يقول المولى سبحانه وتعلى في كتابه العزيز : الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَـئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ) [الأنعام: 82].
والمقصود بالظلم هتا والله أعلم بمراده هو هنا كل أنواع الفسوق والعصيان وليس المراد به الكفر لأن الكفر لا يتعايش مع الإيمان قط، هما نقيضان. إذاً المراد بالظلم كل أنواع الفسوق، فمن آمن بالله عز وجل بلسانه ولكنه لم يخضع لسلطان الأوامر الإلهية بسلوكه فقد مزج إيمانه بظلم.
كل من أعلن بلسانه أنه مؤمن بالله عز وجل ولكن سلوكه لم يصطبغ بذل العبادة والعبودية لله عز وجل بكل أنواع العبادات التي تعرفون، لم تعرف جبهته السجود، لم تعرف أعضاؤه ولم تستلم للعبادات المختلفة المتنوعة التي أمره الله سبحانه وتعالى بها فقد مزج إيمانه بالظلم. كل من هيمنت محبة الدنيا متمثلة في المال، متمثلة في التجارة، متمثلة في فضول الأرزاق المختلفة، كل من هيمن ذلك كله على كيانه فراح يستثمر المنعطفات السيئة والظروف الاستثنائية وحالات الضيق التي تطوف بالفقراء والمعوزين، اعتصر من هذه الحالة رأس مالٍ لتجارته، رأس مالٍ لأرباحه فقد مزج إيمانه بالظلم، وأي ظلم.
كل من آثر الاستئثار على واجب الإيثار، كل من طوى مشاعر الرحمة من قلبه وأبعدها إلى زاوية بعيدةٍ بعيدة ونشر في زوايا قلبه بدلاً من ذلك الأثرة، حب الذات، وراح ينتهز ظروفاً كهذا الظرف الذي نمر به، راح ينتهز الضائقة الاقتصادية ملونة بألوانها التي تعرفون، راح يستثمرها لصالحه، راح يستثمرها يلهث ذاهباً آيباً ليملأ من وراء هذه المحنة جيبه على حساب أولئك المعوزين المحتاجين، ينظر حاجة الوطن الى الحرية فيستغل المواطنين ويغرر بهم ويذهب بيهم في مهالك لا قبل لهم بهاكل هؤلاء وغيرهم ممن لا يشبعون ابدا ولا يدركون ان الله يراقبهم وفوقهم ولا يركون ان الحياة قصيرة وان الدنيا ماهي الا وهم وسراب قصير متاع زائل ولكنهم لا يرتدعون ولا يدركوت ولا ينتبهون ابدا فهم ظالمون لانفسهم مغررين لها وللآخرين ايضا فما اعظم جرمهم وما أكثر مصائبهم وذنوبهم.
إنهم منساقون الى كل ما توحي إليه به انفسهم الأمارة بالسوء بل يوحي إليهم شياطينهم من الانس والجن فيعتصرون الآخرين ويرتكبون في حق المواطنين كل انواع الفساد والاجرام دون رادع او مسئولية والغريب انهم يلقون دائما بالتبعية والمسئولية في ما يحدث على شماعة الآخرين التى تبرد بها ضمائرهم المجرمة القاتلة ان هؤلاء قد مزجوا إيمانهم بالله بظلم هذا ان كانو اصلا مؤمنين به فعلا.
بئس قوم عاشوا وماتوا على الأثرة وحب الذات المفرط…أننا لا نعرف قيمة الوقت، فنضيع أوقاتنا سدى، وتذهب أعمارنا في القيام بأشياء ليس لها قيمة، وإذا كان فينا من يحسن الاستفادة من وقته، وينفقه في علم أو أدب أو شيء مما يعود بالنفع على الناس، فلن يعدم من يضيع عليه وقته ويسرق لحظات ثمينة من عمره دون أن يتوهم انه أساء أو فعل ما يضر بل منا من يريد ويتلذذ بتدمير كل من تسول له نفسه بالنجاح والعمل الدؤب . إنهم أعداء النجاح لو قمنا بحصر الوقت الذى ضيعناه فى الاشياء العبثية التى نقوم بها ولا معنى ولا قيمة حقيقية لها، وقارناها بالوقت الذي نعمل فيه عمل نافع ومفيد سنجد أن أكثر من ثلاثة أرباع أعمارنا تضيع هباءومجتمعنا كله يعيش حياة كلها صراع مقيت على السلطة ولا احد يقدر المسئوليه ويخرج عن نطاق انانينة المفرطه والمركب يغرق والناس منشغولون كل في ملهاتة الخاصة…انه سراب ووهم يعيشون فيه للاسف لان في داخلهم ظلمة شديدة تسيطر عليهم …الا فوقوا ايها القوم مما انتم فيه اليس فيكم رجل رشيد؟!!!
إن تزايد أعداد القتل بالمواطنين و بالمسلمين خاصة هنا وهنا وهناك، دون مبرر ولا رادع ولا محاسبة ولا ضمير من أجل القضاء على الإسلام، وذلك ناشئ عن فشل فاعلية المسلمين وعمل قادتهم على إفقارهم، و الوقوف في وجه تنامي الاسلام و المسلمين كما وكيفا وهو الامر الذي يُرْعِب أعداء الله وأعداء الإسلام، وكيف السبيل إلى ذلك؟ بأن تدور رحى القتل الجماعي بدون اي مبرر او مسئولية او محاسبة على المسلمين. ها أنتم ترون كيف يُقَتَّلُ المسلمون بأيد كل من هب ودب وباوامر من اعدائهم دون ان يشغلوا انفسهمم بالقيام بذلك باسم محاربة الإرهاب، وكيف يُقَتَّلُ المسلمون بأيدي إخوانهم باسم الجهاد، ألا ترون ذلك؟! ً فالمسلمون يُقَتَّلون هنا ويُقَتَّلون وذاد على ذلك القتل الناتج عن الاهمال وعدم المسئولية والفقر فاصبحنا من اكثر الشعوب تعرضا للحوادث .
فقدت الأمة كثيراً من أخلاقها الحميدة فتفككت أجزاؤها وتنازع أفراها وذهبت ريحها وظهر فيها حب النفس وعبودية الذات والأنانية المفرطة والعجب والغرور والرياء والتطلع إلى الشهرة، ويؤكد الإسلام أن المعايير الأخلاقية السامية يجب أن تنظم شئون الحياة بدلاً من تحكّم الشهوات والأنانية والمصالح الضيقة.
قال تعالى: ﴿وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا الله فَأَنْسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ﴾؛الحشر:19 فنسيان الله هو سبب الأنانية وفرعونية النفس وتوهّم ملكيتها؛ وبذلك ينسى الإنسان نفسه أيضًا ويغفل عنها؛ فإذا فكّر في الموت صرفه لغيره، وهذا الأناني ينسى نفسه أمام التكليف ويتذّكرها في مقام الأجرة والحظوظ؛40 فهو يتعلّق دائماً بالنعم المحسوسة ويتشبث بها بمعزل عن الله الذي أنعم عليه بها، وكل من لم يعرف إلا المدركات الحسية فقد نسى الله؛ إذ ليس ذات الله مدركاً في هذا العالم بالحواس الخمس، وكل من نسى الله أنساه الله لا محالة نفسه ونزل إلى رتبة البهائم وترك الترقي إلى الأفق الأعلى وخان الأمانة؛ فيكفر حينئذ بنعمة الله ويتعرض لنقمته،
وقد كشفت هذه الآية الشريفة عن سنة من سنن الله تعالى: وهي أن من غفل عن تذكر الله فنسيه وألهته دنياه عن العمل للدار الآخرة أنساه الله نفسه التي بين جنبيه فلا يسعى لما فيه نفعها ولا يأخذ في أسباب سعادتها وإصلاحها ولا يسعى في إزالة عللها وأمراضها التي تفضي بها إلى الفساد والدمار والهلاك. ومعلوم أن أكثر الخلق قد نسوا أنفسهم وضيعوها وأضاعوا حظها، وهؤلاء هم الذين اشتروا الضلالة بالهدى فما ربحت تجارتهم وما كانوا مهتدين. وأما الرابحون فهم الذين أنار الله قلوبهم للحق فعرفوا الدنيا وقيمتها وعرفوا مقدارها فلم يبيعوا انفسهم بالرخيص وبوهم زائل لا محالة وأنار الله قلوبهم وانفسهم من ظلمة النفس وظلمها وظلم الآخرين.