن إذا نظرنا إلى الجانب الآخر لسوف نجد أن الابن الأكبر في الأسرة ومنذ نعومة اظافره عندما يتولى مسؤولية المنزل حال غياب أبيه فأنه يتدرب ويتأهل لتحمل المسئولية وإدارة شؤون المنزل مستقبلا وهذا أمر حسن ، فتجد الأسرة تعتمد عليه في قضاء حاجاتها وتكليفه بمهام الأب ومقابلة الضيوف إلى آخره من المهام الروتينية داخل المنزل وخارجه فينمو إحساس المسئولية تجاه الأسرة داخل هذا الابن ويزداد ترسخا بمرور الأيام ويعتبر نفسه مسئولا عن الأسرة في وجود الأب أو غيابه ولكن المشكلة أن يترجم تلك السلطة إلى ممارسات سلبية تؤدي إلى كتم الحريات الاجتماعية ومراقبة كل التصرفات والتعامل مع الأخوات تحت مجهر الشك والظن السيئ ، ويظل هو المسيطر حتى علي قرارات اخواته الشخصية , ويتدخل في شئونهن الخاصة مثل الزواج والاختيار والعمل واختيار الأصدقاء وأشياء من هذا القبيل وقد يصل إلى استخدام العنف اللفظي والجسدي ففي الوقت الذي يستمتع فيه الأخ بحريته خارج البيت والتصرف كما يحلو له لكنه في المقابل لا يسمح لشقيقاته بمجرد الخروج مع صديقاتهن أو التحدث مع زملائهن !!!
أن أصول التربية الحديثة تستدعي عدم إدخال طرف أخر غير الأب والأم في عملية التربية لأن هذا يكسر أصول التربية فالأخوة يجب أن يتعاملوا بمبدأ التكافؤ والندية وإذا فقدت العلاقة هذا الأمر أصبحت دينامكية الأسرة غير سليمة ، فالابن المسيطر يربك منظومة الأسرة واحترامها ويربك القواعد الأسرية التي من المفترض أن تسير عن طريق الأبوين ، كما يبين أن بعض هؤلاء الأخوة المتسلطين هم في مرحلة عمرية غير ناضجة كونهم في مرحلة المراهقة أو في أول مرحلة الشباب ، كما أن بعضهم يعاني من اضطرابات شخصية يعكسها على الأخت بصورة اسقاطية سلبية كأتهمامها بالمعاكسة والانحراف والتقليد الاعمي لبعض السلوكيات الخاطئة .
وهذا المفهوم خاطئ ويجب أن يراعي في الأسرة مفهوم الاحترام المتبادل وتعزيز تبادل الأدوار والوظائف الاجتماعية في ذلك , فالمرأة اليوم شاركت الرجل في العديد من الوظائف الاجتماعية ,والأدوار التنموية التي تمثل الحاجة الأساسية للمجتمع كالتعليم والصحة وغيرها
د. خليفة بن محمد المحرزي .
المصدر : موقع المستشار خليفة المحرزي .